أمير المؤمنين يقاتل أمير المؤمنين: «البيعة الخراسانية» تشقّ «القاعدة»

kaeda - syria

انشقّ الجهاد العالمي. تنظيم «القاعدة» أصبح قاعدتين، وإمارة الجهاد صار لها رأسان. وبدلاً من أمير أوحد للمؤمنين، صار للمؤمنين الجهاديين أميران. منذ أيام، دقّت «البيعة الخراسانية» آخر المسامير في نعش المصالحة بين «أخوة الجهاد». كسرت الجرّة، ليس بين «داعش» و«النصرة» في سوريا فحسب، بل بينها وبين «القاعدة» على امتداد ساحات الجهاد العالمي.

رضوان مرتضى –
صحيفة الأخبار اللبنانية:

بايع تسعة أمراء من تنظيم «القاعدة» في أفغانستان وتركمانستان وإيران «أمير المؤمنين» أبو بكر البغدادي، أمير «دولة الإسلام في العراق والشام». عُرفت البيعة باسم «البيعة الخراسانية». اسمٌ يجدر حفظه جيداً، لأنه سيُمثّل نقطة تحوّل في الصراع من كونه محصوراً في الميدان السوري بين البغدادي والشيخ أيمن الظواهري إلى صراعٍ مفتوح على امتداد العالم الإسلامي. ولم تكد تمرّ أيام حتى خرج المتحدث باسم «الدولة» أبو محمد العدناني ليقول إنّ «القاعدة انحرفت عن المنهج الصواب»، معتبراً أن «الخلاف ليس على قتل فلان أو بيعة فلان، إنّما القضية قضية دين أعوَجّ ومنهج انحرف».

وهنا كان الفراق. النتيجة المعروفة سلفاً نطق بها سابقاً مستشار أمير «الدولة» أبو علي الأنباري. في إحدى جلسات المصالحة قالها بوضوح: «إمّا أن نبيدهم أو يُبيدونا». كان حاسماً وكررها ثلاثاً. وفي المسار نفسه، وضع أمراء «القاعدة» التسعة (أصحاب «البيعة الخراسانية») البغدادي في مواجهة الملّا محمد عمر شخصياً. تموضع البغدادي في مقابل قائد حركة طالبان الذي كان أوّل من حاز لقب «أمير المؤمنين» على رأس «الدولة الإسلامية» التي أقامتها «طالبان» في أفغانستان. يُريد هؤلاء ضرب «القاعدة» من الرأس. رمزيتها «أصبحت من الماضي وأمجاد اليوم يصنعها جنود الدولة». وللعلم، فالملّا عمر هو أمير أمراء «القاعدة» الذي بايعه كل من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري. وهو الرجل الذي دُمِّرت في عهده أفغانستان بعد رفضه طلب الولايات المتحدة تسليم بن لادن وآخرين.

إذاً، يقف البغدادي في مواجهة الملّا عمر. «أمير للمؤمنين» في مقابل «أمير للمؤمنين». يُحدّد البغدادي خصمه، متجاوزاً الجولاني والظواهري إلى شيخهما الأكبر. ورغم المعلومات التي ترددت عن مقتل الملا عمر بعد انقطاع أخباره في أعقاب الغزو الأميركي لأفغانستان عام ٢٠٠١، إلّا أنّ الدلائل والمعطيات تُشير إلى عكس ذلك. فعشية ذكرى هجمات أيلول عام ٢٠١٢ خرج الظواهري ناعياً «أبو يحيى الليبي» الذي كان يُعدّ الرجل الثاني في التنظيم، فصرّح حينها بذلك علانية قائلاً: «ﺃﺯﻑّ ﻟﻸﻣﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻭﻟﻠﻤﺠﺎﻫﺪﻳﻦ ﻭﻷﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺍﻟﻤﻼ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻤﺮ ﻭﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﻟﻴﺒﻴﺎ ﻧﺒﺄ ﺍﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﺃﺳﺪ ﻟﻴﺒﻴﺎ ﻭﺿﺮﻏﺎﻣﻬﺎ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺣﺴﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﻗﺎﺋﺪ»، ﻓﻲ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻴﺒﻲ.

