أوكرانيا ـ الحرب الباردة.. وسوريا التي غيّرت المعادلة

ukraine-clashes

موقع إنباء الإخباري ـ
دمشق ـ سمر عبود:

حين يتجند القطب الأوحد، حتى الأمس القريب، لمحاربة دولة، بكل ما أوتي من قوة، فيفتعل ثورات ويمولها ويعرض نفسه لان يكون على شفى حرب عالمية، فاعلم أن هذه الدولة على حق واسمها سوريا.

الدول العربية عموما، دول منفذة لأجندات صهيو امريكية ، فارغة مفرغة لا تتمتع بفكر ولا بسيادة حاكمة  (أستثني مصر في عهد عبد الناصر)، فبعد الربيع العربي بتّ على يقين أن العرب ظاهرة غير اعتيادية ، يجب أن تدرس .

دعونا نتطرق لما حدث مؤخرا من توتر في العلاقات الروسية الامريكية، وما هي أسباب ذلك التوتر.

فبعد أن فشلت أمريكا في رسم شرق أوسط جديد خانع ذليل، تتحكم هي به بواسطة دعمه اقتصادياً، بحجة جلب حريات تتناسب مع مواقفها مصالحها وطموحاتها، وبعد فشل مؤتمر جنيف الذي لم يأتِ بما أرادت ، كان لا بد من مخرج ومن حل، لتنزل أمريكا من الشجرة التي صعدت إليها منذ سنين.

لقد قلت في مقال سابق إن أسباب الربيع العربي هما اثنان دعماً لاقتصاد أمريكا وللحفاظ على دولة العدو .

نعود من جديد للحل التي افتعلته أمريكا  أملاً منها أن يخرجها من الحفرة التي سقطت فيها، باحثة عن بطاقة تساوم بها روسيا بعد أن ابتدأ التقارب المصري الروسي ، وبات الأمر جلياً لجميع المراقبين السياسيين أن سوريا انتصرت على امريكا، وأنها بدأت تخسر مصالحها تباعا في المنطقة، فما كان منها سوى أن حولت نظرها إلى أوروبا، وتحديداً إلى تلك الدول التي تربطها علاقات وطيدة مع روسيا، محوّلة طاقم مدربي الثورات العربية إلى هناك، وابتدأ الهرج والمرج بأوكرانيا، منتقلا إلى دول الجوار بإيعاز منها ووعود.

وفي أوكرانيا درّب الغرب أناساً على السلاح، متهمين الجيش والأمن الاوكرانيين بقتل المتظاهرين. سيناريو شبيه لما حدث في سوريا، حين بدأ المتظاهرون بالحرق والتدمير. تهم اتضح زيفها مؤخرا قبيل لقاء روسيا وامريكا، بعدما كشفت روسيا النقاب عن تسجيلات تورط الغرب بالتواطؤ مع المعارضة الاوكرانية .

بعد بدء المظاهرات في اوكرانيا، هرب الرئيس متجها الى روسيا طالباً منها دعمه في تحرير بلاده، فما كان من روسيا سوى انها استجابت واجتمع مجلس الاتحاد مقرراً إرسال القوات، وهكذا تم تحرير القرم التي تحتوي على قاعدة روسية، بينما توالى انشقاق الجهات الرسمية معلنين ولاءهم للرئيس البعيد وروسيا .

لم تتأخر أمريكا في الرد، إذ أن الأحداث تعارضت مع الخطة المرسومة والنتائج لم تكن ضمن دائرة احتمالاتها. فبينما هي تعمل في الخفاء، أتى رد فعل روسيا صريحاً مباشراً لها، متهماً إياها بتدريب تلك الجماعات، محاولةً السيطرة على أوكرانيا بطرق ملتوية، فردّت أمريكا أن ما تقوم به روسيا لا يتناسب مع الزمن الحالي واننا لم نعد في القرن التاسع عشر وانه مخالف للقوانين الدولية. نسيت أمريكا ، كما ذكّرتها روسيا لاحقا، أنها غزت دولاً منها الفيتنام ويوغوسلافيا والعراق وغيرها بحجج واهية كاذبة ودمرت بلدانا، وتأتي هنا لتحاضر في العفة وهي …

روسيا قالت إنها تلقت طلباً من دولة صديقة بواسطة رئيسها الشرعي المنتخب وإنها تعمل وفقا للقوانين الدولية، وإن على كل من يلوّح لها بعقوبات مرتقبة ـ قاصدة أمريكا ـ ان يستعد للخسارة، لأن الخسارة ستكون مشتركة للطرفين .

وأتى الرد على التهديدات الامريكية في وضع عقوبات اقتصادية على روسيا من حليفتها الصين، معلنة أنه في حال تعنت امريكا في موقفها فستتوقف عن التداول بالدولار وتطالب بدينها المستحق لها من امريكا.

كما تلقّت أمريكا صدمات متتالية، منها ما حصل في كوريا الشمالية، التي أطلقت صاروخين على مكان أقامت فيه أمريكا مناوراتها، دون أن يكون لأمريكا رد على هذا.

منذ زمن طويل لعبت أمريكا دور الحاكم الأوحد على العالم، من خلال سياسة القطب الواحد، التي دمرت كثيراً من البلدان، فلم يكن هناك توازن سياسي لتجنب الويلات، وحين أرادت أمريكا أن تفتك ببلد لسبب أو اخر لم تجد من يمنعها، ناهيك عن عمالة معظم الحكام العرب، إذا كان الامر متعلقا في دولة عربية.

أعتقد أن الأمور اختلفت بعد غزو ليبيا، وتدميرها تدميراً كاملاً ونهب خيراتها، حين أخطأت روسيا فلم تدافع عن مصالحها مع ليبيا. وباتت سوريا آخر ورقة لروسيا تمثّل مصالحها في المنطقة. وبفضل صمود الجيش العربي السوري والدولة السورية، رغم كل الدمار الذي حل بها، كانت سوريا ورقة رابحة في يد روسيا، وفي مقدمة أولوياتها، تسبق اوكرانيا  حتى، لأن سوريا قلبت الطاولة على أمريكا، مدمرة خطتها بالاستيلاء على الشرق الاوسط وخيراته بمساعدة الدول العربية، التي اختلفت فيما بينها مؤخراً بسبب افتعال تفجيرات في السعودية بتمويل قطري، فما كان من الدول الجيران سوى سحب السفراء وتقزيم قطر الصغيرة، مشتتة بهذا الفعل شمل الممولين لخراب سوريا.

عودة روسيا لحلبة السياسة بهذه القوة تخلق توازناً سياسياً وتجعلنا نودّع سياسة القطب الواحد، خالقين أملاً بالغد، والفضل يعود لسوريا.

سوريا بصمودها غيّرت معالم التاريخ، وما زالت تصنع المعجزات فلا ضير إن دمرت الحيطان والبنيان فسواعد أهلها ستبنيها.

أخيرا لا أعتقد أن حرباً عالمية ستقوم لأن أمريكا أضعف اليوم من أن تفتعل حرباً كهذه، وخصوصاً في ظل اقتصاد منهك وجيش متعب من كثرة الحروب التي لا صلة للشعب الأمريكي بها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.