أوباما ونحن … ونجمة داود!

obama-israelflag

صحيفة الراي الكويتية ـ
جاسم بودي:
يقول لي صديق سياسي أميركي التقى باراك أوباما إنه خرج بالانطباع التالي: «أشعرني الرئيس بأنه يتمنى لو يستيقظ صباح أحد الأيام ولا يجد شيئاً على الخريطة اسمه الشرق الأوسط».
ما يقوله الصديق مازحا يبدو في قمة الجدية إذا ما قيست الاقوال بالأفعال، فالمحيطون بالرئيس الأميركي يتحدثون عن خيبات أمل لديه وليس خيبة أمل واحدة نتيجة عدم قدرته على تفسير فشله في هذه المنطقة، لكن مشكلة أوباما هنا هي نفسها مشكلة من سبقه من رؤساء أميركيين.
اغرقنا الرئيس السابق جورج بوش في نظرية الديموقراطية المقبلة في العراق وافغانستان. استند على نموذجين ظل يكررهما ليل نهار: اليابان وألمانيا. قال إن الدولتين تخلصتا من ديكتاتوريتين ثم عاشتا أفضل أيامهما ديموقراطياً واقتصادياً. لم يجد من يهمس في أذنه بأن الوضع مختلف تماماً وأن الإرث الصناعي والزراعي والتنموي المتطور والتجارب السياسية المتفتحة في ألمانيا واليابان سبقت الحربين الأولى والثانية ولذلك فان ضرب الديكتاتوريتين ساهم في إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه ولم يخلق أوضاعاً جديدة. اعاد الألمان واليابانيون بناء أمتيهما بمساعدة دولية مستندين إلى ذلك الإرث وتلك التجارب ولم يستنسخوا نماذج جديدة معلبة لم تكن لتصلح لحاضرهم ومستقبلهم.
ويا صديقي السياسي الأميركي… اسمع ما سأقوله لك.
قبل حكم الاقليات الذي فرضته انقلابات عسكرية في المنطقة، وقبل حكم الغالبيات الذي فرضته الدبابات الأميركية وصواريخ توما هوك…
قبل استخدام الإسلاميين الجهاديين ذخيرة في أسلحة العم سام ضد السوفيات في الحرب الباردة، وقبل الحرب العالمية ضد «الإرهاب» التي قادها العم سام ضد الإسلاميين الجهاديين…
قبل خطابات أوباما التي أكد فيها أن حل الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية قادم لا محالة وأن أميركا لن تسمح ببناء مستوطنات جديدة، وقبل «تطنيش» البيت الأبيض عن بناء مستوطنات جديدة وخنق السلطات الإسرائيلية لغزة والضفة اقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً…
قبل رش بذور التغيير في الربيع العربي والتأييد اللامحدود للأنظمة الجديدة تونسياً وليبياً ومصرياً ويمنياً، وقبل مواجهة صيف التمرد على التغيير ومواجهة فوضى التغيير…
قبل تحول الغالبيات إلى أنظمة طائفية ملحقة بمحور إقليمي، وقبل الاضطرار إلى فتح قنوات حوار مع قوى «جهادية» مثل «طالبان» أو عشائرية مثل «الصحوات» أو مذهبية مثل تنظيمات شعبية سنية وشيعية صرفة…
قبل أن يقول أوباما إن الحلف التاريخي مع دول الخليج مبني على المبادئ والصداقات والمصالح، وقبل أن يقول لاحقا ما معناه إن الاكتشافات الأميركية الجديدة للنفط والغاز ستحرر أميركا من هذا الحلف وتدفعها إلى وقف دعمها للأنظمة الخليجية الموجودة وتسمح لها بالحديث عن شرق أوسط مختلف…
قبل دعم المعارضة السورية ودعم النظام في الوقت نفسه، وقبل الدعوة إلى اطاحة الرئيس السوري، وقبل تحديد «الكيماوي» خطاً أحمر يستوجب التدخل الفوري، وقبل تجاهل سقوط 100 ألف قتيل من الطرفين من دون كيماوي، وقبل التأكيد أن الأدلة الموجودة لدى الإدارة الأميركية تكشف استخدام الأسد للكيماوي 14 مرة، وقبل الحشد العسكري ثم التأكيد أن الضربة المفترضة لا تستهدف تغيير النظام أو إطاحة الأسد، وقبل تصويت الكونغرس المعروفة نتائجه، وقبل المخرج الروسي بأن يضع النظام السوري ترسانته الكيماوية تحت إشراف دولي…
قبل ذلك كله وبعده يبرز السؤال: هل تعرف الإدارة الأميركية ما تريد؟ هل تعرف شيئا عن الشرق الأوسط؟
جوابي ان الإدارة الأميركية تعرف ما تريده، وهو الالتزام بأمن إسرائيل وبقائها قوية، وبالتالي فإن الشرق الأوسط بالنسبة لها هو الشرق الذي نجمته إسرائيل. اغلقوا أعينكم عن المساعدات الأمنية والعسكرية التي تقدمها أميركا لإسرائيل وهي لا تحتاج إلى أدلة، وراقبوا حجم المعونات والمساعدات والتعاون المشترك في المجالات القانونية والاقتصادية والعلمية والتربوية والصحية والتكنولوجية والجامعية… وكل ما له علاقة بالتنمية وحقوق الإنسان والديموقراطية.
كتاب أميركا في الشرق الأوسط هو كتاب إسرائيل، أما نحن فهوامش أو نقاط استدلال أو حقول رماية. لا يخطئون كثيرا في العلاقات والاتفاقات ومشاريع التعاون بل يقدمون لهذا الوليد المزروع بيننا أفضل ما هو موجود لديهم، ثم يغيرون الأوضاع السائدة لدينا باذكى وأفضل الصواريخ لكنهم يتركون أسوأ ما لديهم بعد ذلك للتحالف مع أسوأ ما لدينا.
صحيح يا صديقي ان أوباما يتمنى أن يستيقظ يوما ولا يرى الشرق الأوسط موجوداً على الخريطة، لكن مزاجه لن يتعكر إذا بقي هذا الشرق إنما على شكل… نجمة داود.
لم يتغير شيء في أميركا. جميع الرؤساء يتشابهون عندما يتفضلون بزيارتنا. أما نحن فكل شيء يتغير لدينا… نحو الأسوأ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.