أفكار أميركية لمواجهة «حزب الله».. بعد سوريا

huzbullah-America

تحول «حزب الله» بفعل طبيعة دوره وعمق تأثيره في الحرب السورية الى لاعب إقليمي بعد أن كان يؤثر في ميزان القوى الإقليمي بطريقة غير مباشرة من خلال دوره في مقاومة إسرائيل كقوة احتلال وعدوان على لبنان. الحرب كانت بمثابة تهديد استراتيجي للحزب، وهو نجح في استيعابها وتحويلها الى فرصة لإثبات مدى حضوره وقوته، لا سيما في لحظة تقاسم نفوذ إقليمي حرجة.

من ناحية التأثير في ميزان القوى الإقليمي، يتجاوز الوزن النسبي لقوة «حزب الله» قوة دول عربية كثيرة، وهو ما أتاح للسيد حسن نصر الله أن يرسم ويفرض في أيار الماضي خطاً أحمر بشأن إسقاط النظام السوري والدولة السورية. قد يستحيل في اللحظة الراهنة إيجاد منظمة غير دولية أو حزب سياسي، على مستوى الإقليم أو العالم، مؤثر ونافذ في موازين القوى كما هي حال «حزب الله». يصف كل من دانيال بليتكا وفريدريك كاغان الجناح العسكري للحزب بأنه «من دون شك، القوة «الإرهابية» الأفضل تسلّحاً وتدريباً في العالم اليوم» (إيران بمواجهة أميركا: التنافس على مستقبل الشرق الأوسط، مؤسسة أميركان إنتربرايز، كانون الثاني 2014).

يدور التقرير المذكور حول ضرورة قيام إستراتيجية أميركية تنافسية في مجال القوة الناعمة بالتحديد، ضد طهران التي تستخدم إستراتيجيات، تتمحور حول القوة الناعمة وتدعمها بالقوة الصلبة. وبحسب التقرير، تفتقد واشنطن إستراتيجية كهذه في الوقت الراهن. يستقرئ الباحثان ذلك من خلال فحص التنافس الأميركي ـ الإيراني في الشرق الاوسط داخل مجموعتين من الدول، جرت قسمتها من خلال مدى أهميتها لإيران. المجموعة الأولى تضم سوريا ولبنان والعراق، بينما المجموعة الثانية تضم مصر وغزة والضفة الغربية وأفغانستان ودول مجلس التعاون الخليجي. بحسب ج. ماثيو مكلنيس، كاتب مقدمة التقرير، فإن الهدف من هذه الاستراتيجيا هو تحويل إيران من دولة ثورية الى دولة عادية، بما يساعد على تغيير «السردية المركزية للنظام» فيقلص التهديد الإيراني ويحول ديناميكيات العلاقات. تنبغي الإشارة إلى أن معدي التقرير والمؤسسة الناشرة محسوبون على المحافظين الجدد وهم بالمجمل معارضون للتسوية مع إيران. والتقرير يعكس هذه الذهنية، إلا ان اللافت تمحور التقرير حول القوة الناعمة الأميركية برغم أن هذا التيار، لطالما استخف بهذا المفهوم، وشدد دوماً على أولوية القوة العسكرية.

ما يميز «حزب الله» ليس فقط موارده المادية بل قدرته على تحويل تلك الموارد الى مخرجات سياسية تؤثر في توازنات الشرق الأوسط المكتظ بالقوى الدولية المتنافسة. تعود تلك «القدرة التحويلية «الى عنصرين أساسيين، الى «إستراتيجية» ذكية مستندة الى قراءة دقيقة «للحيز» الذي يدور فيه صراع القوة، وثانياً الى وجود قيادة واعية وشجاعة. وقد التفت الباحثون في مجال القوة، لا سيما مؤخراً، الى كون معيار القوة ليس في الموارد المادية المتاحة بل في فعالية القيادة والاستراتيجيا التي تُجسّر بين الموارد (المدخلات) والنتائج المرجوة (المخرجات). هذه الميزة تجعل الأميركيين قلقين من انتشار «نموذج حزب الله» أي قيام تنظيمات صغيرة نسبياً ذات مهارات عسكرية ومدنية عالية جداً في نقاط ذات ميزة إستراتيجية مهمّة وتشرع في تحدي الولايات المتحدة وحلفائها كما في اليمن والعراق وأفغانستان وفلسطين، ومؤخراً سوريا.

في مواجهة هذا الدور المستجد لـ«حزب الله» يحتاج الأميركيون الى تعزيز جهودهم في مواجهة الحزب، هذه الحاجة تبرز من خلال استراتيجيتين متكاملتين متعاضدتين، استراتيجية احتواء واستراتيجية «المكافحة الناعمة لحركات التمرد». استراتيجيا الاحتواء لها جانب خارجي من خلال حشد جهود إقليمية لمواجهة تأثيرات «حزب الله» من خلال التعاون الاستخباري، التضييق الأمني ـ الاقتصادي على الجاليات اللبنانية الشيعية، ترهيب الأقليات الشيعية تحت وطأة الاتهام بالتواصل مع «حزب الله»، مذهبة الصراع الإقليمي، وأيضاً من خلال طرح ملف حزب الله ضمن أي تسوية مع الإيرانيين. أما الجانب الداخلي لاحتواء «حزب الله» فيبرز في الحديث المتصاعد غن «حياد لبنان» والقصد منه «تحييد حزب الله» وعزل تأثير قوته للاستفراد بسوريا وتالياً بإيران.

أما إستراتيجية «المكافحة الناعمة لحركات التمرد» فهي نسخة منقحة من استراتيجيات «مكافحة حركات التمرد» التي تُنفذ في ميادين ملتهبة، حيث للأميركيين حضور عسكري مباشر كما في حالتي أفغانستان والعراق قبل 2009. وقد دعا كاغان وبليتكا في ورقتهما البحثية المشار إليها الى اعتماد هذه «الاستراتيجيا الناعمة لمكافحة حركات التمرد» ضد «حزب الله» حيث يفترض أن تتركز جهود واشنطن على «السكان وليس على المشاريع»، على أن تتمحور عناصر هذه الاستراتيجيا على مجالات الأمن الداخلي، التحكم المدني، الخدمات الأساسية، الحكومة، البنية التحتية الاقتصادية، وأخيراً التنمية. (لمزيد من التفصيل، راجع «الاستراتيجية الأميركية الذكية لمواجهة حزب الله»، عن المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق).

هذه العناصر، بحسب التقرير، هي العناصر الواضحة في برامج «حزب الله» داخل لبنان، لذا ينبغي مواجهتها بعناصر شبيهة مضادة. وقد وجه الباحثان جملة انتقادات لبرامج المساعدات الأميركية في لبنان، فالبرامج في أغلبها تبدو مشتتة، خيرية بدون مردود سياسي مباشر (مثل حملات التشجير)، غير قابلة للرقابة والتقويم، غير متكاملة وأرقامها ضخمة بما يجعلها تبدو من دون معنى (أحد البرامج الأميركية يشير لمشاركة أكثر من 300 ألف لبناني). في حين أن المطلوب أميركياً تحدي إيران مباشرة في مجالات تأثيرها ذاتها في لبنان من خلال برامج «حزب الله» الاجتماعية والصحية والتنموية في البيئة الشيعية. وقد خلُص كاغان وبليتكا الى أنه من دون هذا التحول في الإستراتيجية الأميركية، فإن «الولايات المتحدة على الأغلب ستستمر في خسارة المعركة في لبنان».

حسام مطر – صحيفة السفير اللبنانية

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.