أول صورة لإبليس بعد نيّته إعلان توبته

Devil1

موقع إنباء الإخباري ـ
حسن ديب:

بالعربي … حوار مع إبليس …

كعادتي ، وكما هو حال جميع بني البشر ، فأنا على موعد يومي مع إبليس .
نعم، هو لقاء يومي لا بد منه، فإن الله جعل الإنسان هو الفيصل بين الحق الممثل بالعقيدة والإيمان وبين الباطل الممثل بإبليس. فكما نحن على موعد يومي مع الحق، كذلك نحن على موعد يومي مع الباطل، لا بل في معركة دائمة معه ولا تنتهي هذه المعركة إلا بانتهاء الحياة.
ليسَ… ولكنني كعادتي فأنا على موعد دائم مع إبليس، هي حالة صراع متكررة بين النفس والعقل، بين الإيمان والغريزة، وبين الخير والشر. مستمرة هي هذه الحرب التي تتنوع بين جولات وجولات، فأنتصر عليه أحياناً ويهزمني أحياناً أخرى، نعم أعترف بأنه استطاع أن يهزمني مرات عدة وليس في ذلك من خجل، فهذه سنة الحياة.
ويعود سبب انتصاره وتفوقه في جولات من هذه الحرب القائمة بيننا إلى ارتفاع مخزون الشر لديه وأيضاً إلى احترافه فن الكذب والتضليل والتشويش، بالإضافة إلى كرهه المتزايد نحو كل ما يمت إلى النبي آدم (ع ) بصلة.
وكعادتي، كنت في كل مرة ألقاه، أجده نشيطاً، كثير الحركة لا يهدأ، يوسوس هنا ويزرع الفتنة هناك، ويدبر شراً في مكان ما، هو حالة شر لا تتوقف. اعتدت أن أراه على هذه الحالة حتى اصبح منظره مألوفاً لدي، وأصبحت معتاداً على مواجهته وفقاً لهذه الخطوات التي يعتمدها، أي أن الحرب بيننا أصبحت مكشوفة، فسلاحه واضح ودفاعي جاهز.

devil-sad11

ولكنني اليوم وعلى غير عادة، وبينما كنت أعد العدة للقائه، فإذا بي أراه على غير ما هو عليه، حقاً لقد أدهشني منظره، فهي المرة الأولى التي أراه بها على هذه الحالة. متعباً كان هو، حزيناً، بائساً، وكأنني رأيت الطير على رأسه، كان جامداً كما لم أرَه من قبل، وجهه متشح بهموم الدنيا ومصائبها، حتى أني رأيت بعض الشيب قد بدأ يرسم معالمه على شعره.
وعلى غير عادتي هذه المرة، وأنا الذي لطالما اعتدت وفقاً للإستراتيجية المتبعة في الحرب بيننا بأن لا اقترب منه ولا اسمح له بالاقتراب مني، على غير عادتي ومن باب الشفقة اقتربت منه علّي أعرف شيئاً من الحالة المزرية التي رأيته عليها.
لم أكن خائفاً أبداً، فقد كان اليوم أضعف من أن يواجهني، إقتربت منه وسألته: أحقاً أنت إبليس؟…
فقال لي: إرحل فكم أكره أن أرى الشماتة في عينيكم نسل آدم .
أعدت سؤالي عليه مرات ومرات إلى ان أدرك مدى اصراري في الحصول على الجواب فقال لي:
نعم إبليس أنا، وبالعربي ومن الآخر، أنا إبليس .
أنا من عصى الله في ملكه، أنا الذي تمردت على الخالق ورفضت الخضوع لأمره، أنا من أعلنت بأني سأجعل من سلالة آدم عبرة في الشر على مدار الساعة، أنا من أخرجكم من الجنة، وأنا من سيصل بكم إلى جهنم
قلت له: حسناً، نحن نعلم كل هذا ولكن الغريب هو حالك الذي لم تظهر به من قبل، فما هي مشكلتك حقاً؟
قال لي: مشكلتي هي حكامكم، ساستكم، لقد جعلوني نكرة لا أصلح لأي عمل أقوم به…
قال لي: إسمع، لقد جئت إلى هذه الأرض وفي جعبتي أفكار جهنمية تدمّر كل حق وخير وجمال، لقد زرعت الأرض بالطول والعرض فساداً وحقداً، حتى اعتقدت بأني قوة الشر التي لا يمكن لأحد الوقوف بوجهها، إلى أن وصلت إلى بلادكم، وتعرفت إلى ساستكم. أتصدق، كم كنت غبياً عندما اعتقدت بأني ملك الشر.
نعم لقد وسوست وأفسدت وفتنت وألبست الباطل زي الحق، نعم فعلت كل هذا، ولكني وجدت نفسي صغيراً بين حكامكم، فأنا فعلت كل ما فعلت باسم الباطل وعلى نية الباطل،
ولكني حقاً لم أسرق باسم الدين والوطن، لم أتاجر بقومي تحت شعار العدل والحرية، لم أقدم أرضي وعرضي للغرباء وأجعل من نفسي حاكماً عميلاً مرتهناً.
نعم أنا إبليس، ولكني عجزت بأن أكون حاكماً عربياً، فللحكام العرب أساليب شيطانية لم نتعلمها في كتب الأبلسة، لم نتعلم كيف نشيد قصورنا فوق قبور الفقراء، وكيف نغلق خزائننا على أموالهم، ولم نتعلم أن لا ننام من التخمة بينما قومنا لا ينامون من الجوع.
نعم وجدت نفسي صغيراً أمام حكامكم…
لقد فعلت كل ذنب عظيم، أعترف لك بذلك، ولكن هل سمعت يوماً بأني بعت فلسطين لليهود بثلاثين من الفضة، هل سمعت بأني شاركت في حرق الأقصى وتفتيت العراق وتدمير سوريا؟ هل سمعت يوماً بأني وقفت مع العدو ضد شعبي ومقاومته؟
هل رأيتني يوماً أصلي.. أنا لا أصلي لأني أعترف بكفري، بينما حكامكم لا يتركون صلاة وهم على كفرهم…
قالها، وأظن بأني لمحت دمعة حاول إخفائها…
قلت له: لا بأس عليك فما الحياة إلا زوال.
فقال لي: إن ما يزعجني حقاً أنكم أقمتم لي مكاناً لرجمي، تأتون من كل حدب وصوب تحملون حجارتكم لتلقوها بإتجاهي، بعد أن تقوموا بالطواف حول الكعبة المحتلة، التي حتى أنا عجزت عن احتلالها، بينما نجح حكامكم بذلك، تأتون لرجمي وتتركون من هم أدهى مني وأظلم، من هم أكثر مني شراً وفساداً تخريباً وتدميراً (وفي هذه المرة لم يستطع أن يخفي دمعته التي انطلقت دون خجل).
تأتون لرجمي، وأنا الذي أعلنت ضعفي وانهزامي أمام ساستكم، فإن أصغرهم هو أستاذي ومعلمي في فنون الأبلسة. قالها بحرقة، وتابع ليقول: إرحل، إرحل عني، إرحل، فبعد أن رأيت من حكامكم ما رأيت لم يعد بوسعي إلا أن أتوب إلى الله عز وجل، علّه يسامحني عمّا فعلته في حياتي وتأخذه الرأفة بصغائري أمام كبائر حكامكم…
صمت إبليس، و انتابني الصمت أيضاً، ابتعدت عنه وفي رأسي فكرة واحدة، وهي:
كم من إبليس علينا بأن نرجم، وكم من إبليس علينا بأن نحارب…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.