هل القدس عربية بالأساس؟ – وكالة أنباء آسيا

في قراءة لبحث أعده عبدالتواب مصطفى بعنوان ” التأصيل التاريخ لعروبة مدينة القدس “، نعرف أنه قبل الميلاد بنحو ثلاثة آلاف عام، كانت أولى الهجرات العربية الكنعانية إلى شمال شبه الجزيرة العربية، واستقرت على الضفة الغربية لنهر الأردن، أي المنطقة الجبلية من فلسطين، منسابة إلى البحر المتوسط. وسميت الأرض: من النهر إلى البحر، بـ “أرض كنعان”، وأنشأ هؤلاء الكنعانيون مدينة (أورسالم). ثم استقبلت تلك المنطقة ـ 2500 ق.م ـ بعض القبائل القادمة من جزر البحر المتوسط، تسمى قبائل (فلستين)، إلى سواحله الشرقية الجنوبية، عُرفوا بسكان السواحل أو (بالستين).

اختلط هؤلاء المهاجرون الجدد بالكنعانيين، لكن غلب الدم الكنعاني على هذا الشعب، وغلب اسم (بالستين) على المكان.

تؤكد أعمال التنقيب البريطانية التي تمت في تلك المنطقة، عام 1961، أن الوجود الكنعاني اليبوسي بها، وبالقدس تحديداً، يعود إلى ثلاثة آلاف عام.

وكانت بعثة أثرية بريطانية قد أجرت أعمال التنقيب تلك، ولم تعثر من خلالها إلا على فخاريات منقوش عليها، باللغة الكنعانية، أن المؤسسين الأوائل لمدينة القدس هم اليبوسيون، كما كشفت تلك البعثة أنه كان بالمنطقة، التي وجدت بها تلك الآثار، قلعة لليبوسيين.

جعل اليبوسيون مقر سكناهم بادئ الأمر، على بعض المرتفعات المجاورة لنبع ماء لا ينضب. وهو يدعى، اليوم، بعين أم الدرج، في قرية سلوان الواقعة في الضاحية الجنوبية من مدينة القدس الحالية. وحصَّن اليبوسيون ذلك الموقع، أو تلك المدينة .. وبمرور الزمن، هجرت تلك المدينة، وحلت محلها نواة رئيسية لمدينة أكبر، تقوم على مرتفعات وتلال أخرى، هي: مرتفع الزيتون، مرتفع الحرم، مرتفع صهيون، وهذه تقع داخل ما يعرف، حالياً، بالقدس القديمة، التي يحيط بها سور القدس الشهير، الذي بناه السلطان العثماني سليمان القانوني، في العصر الإسلامي، 1542م، والمعروف بأبوابه السبعة.

أول اسم ثابت لمدينة القدس هو (أورسالم)، يوم أسسها الكنعانيون العموريون، القادمون من جزيرة العرب، في بداية العصر البرونزي، أي قبل خمسة آلاف عام. وهذا الاسم العموري يعني (أسسها سالم). وقد ورد في نصوص مصرية قديمة، تعود إلى عهد سنوسرت الثالث (1879-1842 ق.م). ثم ذكرت في ألواح تل العمارنة، التي تضمنت ست رسائل، بعث بها ملك المدينة (أورسالم) إلى أخناتون، فرعون مصر، في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، تحديداً في 1370 ق.م. ثم ما لبثت تلك المدينة أن أخذت اسم (يبوس)، نسبة إلى اليبوسيين. وهم من بطون العرب، أيضاً، وقد بنوا قلعتها (صهيون)، التي تعني بالكنعانية (مرتفع)، كما بنوا هيكلاً لإلههم (سالم)، فكان بيتاً للعبادة.