لم يكن ينقص الحرب المستعرة في سوريا بين «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام» سوى «البيعة الخراسانية». هذه البيعة التي تداولتها منتديات جهادية أبرزها «شبكة شموخ الإسلام» صبّت مزيداً من الزيت على نار الحرب الدائرة بين التنظيمين. قيادي جهادي في «القاعدة» قلّل في حديث إلى «الأخبار» من أهميتها قائلاً: «ليسوا سوى عدة أشخاص بايعوا، لكنّها ضُخّمت إعلامياً». ولفت إلى أن «الأشخاص الواردة أسماؤهم ليسوا قيادات ولا أصحاب مسؤوليات تُذكر»، علماً بأنّ الأمراء التسعة هم الشيوخ أبو عبيدة اللبناني، أبو المهند الأردني، أبو جرير الشمالي، أبو الهدى السوداني، عبد العزيز المقدسي (شقيق الشيخ أبو محمد المقدسي)، عبدالله البنجابي، أبو يونس الكردي، أبو عائشة القرطبي، وأبو مصعب التضامني.

في المقابل، هناك من يرى أنّ هذه البيعة لا تُشبه سابقاتها. يعتبرها متابعون للشؤون الجهادية «استفتاءً على قيادة الجهاد العالمي». ينطلق هؤلاء من «البذرة الأولى التي غُرِست في أرض الرافدين أيام أبو مصعب الزرقاوي». يومها كان التنظيم الجهادي يُعرف باسم «جماعة التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين». وقد بايع أميره الزرقاوي أسامة بن لادن الذي صنع أحداث ١١ أيلول عام ٢٠٠١. وبحسب هؤلاء، البدايات الأولى لتأسيس «الدولة الإسلامية في العراق» كان الزرقاوي مكوّناً أساسياً فيها. يرى فيه أمراء «البيعة الخراسانية» صانع الخلية الأولى وأبا «الدولة الإسلامية» التي تمددت لتصبح اليوم «الدولة الإسلامية في العراق والشام».

في رسالة البيعة يعرض القياديون التسعة مراحل الجهاد العراقي ضد الغزو الأميركي عام ٢٠٠٣، ويستعيدون تجربة «جماعة التوحيد والجهاد» بإمرة الزرقاوي الذي بايع الشيخ أسامة بن لادن من العراق إلى خراسان، ثم يمرّون على مقتل الزرقاوي عام 2006، والذي خلفه «أبو حمزة المهاجر» في إمارة تنظيم «القاعدة» في العراق. وهو ما تزامن مع إعلان «أبو عمر البغدادي» قيام «دولة الإسلام على أرض العراق»، فبايعه المهاجر، لِيُحَلَّ فرع «القاعدة» في العراق ويذوب تحت إمرة «دولة الإسلام»، ومن ثم مقتل البغدادي ووزير حربه المهاجر وتولّي أبو بكر البغدادي إمارة «الدولة الإسلامية في العراق» التي باركها كل من بن لادن والظواهري، معتبرين أنها «مداد للعمل الجهادي»، وقد «أثنى عليها الشيخ عطية الله والشيخ أبو يحيى الليبي أحسن الثناء». ويواصل القياديون التسعة استقراء ما يجري من أحداث حتى اندلاع الأحداث في سوريا التي «وَجَبَ فيها على دولة العراق التمدد لنصرة أهلها لإفشال مؤامرة الجيشين، الجيش السوري والجيش الحر».

أمراء البيعة الخراسانية: «الظواهري متخاذل»

