الإرهاب الدولي: “جبهة النصرة” نموذجاً

law-culture2

موقع إنباء الإخباري ـ
علي مطر:

الإرهاب مصطلح قديم ـ جديد، سوقت له الدول الغربية، لاسيما الولايات المتحدة الأميركية، التي أخذت تستخدمه بقوة في خطة ممنهجة لدخولها إلى الشرق الأوسط.

ومع أحداث 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة الأميركية، بدأت تسمية الإرهاب تأخذ مداها، لا سيما كبدعة لتشويه صورة الإسلام، عبر خلق تنظيمات إجرامية ـ إرهابية كتنظيم “القاعدة”، وكان المستفيد الأول من هذه الأحداث الولايات المتحدة الأميركية، التي دخلت بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي الدول الإسلامية من بابها الواسع، تحت مسميات الحرب على الإرهاب حيث كانت أفغانستان الدولة الأولى التي تعرضت للحرب الأميركية ومن ثم العراق، علماً أن الضربة الأولى للإرهاب كانت في السودان بعد إتهامه بإيواء “اسامة بن لادن”.

اليوم نسمع كثيراً عن الإرهاب والإرهابيين في الشرق الأوسط، من أفغانستان إلى العراق فاليمن وسورية، وهؤلاء ينضوون بمختلف مجموعاتهم تحت لواء “تنظيم القاعدة”.

ولكي نحصر قضية الإرهاب في نموذج واحد بعيداً عن التوسع في العرض، نأخذ جماعة “جبهة النصرة” الإرهابية التي تقتل البشر وتضرب إستقرار وبنية الدولة في سورية، لكي نتحدث عن الإرهاب بشكل نظري وعملي في ظل جرائم هذه المجموعة التي وُضعت على لائحة الإرهاب الأميركية، بانتظار أن تثبت الأمم المتحدة ـ لاسيما مجلس الأمن ـ موضوعيتها في إصدار قرار يضع هذه المجموعة على لائحة الإرهاب ويسمح بضربها من قبل الدولة السورية وهذا ما لم يحصل نتيجة التطرف السياسي في ضرب سورية، فما هو الإرهاب؟ كيف عالجته القوانين الدولية؟ ولماذا “جبهة النصرة” جماعة إرهابية؟ وكيف تأخذ سورية الشرعية لضربها؟.

أولاً: الإرهاب يشكل تهديداً للسلام والأمن الدوليين

عرّف مجلس الأمن الدولي الإرهاب بأنه: “كل عمل جرمي ضد المدنيين بقصد التسبب بالوفاة أو بالجروح البليغة أو أخذ الرهائن من أجل إثارة الرعب بين الناس أو إكراه حكومة أو منظمة دولية للقيام بعمل ما أو الإمتناع عنه وكل الأعمال الأخرى التي تشكل إساءات ضمن نطاق المعاهدات الدولية المتعلقة بالإرهاب ووفقاً لتعريفها ولا يمكن تبريرها بأي إعتبار سياسي أو فلسفي أو إيديدولوجي أو عرقي أو ديني”.

بمجرد قراءة هذا التعريف يمكن للمرء أن يعرف أن ما تقوم به “جبهة النصرة” في سورية، هو إرهاب بحق الدولة وبحق المدنيين، لأن الإرهاب بحسب هذا التعريف هو كل عمل جرمي يؤدي إلى القتل أو الإصابة أو الخطف، كما أنه أي عمل لإكراه الحكومة للقيام بعمل ما خارج عن إرادتها وقناعاتها، وبالتالي فإن التأكد من إجرام وإرهاب “جبهة النصرة” ليس بحاجة لباحث قانوني لكي يثبته، وليس بحاجة لشخص على إطلاع على موضوع الإرهاب لكي يدركه، فأين هم منظرو القانون الدولي في الأمم المتحدة من هذه الأعمال؟.

