إسرائيل لا تزال تتلمس خيارها السوري: استمالة المعارضة والتناغم مع الحراك المسلح

golan-israel-syria

محمد بلوط –

صحيفة السفير اللبنانية:

ليس واضحا ما إذا كان الإسرائيليون قد حزموا أمرهم أم بعد على تكرار تجربة «الجدار الطيب» اللبناني في سوريا، لكن من المؤكد أنهم لم يتوقفوا عن محاولة اجتذاب معارضين سوريين إلى صفوفهم، وتفضيل العسكريين منهم، رغم ترددهم في التدخل مباشرة في الصراع الحالي، ورفضهم طلبات أميركية توجيه ضربات للجيش السوري، كما ذكرت صحيفة «هيرالد تريبيون» الاميركية مؤخرا.

لكن الموقف الإسرائيلي تطور خلال الصراع، من تفضيل بقاء النظام الحالي على أي تغيير يحمل معه عناصر تحريك في جبهة الجولان السورية المحتلة المستقرة، إلى دعم خيارات تؤدي إلى تقسيم سوريا، والتخلص من أي سلطة مركزية في دمشق، تحفظ الموقع السوري، وتهدد امن إسرائيل. ولم يمنع ذلك الإسرائيليين منذ البداية من محاولة امتلاك أوراق داخل المعارضة السورية في أوروبا.

ويقول مصدر سوري معارض إن الإسرائيليين عملوا منذ بداية الحراك في سوريا، على فتح قنوات اتصال مع المعارضين السوريين، عبر بعض الباحثين المهتمين منهم بالشرق العربي، ومعاهد الدراسات الأميركية والأوروبية ورجال الأعمال، ومصرفيين مقربين من اللوبي المؤيد لإسرائيل. وخلال العامين الماضيين، توطدت علاقات باحثين ومؤيدين لإسرائيل، يعملون كواجهة إعلامية في أوروبا، مع عدد من الشخصيات السورية المقيمة في أوروبا.

وكان باحث إسرائيلي، عمل سابقا، مساعدا للملحق العسكري الإسرائيلي في واشنطن، قد نجح بإقامة صلات وثيقة مع مجموعة من الشخصيات السورية، في مطلع الحراك، واستمر بالإشراف عليها، في الأعوام الماضية.

ويقول مصدر سوري معارض إن الإسرائيليين قد عثروا في باريس على عميد ركن سابق، وصل إلى فرنسا في العام 2004، بعد تسريحه من منصبه العسكري نهاية الثمانينيات. وكان الضابط السوري السابق قد دخل ميدان الأعمال والتجارة، وأقام صلات مع الباحث الإسرائيلي، بعد ظهوره في الإعلام، في آذار في العام 2011.

وكان الإسرائيليون يطمحون إلى وضعه في «هيئة أركان الجيش الحر» في المرحلة الأولى من تأسيسه، لكنه اخفق في ذلك بسبب منافسة العسكريين المنشقين منذ وقت قريب، وضعف صلاته بهم، وطول انقطاعه عن المؤسسة العسكرية.

ويقول المصدر السوري إن الضابط السابق لا يزال مرشحا، للعب دور المنسق في الجولان السوري مع جماعات المعارضة المسلحة، إذا ما تطورت العمليات العسكرية في المنطقة، وأدت إلى إنشاء منطقة عازلة تسيطر عليها المعارضة المسلحة.

وكانت معارك الأسبوع الماضي قد ساعدت المعارضة على تحقيق اختراق مهم في ريف القنيطرة، مع استيلاء مجموعات «أجناد الشام»، و«الجبهة الإسلامية»، و«جبهة النصرة»، على التل الأحمر الغربي، الذي يشرف مع التلول الحمر، على كامل ريف القنيطرة الجنوبي وريف درعا الغربي. ويبدو أن توسع الانتشار «الجهادي» في خط فصل القوات في الجولان لا يقلق الإسرائيليين الذين استقبلوا حتى نهاية آذار الماضي ما يزيد عن 600 جريح في مستشفياتهم، وينتمي معظمهم إلى الجماعات «الجهادية». لكن توسع العمليات العسكرية سيملي على الإسرائيليين تقرير إلى أي حد يمكنهم التعاون مع تلك المجموعات، لضرورة ضمان امن المنطقة المحتلة والمستوطنات. وكان الإسرائيليون قدموا يد العون، ومنصات التشويش المنصوبة في جبل الشيخ، لإعماء اتصالات الجيش السوري، خلال الهجوم الأكبر الذي نجحت المعارضة السورية المسلحة بتنظيمه في تشرين الثاني الماضي، ضد الغوطة الشرقية، ومنطقة العتيبة تحديدا، انطلاقا من قواعد خلفية في الأردن.