كان اسم (أورسالم) قد ظهر، لأول مرة في التاريخ عام 2500 ق.م، على تماثيل مصرية صغيرة. ووجد، أيضاً، هذا الاسم على ألواح أثرية أخرى، اكتشفت مؤخراً في سوريا. أما اسم (يبوس) فقد وجد في رسالة آخر ملوك الكنعانيين (عبد حيبا) إلى فرعون مصر (تحتمس الأول)، عام 1550 ق.م، يطلب فيها الأول من الأخير عونه وحمايته، من بعض أعدائه، وكان خاضعاً ـ تابعاً ـ له.

لا تثبت المصادر التاريخية* ريادة العرب (الكنعانيين ـ العموريين ـ اليبوسيين) في عمران أرض فلسطين، وتشييد مدنها وقراها، فحسب، بل إن من هذه المصادر ما يعود بتلك البداية إلى أربعة آلاف عام قبل الميلاد، ثم إنها تلتقي جميعها، ومعها المصادر اليهودية على حقيقة أن تلك الأرض كانت ملكاً لهؤلاء العرب، قبل أن تطأها قدما أبى الأنبياء، إبراهيم ـ عليه السلام ـ وقبل أن يكون هناك يهودية، أو يهود، أو اسحاق، أو داود. وظلت تلك الأرض عربية، كذلك، يوم نزل بها هؤلاء، بل ويوم تمكنوا ـ كما تمكن نزلاء أو غزاة كثيرون غيرهم ـ من إقامة ملك (عارض) لهم بتلك الأرض، سرعان ما سقط، ثم زال.

عندما هاجر سيدنا إبراهيم إلى هذه المنطقة، قادماً من بلاد ما بين النهرين “كان الكنعانيون، حينئذ، في الأرض”، والغريب أن توراة اليهود تذكر ذلك ! وكانت أورسالم يسكنها هؤلاء، ولهم ديانتهم، وملكهم، وعلاقاتهم بجيرانهم. وتذكر التوراة، أيضاً، أن أمير يبوس (أورسالم)، في ذلك العهد، كان (ملكي صادق).

بينما يعود الوجود الكنعاني اليبوسي بتلك المنطقة إلى ثلاثة آلاف عام، نجدنا لا نسمع بأي وجود للآراميين قبل عام 1600 ق.م، فإن نزوح القبائل السامية الآرامية من بلاد شمال ما بين النهرين، واستيطانها في الأراضي السورية، يعود إلى ما بين 1600-1200 ق.م.

رحل يعقوب ـ ابن إسحاق بن إبراهيم ـ وأبناؤه من فلسطين إلى مصر، في 1620 ق.م.

وكان مكثهم في مصر أربعمائة وثلاثين سنة. ثم رحل بنو إسرائيل من مصر، بقيادة النبي موسى، 1250 ق.م، وعبروا سيناء إلى فلسطين، وذلك في عصر رمسيس الثاني في الغالب .

دخل العبرانيون ـ بنو إسرائيل ـ فلسطين من جهة الشرق، بقيادة يوشع بن نون، واحتلوا أريحا، ثم تسللوا إلى المناطق الجبلية (1152-1025 ق.م)، وأصبح لهم تجمعان، في الشمال والجنوب، لم يرتبطا معاً إلا في عهد داود، الذي دخل مدينة سالم 1005 ق.م، واتخذها عاصمة لملكه، ثم تسلمها سليمان، وأقام حولها سوراً على الأساسات التي وضعها اليبوسيون ـ بناة السور الأول ـ وبنى معبداً (960 ق.م) على أنقاض معبد اليبوسيين القديم.

ما لبثت المملكة العبرية أن انقسمت، بعد وفاة سليمان إلى إمارتين: إمارة يهودا ـ أسرة داود وبني يهودا ـ وعاصمتها أورشليم (أورسالم). وإمارة إسرائيل في السامرة، وعاصمتها شكيم، بالقرب من نابلس الحالية.

