إسرائيل ترفض التسوية الأميركيّــة للحدود البحريّة: الغاز لي!

lebanon oil
غاز إسرائيل يسبق غاز لبنان ثلاثة أعوام كاملة، بحسب التوقيت الإسرائيلي، و20 عاماً على الأقل، بحسب توقيت الرعونة اللبنانية. فيما ينشغل لبنان بجنس ملائكة غازه، تسابق إسرائيل نفسها لوضع اللمسات الأخيرة على التصدير إلى أوروبا، مع فرض «حقائق» لا يمكن التراجع عنها.

صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
يحيى دبوق:

رفضت إسرائيل اقتراح تسوية تقدمت به الإدارة الأميركية لحل «الخلاف» بين الدولة العبرية ولبنان، على حدود المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة للجانبين، وتحديداً ما يتعلق بالمنطقة المتنازع عليها، التي باتت تعرف بمنطقة «البلوك 9»، بادعاء إسرائيل أنها تابعة لها.

وبحسب صحيفة «غلوبوس» الاقتصادية العبرية، التي كشفت عن الرفض الإسرائيلي للمقترح الأميركي أمس، «سيؤثر الرفض سلباً على هذه المنطقة، ويمنع لبنان من استغلالها». هذا الأمر يكشف أن إسرائيل تتبع استراتيجية التعطيل حيال هذه المنطقة، وإن لم تستفد منها فلن تكون محل استفادة لأي من الطرفين.

وفيما لم تشر الصحيفة إلى مضمون التسوية، أشارت في المقابل إلى أنها أجرت اتصالاً مع جهات معنية في وزارة الخارجية في تل أبيب، لاستيضاح حقيقة ما تملكه من معطيات، «إلا أن هذه الجهات رفضت الرد، وأكدت أنه ممنوع عليها التعليق على هذه المسألة لشدة حساسيتها».

وأضافت الصحيفة أن «مساحة المنطقة موضوع النزاع، تصل إلى 850 كليومتراً مربعاً، ويقدّر أن تحتوي على كميات واعدة من النفط والغاز، قد تساوي الكميات المقدرة لحقل تمار الإسرائيلي الذي تملك شركة «ألون» الإسرائيلية حق التنقيب عن النفط والغاز فيه». وأشارت إلى أن «لبنان الذي يرفض الآن ترسيم الحدود البحرية حسب التحديد الإسرائيلي، كان قد وقّع مع قبرص اتفاقاً في أيلول 2010، يتوافق تماماً مع وجهة النظر الإسرائيلية، رغم أن البرلمان اللبناني لم يصدقه».

وفي موازاة تعطيل التسوية كما يقترحها الأميركيون، تواصل إسرائيل سباقها إلى السوق الأوروبية، مع تذليل آخر العقبات إليها. وكشف الإعلام العبري في الأيام الأخيرة عن جهد إسرائيلي انصبّ في الأشهر الأخيرة على الخطط العملية لنقل الغاز إلى السوق الأوروبية، متجاوزاً مراحل الاكتشاف والتنقيب عن الغاز الذي «بات شبه منجز»، مع إصرار لافت على جعل الأوروبيين عنصراً أساسياً في المصلحة الإسرائيلية باستخراج غازها وتسييله وتسويقه ونقله، وتحديداً من البوابة القبرصية.

الأنباء المتطابقة من قبرص وإسرائيل، تشير إلى أن أشواطاً بعيدة قطعت في هذا المسار، بمباركة ورعاية أميركية خاصة، تولاها نائب الرئيس الأميركي جون بايدن. موقع cyprusgasnews القبرصي المتخصص بالشؤون الاقتصادية، نقل عن الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس، في مطلع الشهر الحالي، وفي أعقاب زيارة بايدن نيقوسيا، وجود تفاهم أميركي مع الجانب القبرصي، على ضرورة أن يكون للجزيرة القبرصية دور مركزي في تسويق ثروة الحوض الشرقي للمتوسط، وهو ما يتساوق تماماً مع المساعي الإسرائيلية.

وفي هذا الإطار، يشير الرئيس القبرصي إلى أن «الأميركيين يقرون بأن لقبرص دوراً أوسع وأكثر فاعلية في خلق تحالف كبير للاستفادة من الثروات الطبيعية في المنطقة». أما لجهة العلاقات الإسرائيلية القبرصية، فيشير أناستاسيادس، خصوصاً إلى «الشركاء في إسرائيل، حيث دفعت الثروة النفطية والغازية كلا الجانبين إلى علاقات ومصالح اقتصادية أوثق».