وبات مؤكدا أن عمليات استقبال الجرحى من مقاتلي المعارضة في ريف القنيطرة، وإقامة مراكز لنقلهم عبر خط فصل القوات في الجولان المحتل، إلى مستشفيات نهاريا وصفد، قد ساهم أيضا في اختراق المعارضة المسلحة، إذ بعد أشهر قليلة من افتتاح خط الجولان – نهاريا الطبي، نفذ الإسرائيليون عمليات اغتيال لشخصيات علمية وعسكرية سورية مهمة. ففي الثلاثين من آذار العام 2012 أعلنت القيادة الشمالية العسكرية أن «معالجة الجرحى، بداية للتعاون المستقبلي مع سوريا، ما بعد (الرئيس السوري بشار) الأسد».

وسمح الاختراق الإسرائيلي بتنفيذ عمليات اغتيال استهدفت بعض العناصر الأساسية في البرامج العسكرية السورية، ففي 21 تموز العام 2012 قتل مسلحون مجهولون العالِم الفيزيائي نبيل زغيب، والمشرف على البرنامج الصاروخي السوري، مع زوجتيه وابنيه في باب توما. وفي أيلول التالي، اغتيل نائل الدخيل، عميد كلية الكيمياء في جامعة حمص، كما قتل أوس عبد الكريم خليل احد علماء الهندسة النووية.

ومنذ مؤتمر انطاليا للمعارضة السورية، الذي عقد في تركيا في حزيران 2011، وحضرته 300 شخصية معارضة، بعد شهرين ونصف الشهر على انطلاق الحراك السوري، انطلق الإسرائيليون لتشجيع شخصيات، بعضها إسلامي على حضور المؤتمر والمشاركة فيه، وتحديد نسب التمثيل. وأشرف على الاتصالات مصرفي فرنسي يدير جزءا من أموال رجل أعمال سوري يعمل في دولة الإمارات، والباحث الإسرائيلي ومتمول آخر يعمل في ميدان التسلح.

وشارك معهد دراسات أميركي شهير، في عقد سلسلة من المؤتمرات في العواصم الأوروبية، لاستكشاف عناصر المعارضة السورية، والتعرف إلى اتجاهاتها، والتأثير بها، عبر تمويل بعض أنشطتها واجتماعاتها. وقال معارض سوري إنهم عرضوا على الجهة التي يمثلها المشاركة في تجميع المعارضة، وتأمين حصة كبيرة في لجانه الأولى. ويقول المصدر السوري إن أيوب قرة، نائب الوزير في حكومة بنيامين نتنياهو النائب عن الليكود في الكنيست، كان يشرف على شبكة الاتصالات بالمعارضة. وكان قرة قد أعلن، في أيار العام 2011، انه «يعمل على تنظيم لقاء بين المعارضة والنظام السوري على الأراضي الأوروبية، من اجل التوصل إلى حل يرضي الطرفين».

وتدرج الموقف الإسرائيلي خلال عام الحراك الأول من التمسك بدعم نظام الأسد، إلى العمل على تدعيم المعارضة، واختراقها عبر بعض الشخصيات. وعمل أيوب قرة على عقد مؤتمر في فيينا خريف العام 2011 حضرته شخصيات سورية معارضة، كما عمل على التسويق إعلاميا في فرنسا وفي الإعلام الإسرائيلي، لـ«حكومة منفى سورية موقتة»، أعلن عنها نوفل الدواليبي، في فندق باريسي، لكنها لم تلبث أن اختفت عن الأنظار.

وكان قرة ومكتب نتنياهو قد تدخلا، بحسب مصدر سوري، لدى السلطات القبرصية في آذار من العام 2012، لثنيها عن تنفيذ قرار بإبعاد معارضين سوريين. وكان قرة قال، في 28 أيار العام 2011، إن المعارضة السورية طلبت منه التدخل لدى نتنياهو، للمساعدة والضغط على القيادة السورية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.