هل تتدخل مصر لمحاربة داعش في ليبيا؟!

صحيفة الوطن العمانية ـ
محمد عبد الصادق:

في زيارة وزير الخارجية الليبي محمد الدايري الأخيرة للقاهرة, طلب من جامعة الدول العربية مساعدة الحكومة الليبية الشرعية في مواجهة تنظيم “داعش” الذي سيطر على مدينة سيرت (مسقط رأس القذافي) وامتد نفوذه إلى عدة مدن في غرب ليبيا, بعد مواجهات دامية مع قوات فجر ليبيا والسكان المحليين؛ راح ضحيتها المئات من أبناء الشعب الليبي, وانتشر الدمار والفزع في بلد يشهد فوضى أمنية وصراعًا على السلطة منذ سقوط نظام معمر القذافي في فبراير 2011م, وأصبح التقسيم أمرًا واقعًا بين برلمان وحكومة وجيش مركزه بنغازي في الشرق, وبرلمان وسلطة وميليشيات تسيطر على العاصمة طرابلس ومدن الغرب الليبي وتركوا الوسط لـ”داعش” والجماعات المتطرفة تعربد فيه.
وطلب الوزير الليبي من جامعة الدول العربية تشكيل تحالف عسكري عربي, يقوم بتوجيه ضربات جوية ضد مواقع داعش في درنة وسرت, على غرار ما يحدث في اليمن, ولكن طلبه لم يحظَ بالإجماع العربي اللازم لتشكيل مثل هذا التحالف، واكتفى بيان جامعة الدول العربية بمناشدة الحكومات العربية دعم الحكومة المعترف بها دوليًّا: سياسيًّا وعسكريًّا, ومناشدة مجلس الأمن الدولي رفع حظر السلاح المفروض على ليبيا, ولم يعد أمام ليبيا سوى الانتظار حتى الانتهاء من تأسيس القوة العربية المشتركة التي دعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى إنشائها بغرض محاربة الإرهاب الذي يهدد المنطقة العربية, ورغم طرح هذه الفكرة في مؤتمر القمة العربي الأخير الذي عقد بشرم الشيخ منذ شهور, لم نشهد غير اجتماعات لقادة أركان الجيوش العربية, لكن يبدو أن المشروع يواجه صعوبات سياسية وفنية ومالية تمنع خروجه للنور, وسط حالة الانشغال والتشظي والانقسامات التي تضرب المنظومة العربية.
والأوربيون والأميركان رفعوا أيديهم عن ليبيا, رغم مسؤوليتهم المباشرة عن كل ما يعانيه الليبيون الآن, وبقدر الحماس الذي أبدته فرنسا وإنجلترا وإيطاليا وحلف الناتو بدعم ومساعدة أميركية, في قصف جيش القذافي وتقويض أركان حكمه, حتى مقتله على أيدي “الثوار”, بفضل المساعدات الحثيثة للناتو ـ نجد الآن حالة فتور أميركي ـ أوروبي غير مفهومة تجاه ما يحدث في ليبيا, وكأن القذافي هو الذي كان يحول بين الشعب الليبي وممارسة الحرية والديمقراطية, التي ادعى الغرب وقتها أنه يتدخل في ليبيا من أجل نشرها, ولم نجد أثرًا في ليبيا إلا لـ”داعش” وجماعات العنف والتطرف والإرهاب, وتحول جزء كبير من الشعب الليبي إلى لاجئين داخل بلادهم, وفي الدول المجاورة, بعدما فقدوا الأمن والمأوى في بلد غني بالنفط والموارد الطبيعية.
وتصر أميركا والغرب على أنه لا حل للأزمة في ليبيا إلا بالتوافق بين الفرقاء, وتشكيل حكومة وحدة وطنية, ويرفضون التدخل العربي في ليبيا، وسبق أن تحفظوا على إغارة الطائرات المصرية على مواقع “داعش” في “درنة” عقب مذبحة الأقباط المصريين, وفي الأسبوع الماضي خرج المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ليدين هجمات الطائرات المجهولة التي أغارت على مواقع لـ”داعش” في وسط ليبيا, كما ترفض واشنطن تسليح أيٍ من أطراف النزاع في ليبيا, وكأنها تريد أن يبقى الوضع على ما هو عليه لسنين طويلة, دون أن يتمكن طرف من حسم الصراع, وفي سبيل تغيير الموقف الأميركي توجه وفد من برلمان طبرق إلى واشنطن لتقديم معلومات جديدة للإدارة الأميركية بخصوص جريمة مقتل السفير الأميركي في ليبيا كريستوفر ستيفنز وثلاثة دبلوماسيين أميركيين في بنغازي عام 2012م, على أمل أن تسني هذه المعلومات أميركا عن موقفها المحايد حيال الصراع وتنحاز للحكومة والبرلماني المعترف به دوليًّا.
وزير الخارجية الليبي طلب صراحة من القيادة المصرية, توجيه ضربات جوية ضد مواقع “داعش” في سرت, ولكنه لم يتلقَّ ردًّا شافيًا من المصريين, رغم اقتناع المصريين بخطورة الوضع في ليبيا, وتداعياته على الأمن القومي المصري, حيث تشترك مصر مع ليبيا في حدود طولها أكثر من ألف كيلو متر, مليئة بالتضاريس والصحاري الشاسعة التي يصعب مراقبتها أو السيطرة عليها, وينفذ من خلالها أعداد كبيرة من المقاتلين والعتاد العسكري القادم من ليبيا إلى شبه جزيرة سيناء؛ حيث تنشط الجماعات الإرهابية في عمليات مستمرة ضد الجيش والشرطة المصرية, منذ الإطاحة بحكم الإخوان في 30/6/2013م.