لقد حظرت الأمم المتحدة، في قراراتها الصادرة عن فروعها، الإرهاب واعتبرته مهدداً للسلم والأمن الدوليين، ومنها القرار الصادر عن الجمعية العامة عام 1994 وكذلك من خلال 12 معاهدة دولية ملزمة وارد ذكرها في القرار 1373 الصادر عام 2001 عن مجلس الأمن، منها معاهدة مونتريال 1971 ومعاهدة طوكيو 1963 ومعاهدة منع التعذيب ومعاهدة منع الإخفاء القسري وغيرها من المعاهدات. وهناك قرارات صادرة عن مجلس الأمن قبل عام 2001 منها قرار صادر عام 1992 في مسألة طائرة لوكربي وقرار صادر عام 1996 بحق السودان. ومن ثم صدرت قرارات لمجلس الأمن تحت الفصل السابع وهي تعني المجتمع الدولي باكمله ولا تعنى فقط بارهاب لدى دولة واحدة وذلك بعد أحداث 11 أيلول حيث صدر القرار 1373 الذي اعتبر أن “الإرهاب يشكل تهديداً للسلام والأمن الدوليين” وتم إنشاء لجنة دولية لمكافحة الإرهاب (ctc: Counter Terrorism Commission)، ثم كان قرار مجلس الأمن 1540عام 2004 وهو يتناول حظر الإرهاب النووي، وصدر القرار الثالث عام 2004 وهو قرار أكد على أن الإرهاب الدولي في كل أشكاله ومظاهره يشكل أخطر التهديدات للسلام والأمن الدوليين Threat To Peace and Security، وهو عرّف الإرهاب بأنه: “كل عمل جرمي ضدد المدنيين بقصد التسبب بالوفاة أو بالجروح البليغة أو أخذ الرهائن من أجل إثارة الرعب بين الناس أو إكراه حكومة أو إكراه حكومة”، تم ذكره في التعريف الأول اعلاه. وكانت المحطة الثانية للجمعية العامة في مكاقحة الإرهاب عام 2006 عندما أقرت الإستراتجية الدولية لمكافحة الإرهاب The UN Global Counter Terrorism Strategy. وهذه الإستراتجية ـ هي على شكل قرار وخطة عمل مرفقة به ـ صك عالمي فريد سيحسن الجهود الوطنية والإقليمية والدولية الرامية إلى مكافحة الإرهاب.

وهذه هي المرة الأولى التي اتفقت فيها الدول الأعضاء جميعها على نهج استراتيجي موحد لمكافحة الإرهاب، ليس بتوجيه رسالة واضحة مفادها أن الإرهاب غير مقبول بجميع أشكاله ومظاهره فحسب، بل أيضاً بالعزم على اتخاذ خطوات عملية فردياً وجماعياً لمنعه ومكافحته. وتلك الخطوات العملية تشمل طائفة واسعة من التدابير التي تتراوح من تعزيز قدرة الدول على مكافحة التهديدات الإرهابية إلى تحسين تنسيق أنشطة منظومة الأمم المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب.

والسؤال الذي يطرح هنا، هو لماذا حتى الآن لم نرَ أي بيان أممي يدين الأعمال الإرهابية في سورية بشكل جدي، ويعطي الضوء الأخضر للحكومة من أجل القضاء على الإرهاب، وهو عمل محظور دولياً وفق العرض الذي قدمناه آنفاً؟

لقد نسيت الأمم المتحدة، التي من شأنها رعاية القانون الدولي، وبالأخص مجلس الأمن، أن هناك أيادي إرهابية تعبث بأمن الدولة السورية عبر عصابات إرهابية منظمة تقوم بإستخدام أسلحة محرمة دولياً لزعزعة الأمن السوري وضرب المدنيين العزل وقوات الجيش السوري، حيث لم يسمع منظرو مكافحة الإرهاب بأن هناك تفجيرات أدىت إلى إستشهاد وجرح العشرات. فللأسف فمجلس الأمن لم يعد يدرك أن الإرهاب يهدد السلم والأمن الدوليين وأن ما يحصل في سوريا هو إرهاب منظم عبر أفراد ودول.

ثانياً: الإرهاب في سوريا على نوعين

يميز خبراء القانون الدولي بين نوعين من الإرهاب: المحلي والدولي. فالإرهاب المحلي يعتبر جريمة تخضع للقانون الجنائي بحسب كل دولة، وبالتالي فإن هذه الجريمة ليست جريمة إرهابية ولا تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين وتخضع للتقادم الزمني Prescription المسقط للأحكام ولا علاقة لمجلس الأمن بها على الإطلاق، إلا في حالة إذا كان الأفراد الإرهابيون تابعين لتنظيم دولي ويعملون تحت أمرته ويقتلون المدنيين بتوجيه منه، أو إذا كانوا مدعومين من دولة ما لخوض حرب ضد دولة أخرى، ولكن الأعم عادةً أن يكون من يرتكب هذه الجرائم من جنسيات مختلفة وبالتالي تدخل في إطار الإرهاب الدولي.

يصنف الإرهاب الدولي ـ دولياً ـ عندما يكون مرتكبوه من جنسيات مختلفة أو عندما ينتقل من بلد لآخر، وهو يشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، أي المجتمع الدولي بكامله، ويستدعي تدخل مجلس الأمن بموجب المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة. وكذلك فإنه يشكل عقوبات على مرتكبيه وقد يحيل ملفاتهم إلى المحكمة الجنائية الدولية. هنا يدخل في إطار جرائم حرب وبالتالي يصبح الإرهاب جريمة حرب دولية، وهذا ما سوف نتطرق له في مقال آخر يجمع بين الإرهاب وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

والإرهاب الدولي لا يسقط بمرور الزمن، لأنه جريمة دولية تبقي إمكانية ملاحقة المجرم. وهو غالباً يتناول المدنيين ولأغراض سياسية، أما الإرهاب المحلي فقد يكون مبعثه غير سياسي، وقد يتناول مدنيين وغير مدنيين.