ترجمة التفاهمات الأميركية القبرصية أُعلنت أمس؛ إذ كشفت صحيفة «غلوبوس» عن طلب قبرصي خاص، بتحويل الجزيرة إلى معبر للغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، مع تأكيد أن إسرائيل قبلت الطلب، بل وبدأت المفاوضات بين الجانبين لإيجاد آلية عملية تكفل تحقيق ذلك. ومن المقرر أن يوقع الطرفان اتفاقية خاصة بهذا الشأن خلال الأشهر القليلة المقبلة.

وكشفت الصحيفة عن أن الطلب القبرصي يتعلق بموافقة تل أبيب على تخصيص كميات حد أدنى من ناتج حقول الغاز الإسرائيلية، يجري تصديرها حصراً عبر قبرص، بعد أن تسيّل في المنشأة التي تنوي إنشاءها في جنوب الجزيرة، باستثمار قد يتجاوز 12 مليار دولار.

موافقة إسرائيل على الطلب القبرصي، تفتح الباب على مصراعيه، بحسب «غلوبوس»، أمام الشركات المستثمرة في إسرائيل للبدء بمفاوضات لتوقيع صفقات تجارية لتسييل الغاز الإسرائيلي في المنشأة العتيدة، وبمبالغ طائلة جداً. وبحسب الصحيفة، إن «هدف نيقوسيا في المرحلة الأولى هو حقل لفيتان الغازي، القريب من الأراضي القبرصية، والمقدر أن يحتوي على ما يقرب من 19 تريليون كوب مكعب من الغاز».

وأشارت «غلوبوس» إلى أن الطلب القبرصي يأتي تتويجاً لاتصالات بين الجانبين، استمرت ثلاث سنوات وأثمرت تقدماً حقيقياً بشأن تسييل الغاز ونقله عبر قبرص، مضيفة أن «الشراكة مع إسرائيل من شأنها أن تجذب استثمارات أجنبية بصورة أفضل، كذلك فإنها ستكون رادعة لتركيا وتمنعها من الإضرار بالمصالح القبرصية».

وفي واقع الأمر، إن منشأة التسييل القبرصية هي مصلحة إسرائيلية بامتياز، قبل أن تكون مصلحة قبرصية، رغم كل الفذلكة عن الحاجة القبرصية لها، بحسب الإعلام العبري. فالمنشأة تكفل لإسرائيل تحقيق فائدتين استراتيجيتين، ما كانتا لتتحققا من دونها، وكانتا مدار بحث في تل أبيب طوال السنوات القليلة الماضية، وشكلتا تحدياً كبيراً لصناع القرار في إسرائيل. ويبدو أن منشأة تسييل الغاز القبرصية كانت هي الحل شبه الوحيد أمام إسرائيل.

فالمنشأة تجنب تل أبيب مدّ خط أنابيب تحت الماء بعيد جداً عن الساحل، بحسب ما تفرضه الضرورات الأمنية، وهو خط سيكون مكلفاً جداً، وأعباؤه المالية باهظة، سواء لجهة إنشائه أو ديمومة صيانته وحمايته. ونتيجة للاتفاق المتبلور مع القبارصة برعاية أميركية، بات بمقدور الغاز الخام الإسرائيلي المستخرج من الآبار القريبة من المنشأة، أن ينقل بسهولة إليها من دون تكاليف مالية كبيرة، تمهيداً لتسييله ومن ثم نقله إلى السوق الأوروبية.

وكفائدة استراتيجية ثانية، من شأن المنشأة أن تكفل لإسرائيل تجنيد دولتين منضويتين في الاتحاد الأوروبي، كشريكتين اقتصاديتين في تسويق الغاز الإسرائيلي في الدول الأوروبية نفسها، وهما قبرص واليونان، الأمر الذي يتيح لتل أبيب تقليص قدرة الدول الأخرى، وتحديداً لبنان، على المنافسة الاقتصادية اللاحقة.

وفيما لبنان نائم ويحلم بنفطه وغازه من دون أن يتحرك باتجاهه، تجهد تل أبيب لفعل كل ما يلزم، وباتجاهات مختلفة، لمرحلة ما بعد استخراج النفط والغاز، حتى بما يتجاوز الاتفاق مع قبرص. وفي هذا الإطار، نظمت وزارة الاقتصاد الإسرائيلية، قبل أيام، ندوة خاصة حول تصدير الغاز إلى أوروبا، بمشاركة أكثر من 300 شركة وجهة عالمية عاملة في مجالات التنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما وتسويقهما.

وإحدى أهم الكلمات التي أُلقيت في الندوة، كانت لأحد منظميها الأساسيين إدوارد كوكيرمان الذي أكد أن «إسرائيل تتحول إلى منتج للغاز، وقد تصبح المورد الثاني للغاز لأوروبا بعد روسيا. وفي الوقت نفسه، إن أوروبا المرتبطة ارتباطاً كبيراً بالروس، معنية بإسرائيل وبغازها، كي تشكل بديلاً من الغاز المستورد من روسيا لضرورات الأمن القومي، الأمر الذي يشكل تحولاً يمكن أن يبنى عليه، ومن شأنه أن يغير معنى العلاقات بين إسرائيل وأوروبا».