هناك أكثر من سبب يغل يد القاهرة, عن التدخل المباشر في الصراع الدائر في ليبيا, أولها الوضع الداخلي غير المستقر خصوصًا في شبه جزيرة سيناء, رغم جهود الحكومة المصرية الحثيثة, لإعادة الأمن والاستقرار، ومحاولة التعاطي مع الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية, التي أنهكت مصر والمصريين منذ أحداث الـ25 من يناير 2011م, وجود آلاف العمال المصريين المتواجدين على الأراضي الليبية رغم مخاطر الحرب الأهلية، وتعرض كثير منهم للخطف والتهديد, تربص بعض الدول العربية والإقليمية بالمواقف المصرية, بسبب حالة العداء السائدة بين النظام المصري وهذه الدول التي ما زالت متمسكة بتأييدها للرئيس المعزول محمد مرسي ومصرة على عدم نزع الشرعية عن حكم الإخوان, رغم مرور عامين على الثورة الشعبية التي أطاحت بهم من سدة الحكم.
تحاول مصر التسويق لاستراتيجية أمنية بين دول البحر المتوسط تشارك فيها إيطاليا وفرنسا التي ترتبط مصر معهما بعلاقات طيبة, ويعانيان من اضطراب الأوضاع في ليبيا, وتأثيره على تدفق اللاجئين من إفريقيا والشرق الأوسط على الساحل الجنوبي لأوروبا قادمين من ليبيا, التي تنتشر فيه عصابات الاتجار بالبشر, وتطرح مصر فكرة تكوين تحالف أورومتوسطي, يتكون من قوة بحرية وأخرى جوية, تشارك فيها الدول العربية المجاورة لليبيا ودول أوروبا المطلة على البحر المتوسط, وتكون مهمة التحالف مكافحة الإرهاب الموجود على الأراضي الليبية عن طريق شن غارات جوية ضد أهداف بعينها, ومنع تدفق اللاجئين لأوروبا بوجود قوة بحرية مشتركة, تعترض السفن الناقلة للاجئين قبالة السواحل الليبية.

 

 

 

Source link

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.