قضى ملك آشور على إمارة إسرائيل، عام 722 ق.م، وأجلى سكانها إلى بلاده. وتعرضت الإمارة الثانية (يهودا) للعدوان الخارجي، أكثر من مرة، وكذا تعرض سكانها للسبي، مراراً. كان السبي الأول، عندما تعرضت دولة يهودا لغزو بابلي، بقيادة الملك (سرجون)، الذي أسر من شعب يهودا (الكنعاني واليهودي) إلى بلاده أعداداً كبيرة. وأصبح لهم نفوذ، وأموال، وعبيد في ذلك المنفى. كان السبي الثاني إلى بابل، أيضاً، واشتهر أكثر لارتباطه بهدم هيكل سليمان، فقد غزا ملك بابل (نبوخذ نصَّر) يهودا، وكسر، نهائياً، عرش داود في أورشليم، عام 597 ق.م، وقوَّض الهيكل من جذوره، وعاد إلى بلاده بعشرة آلاف أسير من اليهود. وكان هدم الهيكل، في 9/8/586 ق.م. ثم سمح قورش ملك فارس لليهود بالعودة إلى أورشليم (538 ق.م) وسمح لهم كذلك بإعادة بناء الهيكل، فتم بناؤه في عهد نبيهم (عزير)، وأعانهم على ذلك ملك الفرس (بهمن)، الذي حدد لهم حدوداً دون بناء سليمان. ثم تداولهم ملوك يونان، والفرس، والروم، ثم استفحل الملك لصهرهم (هيرودس)، الذي حكمهم من قِبَل الرومان، فجدد لهم الهيكل على بناء سليمان (11 ق.م)، غير أن أقلية منهم تمردت، مطالبة بالحكم الذاتي، فحاصرهم الإمبراطور الروماني فسباسيان، ثم ابنه تيتس، الذي تمكن من هدم الهيكل وتشتيت اليهود في أطراف الإمبراطورية الرومانية (70م)، ولم تقم لهم قائمة بهذه المدينة، حتى بداية الحركة الصهيونية الحديثة، في نهايات القرن التاسع عشر.

وكتب د. أحمد يوسف القرعي مقالة بصحيفة “الأهرام” يقول فيها : وربما يعلم البعض منا ان البروفيسور »طمبسون« فصل من عمله بجامعة “ماركويت”  في “ميلووكي” بأميركا عام 1992 حيث نشر في العام نفسه كتابه المسمى “التاريخ القديم للشعب الاسرائيلي من المصادر المكتوبة والاثرية” قال فيه: “ان جميع التاريخ الغربي لاسرائيل والاسرائيليين اعتمد على قصص من العهد القديم هي من صنع الخيال”.

اما البروفيسور »كيث وايتلام« فقد صدر له في عام 1996 كتاب قيم عنوانه: “اختلاق اسرائيل: اسكات التاريخ الفلسطيني”، وفيه دحض المزاعم التي ارتكزت عليها الصهيونية في اقامة اسرائيل على اسس تاريخية وتوراتية دينية، وقد بذل “وايتلام”  جهدا كبيرا جدا في هذا الكتاب من اجل استرجاع التاريخ الفلسطيني القديم الذي قام الاسرائيليون والصهاينة والمتصهينون في الغرب بطمسه ومحوه ليحل محله – كما قال – تاريخ قديم مختلق لاسرائيل يبررون به ما سمي بعملية احياء اسرائيل القديمة ممثلة في قيام اسرائيل الحديثة عام ،1948 وهذا ما اكده ” مناحيم بيغن”حينما علّق على هجرة اليهود الى فلسطين قائلا: “لسنا قادمين وانما عائدون”، وينتقد “وايتلام المؤرخين والباحثين العرب، وبخاصة الفلسطينيين الذين اعتمدوا في كتابة تاريخهم على مصادر توراتية او مراجع غربية استعمارية متصهينة.

