أين الحقيقة في الموقف الأمريكي من داعش؟

علي الأسدي

  تثبت الحياة يوما بعد يوم بل ساعة بعد ساعة كم هو ضروري توحد كلمة ومواقف العراقيين كافة ضد عدوهم المشترك داعش ومن وراءها. لكن العلاقات القائمة بين مكونات مجتمعنا الرئيسية الشيعة والسنة والكرد مع كل الحزن ليست بخير ويمكن القول ان كلا منها يتحمل قسطا من المسئولية فيما وصلت اليه أحوالنا. وأسوء من كل ذلك هو الثقة شبه العمياء بالولايات المتحدة بكونها هي وليس أية قوة أخرى ستأخذ مهمة القضاء على التسلل الداعشي الى مدننا وقرانا وبخاصة وأن لنا معاهدة مبرمة تتكفل هي بموجبها برد أي عدوان خارجي على شعبنا. وها قد مرت تسعة شهور على الغزو الداعشي للعراق وما زالت بخير وتتقدم وتعزز مواقعها وترتكب المجازر بحق شعبنا دون أن يبدو ان ” الحليف الأمريكي ” جاد في فعل شيء ملموس على الأرض. الطيران الأمريكي انهى النظام العراقي في ثمانية عشر يوما وبوقت أقصر طرد الجيش العراقي من الكويت ودمر كافة معداته وآلته العسكرية، لكنه عاجز عن تدمير عصابات تتحرك دون غطاء جوي وبعربات مدنية في منطقة مفتوحة شبه صحراوية وكأنها في رحلات سياحية لصيد الثعالب.

ومما زاد الصورة عتمة الأخبار الأخيرة عن انحياز الطيران الأمريكي بشكل مكشوف لداعش بعد أن صورت طائراتها وهي تلقي الاسلحة والعتاد على مناطق تحصينات داعش وبدون تزودها بالمعلومات الاستخبارية عن تحرك القوات العراقية ومراكز ضعفها لتنقض عليها بهائم داعش في الوقت المناسب. الحكومة العراقية الجديدة غارقة بالتفاؤل بأن كل شيء على ما يرام وان الزحف الأمريكي قادم لا محالة وأن النصر المؤزر على الأبواب فيما تخلت هي عن الاتفاق الذي أبرمه السيد المالكي مع روسيا الاتحادية. وهناك أكثر من دليل بأن الولايات المتحدة هي من ضغط باتجاه الغائها وما تنحية المالكي الا النتيجة المباشرة لتوقيعه تلك الصفقة التي كانت ستضع تحت تصرف العراق طائرات ومعدات ثقيلة هو في أمس الحاجة اليها. ان مهمة داعش لا علاقة لها بنشر الاسلام الوهابي أو أي نسخة اسلامية فمهمتها محددة وواضحة هي بناء البنية التحتية لخطة تدمير الانظمة السياسية التي لم تدمر بعد كليا في منطقتنا وخاصة العراق الذي رغم الكوارث التي مر بها مازال عصيا ومصمما على اعادة بناء اقتصاده وتضميد جراحاته.

ولهذا السبب تتآمر القوى اليمينية داخل التحالف الغربي عبر عملائها بين دول المنطقة لتقطيع أوصال العراق كأهم جزء في مشروع تدمير الأنظمة السياسية تنفيذ لمشروعهم الامبريالي المشبوه المعروف بـ ” الشرق الأوسط الجديد “. فهناك الكثير من الدلائل على محاولات يائسة تبذلها تلك القوى الرجعية المحافظة للدفع بالعراقيين نحو الاقتتال لايجاد المبررات للتدخل العسكري لتخريب مالم يخرب في الحروب التي اصطنعوها منذ ثمانينيات القرن الماضي التي كان آخرها احتلال العراق. وها نحن أمام مرحلة أخرى من الحروب وهذه المرة يستخدمون العراق كجسر لتمرير مشروع بلقنة ايران وروسيا بنفس الوقت الذي يباشرون فيه دفع مصر نحو الحرب الأهلية. وبقدر حرصنا على تجنيب شعبنا الوقوع في حبائل الارهاب الداعشي من المهم التذكير بأهمية تحلي قوى شعبنا من مختلف الطوائف باليقظة والحذر الشديد من محاولات الدفع ببلادنا نحو الحرب الأهلية بتضامنهم الزائف مع هذا الفريق الطائفي أو ذاك بينما الهدف الأساس هو تدمير الجميع.