من جهتها، كشفت وزارة الطاقة والبنى التحتية الإسرائيلية أول من أمس عن سلسلة لقاءات أجراها أخيراً وزير الطاقة سيلفان شالوم مع مسؤولين قبارصة ويونانيين وإيطاليين، تناولت سبل التعاون بين الدول الأربع في مجالات تسييل الغاز الإسرائيلي ونقله إلى أوروبا، والتنافس الأوروبي على قطاع الطاقة في إسرائيل.

وفي بيان صادر عن الوزارة، نقلاً عن شالوم، فإن «رئيس الحكومة الإيطالية، أعرب لإسرائيل عن رغبته في أن تكون بلاده بوابة عبور للغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، وهو الطلب نفسه الذي تلقته تل أبيب من قبرص واليونان المهتمتين أيضاً بأداء دور رئيسي في هذا القطاع».

ما الذي يعنيه ذلك؟ بعبارات لبنانية: العريسان الإسرائيليان تزوجا وأنجبا أولاداً وزوّجا أولادهما، فيما العريس اللبناني ما زال يبحث عن عروسه ويختلف مع نفسه على أسماء أولاده منها، رغم أنه لا يعلم حتى الآن، ما إذا كان قادراً بالفعل على الزواج والإنجاب.

ولتذكير الساسة اللبنانيين الذين يعرقلون ملف ثروة اللبنانيين الغازية والنفطية، نكرر بعض ما نشرته «الأخبار» قبل ثلاث سنوات. بتاريخ 25/9/2010، مثل الوزير الإسرائيلي يوسي بيليد أمام لجنة الاقتصاد في الكنيست، في جلسة استماع خاصة عن قطاع النفط والغاز وتقديرات الحكومة بشأن التحديات التي تواجهه. وأشار إلى أن «عامل الوقت هو الذي يقلقني في هذا المجال. وما سأقوله موثوق ومؤكد؛ إذ لدى اللبنانيين حقول غاز كبيرة توازي ما اكتشفته إسرائيل». وحذر من أن «الأوروبيين الذين يبحثون عن بدائل للغاز الروسي، بدأت شركاتهم الكبيرة تدير مفاوضات مع لبنان… وتخيلوا ما سيعني أن يتحول هذا البلد إلى دولة غاز، وما هي المعاني والأبعاد في ذلك… إنه تشابك ما بين البعد الأمني والبعد الاقتصادي».

وخلال المناقشات، حذر مندوب شركة «ديليك» الإسرائيلية التي تتقاسم امتياز التنقيب عن الغاز مع شركة «نوبل إنيرجي» الأميركية، من «وجوب استنفاد كل الزخم لتحاشي دخول دولة أخرى على الخط، كلبنان مثلاً، ومنعها من احتلال مكان إسرائيل كمصدر للغاز إلى أوروبا».

ورغم أن إسرائيل شخصت التحدي جيداً، فإنها تنبأت في حينه وراهنت على رعونة الجانب اللبناني. صحيفة «غلوبس» الاقتصادية، ورداً على تحذيرات بليد في الكنيست، أشارت في حينه أيضاً، وفي مقالة رئيسية على صدر صفحتها الأولى بتاريخ 5/10/2010 إلى الآتي:

«… الجهات الإسرائيلية المسؤولة عن متابعة ما يجري في لبنان على اقتناع شبه كامل بأن هذا البلد (لبنان)، قادر على إعطاء الرخص الأولى للتنقيب عن الغاز حتى نهاية العام الجاري (أي نهاية عام 2010)، إذ بإمكان لبنان أن يسدّ الفجوة الموجودة بينه وبين إسرائيل، والتحوّل سريعاً إلى منافس حقيقي، إلا أن نفس هذه الجهات تؤكد في المقابل أن التجارب السابقة تظهر أن ما من سبب يدعو إلى القلق في المدى المنظور؛ فالكنوز الطبيعية اللبنانية تثير انقسامات داخلية وخارجية في لبنان، البلد الذي يعيش حالة من عدم الاستقرار، وبالتالي لن تسارع شركات النفط العملاقة إلى استثمار المليارات في دولة كهذه».

صدقت إسرائيل، وتحققت رهاناتها. فلا شيء في لبنان مُعفَى من أن يكون محلاً للانقسام والتجاذب، وبالتالي للتعطيل، وبما ينسحب أيضاً على قطاع النفط والغاز، الثروة اللبنانية التي تعد حبل نجاة لكل مشاكل اللبنانيين، الاقتصادية والمعيشية، وحتى الأمنية والسياسية.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.