يرى الشيوخ التسعة من خراسان أنه بعد تمدّد «الدولة»: «سارعت قوى الكفر والردة بزرع بذور النفاق بجماعات جديدة، وبمسميات إسلامية رنانة، لتكون ندّاً ومعوّقاً لدور الدولة الإسلامية». انتقد هؤلاء الظواهري و«النصرة» من دون تسميتهما، فأخذوا عليهما «عدم وجود الجرأة عند الجماعة لإقامة أي حكم على مرتكب ما يخالف الشرع، بحجة عدم التصادم مع الناس، ولعدم القدرة والتمكين، مع العلم بأن التنظيم كان يقيم في السر أكبر من ذلك ضمن اللوائح». واستنكروا على الظواهري «أسلمة مرسي الذي ثبتت ردته حتى عند كثير ممن كان له أدنى مسحة فهم. أم هي لفتة لنظام سياسي دعوي (جهادي جديد)؟ ورأوا أنّ خطابه «خطاب سياسي دعوي، دون الإشارة إلى حمل السلاح. واستبدال مصطلحاتٍ جديدة تحتمل التأويل بكثير من المصطلحات الشرعية». ثم انتقدوه لأنّه «توجه إلى الشعوب العربية مهنّئاً بالربيع العربي، وجعله من الطنطاوي والقرضاوي علماء إسلام». كذلك أخذوا عليه «التبرّؤ من الدولة الإسلامية التي أقامت الدين، ودعت لتعليم الناس التوحيد، والبراءة من الشرك وأهله، وكانت رمزاً في المساواة بين الناس والعدل». وختموا قائلين: «إنّا تُبنا إلى الله لتأخرنا عن إظهار الحق. ونصلح ما أفسدنا ونخالفه، ولا نرضى به؛ ولذلك كتبنا هذا الخطاب للأمة، ومعذرة إلى ربنا. ونبين لكم أن الحق مع الدولة الإسلامية في العراق والشام، التي رفعت راية الإسلام، وأقامت الأحكام من غير مواربة، ولا وجل، ولا حساب لأحد إلّا الله، ونحسبهم كذلك. هذا وإن دامت على ذلك فلها منّا (النصرة والتأييد والبيعة) لأميرها أمير المؤمنين الشيخ أبي بكر البغدادي القرشي، على السمع والطاعة، في المنشط والمكره، والعسر واليسر، وألا ننازع الأمر أهله. وإن هي بدلت أو زاغت: فليس لها منا إلا ما كان لغيرها».

الحرب بين «الدولة» و«القاعدة» لم تعد في الميدان فحسب. الصراع صار مفتوحاً. كلّ طرفٍ يرى أنّ الحق معه. حتى أمراء «الدولة» لجأوا إلى استعادة أحداث مضت. نكأوا جراح الماضي وخاضوا في أصل الخلاف بين الزرقاوي والظواهري عام ٢٠٠٥. يرى هؤلاء أن «الظواهري من يومه كان متخاذلاً. لا يكفي أنّه لا يُكفّر عوام الرافضة، بل ويعترض على أسلوب الزرقاوي، متهماً إياه بالمغالاة في التكفير».

من «رومية» إلى قيادة «النصرة»

النار المستعرة بين «النصرة» و«الدولة» تزداد استعاراً. وبعد تشكيك «الدولة» في هوية قيادات «النصرة» واتهامهم بالعمالة، لا بل وانتقادهم لكون «أمير النصرة الجولاني مجهولاً من المجاهيل، لا يعرف هويته جنود تنظيمه»، بدأت «النصرة» بما سمّته «شهادات قبيل انتهاء مهلة المباهلة»، لتُعرّف عن مسؤولها العسكري العام «أبو همام الشامي» المعروف بـ«الفاروق السوري». فعرضت سيرته حيث «نفر إلى القتال في أفغانستان بين عامي ١٩٩٨ و١٩٩٨»، ثم التحق بمعسكر الغرباء تحت إمرة أبو مصعب الزرقاوي، وعيّنه عضو مجلس شورى القاعدة الشيخ سيف العدل مسؤولاً عن «تدريب المجاهدين في معسكر المطار في قندهار». وذكرت السيرة الذاتية أنّه «بايع أسامة بن لادن مصافحة، وعُيّن مسؤولاً للمجاهدين السوريين في أفغانستان». وقد برز لافتاً في سرد سيرته الذاتية الإشارة إلى أن القائد العسكري العام لـ«جبهة النصرة» سُجن في لبنان لمدة خمس سنوات قبل أن يُطلق سراحه ليلتحق بـ«قاعدة الجهاد في بلاد الشام ــ جبهة النصرة»، علماً بأنّ «النصرة» نشرت صورة لـ«أبو همام» برفقة أمير جند الشام خالد المحمود المعروف بـ«أبو سليمان المهاجر» داخل سجن رومية المركزي. وتبيّن أن اسمه الحقيقي هو سمير حجازي.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.