وخير الأدلة على ذلك الدعوة التي أطلقها أخيرا رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بدعوته لاستقلال كردستان عن العراق هو تدخل سافر بشؤون بلادنا الداخلية وهو ما يتنافى مع مبادئ القانون الدولي الذ يقر باحترام وحدة الدول وخصوصياتها بما فيها معتقداتها الدينية والسياسية وعلاقاتها الاجتماعية الداخلية. ان انفصال كوردستان عن العراق هو شأن داخلي عراقي ولا شأن للغرباء فيه وللعراقيين كل المقدرة والأهلية للتعامل مع حق تقرير الشعب الكردي لمصيره واختياره لشكل العلاقة مع بقية قوميات مجتمعنا. ولو كان الاسرائيليون مؤمنون حقا بحق تقرير المصير للشعب الكردي لكان الأولى اعترافهم بحق الفلسطينيين بالاستقلال والتحرر من نظام الفصل العنصري الممقوت.

وليس من المستبعد أيضا أن يباشر المحافظون الجدد في مجلسي الكونغرس وهم جزء مهم وأساسي في اللوبي الاسرائيلي لتحويل الموضوع من التصريحات السياسية الى واقع باقتراح صيغة قرار يتخذه الكونغرس لتقديمه للرئيس الامريكي للموافقة عليه ومن ثم اصداره كقانون واجب التنفيذ. وبذلك يكون الجزء الأهم من مشروع نائب الرئيس الامريكي بايدن لعام 2006 بتقسيم العراق قد نفذ. وبحسب المحلل السياسي الاستراتيجي الأمريكي والمدير السابق لمكتب المحاربين القدماء Jeffrey Silverman إن تواجد داعش في شمال العراق له علاقة بالتمهيد لانفصال جمهورية الاكراد عن السلطة المركزية وهو الهدف من اللعبة الكبرى لخدمة مصالح الولايات المتحدة في تركيا والعراق وايران وسوريا. *

ان تفتيت العراق ودولا عربية أخرى هو هدف مشروع ” الشرق الأوسط الجديد ” الذي بدأه الرئيس جورج يوش الابن ولم ينهيه، لكنه لم يتلاشى من أجندة المحافظين الجدد، وقد يكون الوقت قد حان لإعلان استكماله مع تقسيم العراق وتدمير جيشه ومعنويات مواطنيه. ويشعر المحافظون الجدد ان النظام الجديد يعني جعل اسرائيل في وضع لم تعد مجبرة فيه للتفاوض مع الفلسطينيين حول حل الدولتين. ومن الجانب الاخر يسعون لتغيير الانظمة في منطقة الشرق الأوسط التي تساعد الفلسطينيين مثل سوريا وايران وعندها يمكن لاسرائيل أن تملي شروطها للسلام مع الفلسطينيين الذين لم يعد لهم أي خيار غير أن يوافقوا على ما هو موجود على الطاولة. **

ان توحد كافة مكونات شعبنا حول العراق المتآخي عربا وكردا سنة وشيعة مسلمين ومسيحيين وايزيديين وصابئة ضد الدواعش الطائفية ورفض الفكر الظلامي الذي جاءت به الذي مهما البسوه من لبوس اسلامية فلن يكون اسلاميا فليس من الاسلام القتل وحرق الناس أحياء والنهب والاغتصاب وسرقة أموال الشعب وممتلكاتهم وتدمير مقدساتهم ومراكزهم الثقافية وآثارهم التاريخية الحضارية. ولنعمل معا لإفشال المخطط الفاشي لزج شعبنا في حروب بالوكالة لتحقيق الاهداف الامبريالية بإعادة هيمنتهم على مقدراتنا بينما نرزح نحن في ظل الفقر والحرمان والتخلف الاقتصادي والثقافي والاجتماعي.

……………………………………….

*- William Engdahl , ISIS in Iraq Stinks of CIA / NATO Dirty War” 24/6/2014 rt.com,

** Robert Parry , ” What Neocons Wants from Ukraine Crisis” consortiumnews.com ,2/3/2014

نقلاً عن موقع شبكة النبأ المعلوماتية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.