ولعل أسماء القدس على مر العصور تؤكد عروبتها ومن هذه الأسماء يبوس نسبة لليبوسيين،‏ كما أسماها الكنعانيون أورسالم أو مدينة السلام،‏ والتسمية العبرية التي عرفت فيما بعد وهي أورشليم مشتقة عنها،‏ وأسماها اليونانيون بروساليم وكانت في أوائل الفتح الروماني تدعي هيروسليما ثم صارت هيروساليما،‏ ومن هنا أخذت الاسم الأوروبي جيروساليم،‏ ومن عام ‏139‏ ميلادية وطيلة العهد المسيحي سميت المدينة ‏(‏ أيلياء‏)‏ ومعناها بيت الله،‏ أما القدس فكان معروفاً منذ أوائل الحكم الإسلامي أي منذ القرن الرابع وحتى اليوم‏.‏

أما بالنسبة لادعاء شارون أن تكوين مملكة داود وسليمان ‏(عليهما السلام‏)‏ في نحو سنة ‏1000‏ ق‏.‏م‏.‏ يرتب حقاً لإسرائيل المعاصرة فإنه يعد ادعاء وزعماً لا محل له في كتب التاريخ أو القانون فالمملكة لم تستمر سوى مدة سبعين سنة ثم تجزأت ثم انهارت وتوزع اليهود في الدول المجاورة على شكل جاليات في حين ظل سواد الشعب والحكام في القدس وفلسطين عربياً كنعانيا‏ً.‏

ومن المعروف أن هناك شعوباً عديدة أقامت بالقدس قبل مملكة داود وبعدها نتيجة الغزوات المتتالية ومنها الغزو المقدوني ‏(‏حوالي سنة ‏330‏ ق‏.‏م‏)‏ والروماني ‏(63‏ ق‏.‏م‏)‏ حتى جاء الفتح العربي ‏638‏ للميلاد ثم الاحتلال الصليبي ‏(1099‏ ـ‏1187)‏ والانتداب البريطاني ‏(1917‏ ـ‏1947).‏ ولم تتسم إقامة مختلف الغزاة والمحتلين للمدينة بانتمائهم إليها حيث لا يحصر الانتماء بالسنين بل بالنشأة والارتباط التاريخي لها والإقامة المستمرة فيها والسيادة عليها وهي مقومات لم تجتمع إلا في العرب والمسلمين الذين استمرت سيادتهم عليها بحوالي ‏33%‏ من تاريخها بينما لم تبلغ السيادة اليهودية سوي نحو ‏13%‏ ونسبة السيادة الصليبية حوالي ‏12%‏ أما النسبة الباقية وهي حوالي‏ 42%‏ فكانت فترات متفرقة للغزاة الوثنيين،‏ والوثنية فترة زائلة في تاريخ القدس والمنطقة العربية والإسلامية‏.‏

والغزوة الصهيونية الأخيرة ‏(1967‏ – ‏2009)‏ تعتبر الغزوة الحادية والأربعين للمدينة‏.‏ وهي في الوقت نفسه أقصر الغزوات لفترات الاحتلال عمراً بين ما تعرضت له المدينة من احتلال وغزو‏.‏ ومع ذلك ظل الأساس السكاني الغالب ‏(‏ طوال تاريخ القدس الطويل‏)‏ وبعد تحرير المدينة طوال عصور التاريخ كانت القدس تعود إلى أصولها ووضعها الطبيعي بعد زوال الاحتلال الأجنبي‏.‏

وأخيرا يستشهد أ.د محمد خليفة حسن في هذا الشأن في مقاله “عروبة القدس في التاريخ القديم مع تحليل نقدي لصورة أورشليم في العهد القديم(1/2)” بمقولة شهيرة للمؤرخ هـ. ج. ويلز  ، يقول فيها :

“إذا كان سليماً إعادة بناء الدولة اليهودية التي لم توجد من ألفي سنة على الأقل، ألا يكون من الأسلم العودة ألف سنة أخرى وإعادة بناء الدولة الكنعانية العربية.”هـ. ج. ويلز (مؤرخ)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.