هل تقع سوريا في الفخّ التركي مجدّداً؟

قناة الميادين ـ
ليلى نقولا:

حسناً فعلت الخارجية السورية في بيانها الذي دعا القوات التركية إلى الخروج من الأراضي السورية فوراً، بعد دخول الجيش التركي إلى محافظة إدلب، بتنسيق وتعاون تام مع مجموعات المعارضة المسلحة السورية و”هيئة تحرير الشام” أو ما كان يُسمّى بـ “جبهة النصرة الإرهابية” سابقاً.

وكانت محافظة إدلب المحاذية للحدود التركية، من أولى المحافظات التي سيطرت عليها المعارضة المسلحة وخرجت عن سيطرة الحكومة السورية، وهي المحافظة التي تمّ على مدى سنوات تجميع المسلحين فيها، من مجمل التوجّهات “المعتدلة” والإرهابية التكفيرية، ونُقل إليها عشرات آلاف السوريين المعارضين بموجب اتفاقات الهدنة والمصالحة، حتى باتت تعيش على صفيح ساخن يُنبئ بالانفجار في أيّ وقت.

ومؤخراً، انضمت إدلب إلى مناطق “خفض التوتر” خلال مؤتمر آستانة ، وكُلّف الجيش التركي بالانتشار ومواجهة المعترضين من المسلحين، وخاصة “جبهة النصرة” التي رفضت ظاهرياً دخول “الجيش الحر” إلى إدلب بدعم تركي، لكن سرعان ما تبيّن أن الجيش التركي قد دخل إلى المحافظة بالتنسيق والتعاون مع جبهة النصرة وأن المجموعة المصنّفة إرهابية قد سلّمت الأتراك مواقعها بشكل سلس.

من هنا، تبيّن للحكومة السورية والقوى الضامنة لاتفاقات خفض التوتر أي إيران وروسيا، أن أردوغان قد يكون قد نصب لهم فخاً في آستانة، وأن دخوله في عملية التسوية في آستانة لا يعود فقط لتحقيق مصالحه في منع تشكّل كانتون كردي على حدوده فحسب، وليس لرغبة صادقة منه بإنهاء ظاهرة الإرهاب في إدلب، بل يكون لهدف أكبر من ذلك بكثير.

تشي التطوّرات المُتسارعة على الأرض السورية، أن أردوغان بصدد إقامة المنطقة العازلة التي لطالما طالب حلفاءه في الناتو بدعمه لتحقيقها وفشل، فالتعاون والتنسيق جارِيان بين الجيش التركي والمجموعات المسلحة، ويقوم الأتراك بتسليم المقار الحكومية إلى ما يُسمّى “الحكومة السورية المؤقتة”، بالإضافة إلى عملية التتريك الممنهجة، والتي تذكّر بمحاولات الدولة العثمانية تتريك بلاد الشام. ناهيك عن وضع صوَر أردوغان في المرافق والمؤسسات الرسمية في المناطق التي سيطرت عليها تركيا ضمن عملية “درع الفرات”، بالإضافة إلى تعليم اللغة التركية في المدارس وغيرها.

إذاً، يبدو الهدف التركي واضحاً من العملية العسكرية في إدلب هو وضع اليد على المنطقة السورية المحاذية للحدود بعمق يتراوح بين 75 و100 كلم، وإقامة منطقة عازلة فيها يسيطر عليها الأتراك والمجموعات المسلحة المدعومة من قِبلهم، تمتد من باب الهوى إلى مدينة جرابلس غرب نهر الفرات، حتى مدينة الباب السورية الاستراتيجية، لتصبح في النهاية، وبحكم الواقع، جزءاً من الجغرافيا التركية، تماماً كما لواء الإسكندرون.

ولعلّ الخطورة الإضافية التي قد تعيشها سوريا مستقبلاً، هي إمكانية اقتطاع بعض الأقاليم والمحافظات بشكل دائم، فيحتفظ الأكراد – بدعم أميركي- على منطقة كبيرة من الشمال والشمال الشرقي السوري والذي يحتوي على كميات هائلة من النفط والغاز، وأن يتذرّع أردوغان بالكانتون الكردي للبقاء في المساحة الممتدة من الحدود التركية وصولاً الى إدلب، خاصة وأنه كان قد صرّح في وقت سابق بأن جيشه لن يخرج من الأراضي قبل القضاء على الإرهاب (الكردي) بشكل كامل.

والنتيجة، أن حلفاء الحكومة السورية قد يكونوا قد وقعوا بفخ الوثوق بأردوغان في آستانة، وحققوا له بالسياسة ما عجز عن تحقيقه بالحرب خلال سنوات ستّ من عمر الحرب السورية، وبات على الحكومة السورية الانتباه لئلا يتحوّل الانتشار التركي إلى احتلال دائم لجزء من الأراضي السورية، كما حصل مع قبرص التي يمنع التواجد التركي فيها إمكانية توحيد الجزيرة.

وعليه، بات على الحكومة السورية، التوجّه إلى حفظ حقّها في السيادة على كامل ترابها الاقليمي، وذلك عبر التوجّه إلى الأمم المتحدة لرفض العدوان التركي على سيادتها بالطرق القانونية وتثيبت حقها فيه، كما عليها التوجه بالتحذير لحلفائها، من مغبّة الوثوق بالنوايا التركية تجاه سوريا، فالمؤمن لا يُلدغ من الجحر مرتين، والسوريون الذين فتحوا أبواب المشرق لأردوغان عامي 2009- 2010، عادوا ودفعوا الثمن ابتداءً من العام 2011، وتعلّموا الدرس الأهم في العلاقات الدولية: لا تُبنى الدول وتُحفظ السيادة بالنوايا الطيّبة بل باكتساب القوة ولا شيء غير القوة.

Source link

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.