أردوغان والنهج التسلطي

turkey-map

صحيفة الخليج الإماراتية ـ
محمد نور الدين:

كما تفاجأت تركيا وكل العالم بالربيع العربي، تفاجأ رئيس الحكومة التركية وزعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان وكل قادة الحزب من دون استثناء، بالحراك الشعبي الذي عرف تارة بانتفاضة تقسيم وتارة بحراك حديقة غيزي الذي بدأ خجولاً في 27 مايو/ أيار الماضي وبلغ ذروته في الأول من يونيو/ حزيران الحالي ولايزال مستمراً بأشكال مختلفة بعد اقتحام الشرطة قبل أيام ساحة تقسيم وحديقة غيزي المحاذية لها لإخراج المحتجين الذين انتشروا في الشوارع المحيطة بالمكانين ولايزالون .

مفاجأة الربيع العربي و”الربيع التركي” تجلّت في طبيعة المواقف المشتركة التي اتخذها الزعماء العرب الذين حصلت الثورات في بلادهم والمواقف التي اتخذها قادة حزب العدالة والتنمية، كلهم دون استثناء، من الحراك الشعبي الذي حصل ضدهم . فمنذ اللحظة الأولى وحتى الآن لايزال أردوغان يحمّل الخارج المسؤولية، ويرى أنها مؤامرة لضرب حكمه، واصفاً المحتجين، وهم نخبة المجتمع المدني وشبابه، باللصوص والمخربين، ومعتبراً أن مواقع التواصل الاجتماعي “وباء” .

أما وزير الخارجية أحمد داود أوغلو الذي يعتبر المنظر الرئيس لكل سياسات حزب العدالة والتنمية في الخارج فلم يجد بدوره سوى اتهام الخارج من روسيا إلى “إسرائيل” وإيران وأوروبا والولايات المتحدة بأنهم يريدون وقف تقدم تركيا ونموها ودورها، بعدما كان قد برع في اعتبار الثورات العربية زلزالاً من أجل الحرية والديمقراطية، ولم يحمّل الخارج أي مسؤولية، بل إن تركيا شاركت في هجمات حلف (الناتو) على ليبيا للتخلص من “استبداد” معمر القذافي .

ولكن عندما وصلت “الهزة” إلى تركيا انقلبت زاوية الرؤية، وبات قادة حزب العدالة والتنمية لا يرون، كما الزعماء العرب المخلوعون، سوى العوامل الخارجية .

تجمعت كل الأسباب للربيع العربي من الاستبداد والديكتاتورية والفقر والتمييز والاستقطاب والقمع وكبت الحريات وغياب الديمقراطية والفساد . لم يبق من حركة الشعوب سوى التنبؤ بساعة الصفر التي لا أحد قادر على توقعها . وتركيا ليست استثناء من حركة الشعوب . الفارق بين تركيا والعالم العربي والإسلامي أيضاً، أن ثورة الربيع العربي حملت لاحقاً الإسلام السياسي إلى السلطة من طريق صندوقة الاقتراع . أما في تركيا فإن الانتفاضة هي ضد النهج الذي يتبعه قادة الإسلام السياسي الذي جاءت به عام 2002 أيضاً صندوقة الاقتراع . أي أن ما سمّاه داود أوغلو بالنسبة إلى الربيع العربي “دفق التاريخ”، جاء بالنسبة إلى تركيا معاكساً: أي من الصندوقة إلى الثورة . ودفق التاريخ الذي نظّر له داود أوغلو كثيراً، هو نفسه الذي اجتاح تركيا ووصل إلى قلب اسطنبول، بل بدءاً من قلبها .

وكم كانت معبّرة تلك المساجلة بين مسؤولة نقابية وأردوغان أثناء اجتماعه مع قادة انتفاضة تقسيم قبل أيام، حيث شرحت له أن الأحداث تتصل بفهم المجتمع ومطالبه ونفسيته، فكان أن وقف أردوغان وصرخ بوجهها “اعرفي حدودك لست بحاجة إلى من يعلّمني علم الاجتماع وعلم النفس”، وخرج من قاعة الاجتماع بمساعدة ابنته سمية، التي يُهيّئها للعب دور سياسي .

تقول نظريات علم الاجتماع السياسي إنه كلما طالت مدة الزعيم في السلطة حتى في بلد ديمقراطي، تحول سلوكه إلى سلوك ديكتاتوري وتسلّطي من دون أن يدري أحياناً ولا يعود يعرف كيف يستمع إلى الآخرين فيحول بنفسه دون رؤية وفهم ما يجري . وأردوغان أتم عامه العاشر في السلطة رئيساً للحكومة ويخطط ليكون رئيساً للجمهورية بتعديلات دستورية تجعل منه مطلق الصلاحية، ليبقى في الحكم رئيساً للجمهورية خمس سنوات قابلة للتجديد خمس سنوات أخرى أي ما مجموعه 21 عاماً .

في الدراسات والاستطلاعات التي أجريت أن أكثر من 90 في المئة من المتظاهرين في تركيا كان مطلبهم الأساسي إنهاء النهج التسلطي لأردوغان، وإرساء منظومة كاملة من الحريات الفردية والفكرية والصحافية والدينية والاجتماعية .

وفي ظل اعتبار أردوغان وداود أوغلو وعلي باباجان ما جرى أنه مؤامرة خارجية، فلن تنفع عشرات المهرجانات التي يقيمها أردوغان لاستعادة الزخم الذي فقده وحزبه بسبب انتفاضة تقسيم، ولن يستوعبوا أو يفهموا مطالب المحتجين وسوف يكررون النموذج العربي في التعامل مع الثورات بتجاهل أسبابها الحقيقية التي لن تحلها، في تركيا، صندوقة الاقتراع، كما يهدد أردوغان خصومه . إن مطالب ربيعيي تركيا تتجاوز البعد العددي ولعبة الأرقام من الصراع، وتمس المنظومة الأساسية للوجود البشري الذي عبّر عنه الخليفة عمر بن الخطاب بقوله “كيف استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً” .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.