وعلى عكس إرهاب الأفراد Individuals Terrorism فإن إرهاب الدولة State   Terrorism  يحصل عندما تؤوي الدولة إرهابيين أو تشجع عملهم بشكل مباشر أو غير مباشر، أو عندما تخالف أياً من المعاهدات التي قضت بمكافحة الإرهاب وهذا بالتأكيد ما يحصل في سوريا.

يمكن القول، أن ما يحصل في سورية، هو خليط بين إرهاب الأفراد وإرهاب الدولة، حيث أن هناك من يقتل الناس ويخرب ممتلكات الدولة من أجل أسباب خاصة، وهو من أبناء هذه الدولة. ولكن الأهم أن هناك إرهاباً دولياً واضحاً، يرتكبه أفراد منظمون داخل عصابات إرهابية مسلحة تستهدف أمن وإستقرار الدولة السورية والمواطنين السوريين بدعم أميركي غربي واضح لا شك فيه.

ولطالما أخذ مجلس الأمن على عاتقه قضية مكافحة الإرهاب ووضع التعريفات لها ونظريات المكافحة، لاسيما بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، حيث أخذت النظريات القانونية تنهمر على المنظمة الدولية، لأن المستهدف كان حينها الولايات المتحدة الأميركية. أما الدولة العربية المقاومة التي يستهدفها الإرهاب الآن، فليس من الضروري أن يتحرك أحد من أجل مساعدتها وإصدار القرارات الدولية لمساندتها في مكافحة هذا الإرهاب، لأنها دولة تعتبرها أميركا وأعوانها العرب والغربيين خارجة عن الشرعية الدولية، وتهدد أمن كيان العدو الصهيوني الغاصب للأراضي العربية، والقضية الفلسطينية التي نسيها العرب.

ثالثاً: لماذا من حق الدولة السورية مواجهة الإرهاب؟

إن من حق أي دولة حماية سيادتها ومواطنيها من أي إجرام وإرهاب، وهذا الحق تكفله القوانين الدولية والدستورية العالمية والمحلية.

لكل دولة الحق القانوني والدستوري في حماية أراضيها، وبالتالي لا يحق لأي كائن التدخل في شؤون الدولة الداخلية وترك أمنها وشعبها للخطر، لاسيما أن لهذا الشعب حقاً على دولته بحمايته.

وللدولة ـ استنادا إلى حقها في البقاء ـ أن تعمل كل ما من شأنه المحافظة على وجودها وأن تتخذ ما يلزم من الوسائل لدفع ما قد يهدد هذا الوجود من أخطار في الداخل في الخارج. ولها ـ حمايةً لنفسها من أي اعتداء يقع عليها من الخارج ـ أن تقوم بإعداد القوات العسكرية اللازمة للدفاع عنها وقت الحاجة وبإنشاء الحصون والاستحكامات وكل ما تحتاج اليه من وسائل الدفاع.

ولعل من مظاهر حق القضاء على الإرهاب هو حق الدولة في الدفاع عن نفسها إذا اعتُدي عليها لرد هذا الاعتداء ودفع الخطر الناتج عنه بكافة الوسائل اللازمة. وقد أيّد ميثاق الأمم المتحدة صراحة وجود هذا الحق للدولة باعتباره حقاً طبيعياً أزلياً. بالمقابل، حظر الميثاق على الدول الالتجاء إلى أعمال العنف لتسوية خلافاتها وصيانة حقوقها.

وتؤكد المادة 51 من الفصل السابع في ميثاق الأمم المتحدة أنه “ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء “الأمم المتحدة” وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا”. ويثبت حق الدفاع الشرعي للدول كنتيجة لحقها في البقاء بنفس الشروط التي يثبت بها للأفراد وفقا للقانون الداخلي أي أن يكون هناك اعتداء حالي غير مشروع لا يمكن دفعه إلا باستعمال القوة.

وبما أن ما يحصل في سورية إرهاب موصوف بحق الدولة الشعب، وبما أن مجلس الأمن يؤكد في قراراته أنه يعتبر إرهاباً إكراه الدولة على القيام بشيء ما بالقوة، بالتالي فإنه إستناداً إلى ما تقدم، يمكننا القول بكل تجرد وبشكل علمي وموضوعي أن من حق الدولة السورية ضرب الإرهاب المتمثل “بجبهة النصرة” وأعوانها بلا هوادة، لأن على الحكومة السورية حماية شعبها أولاً، والدفاع عن أراضي سورية وبسط الإستقرار ثانياً. وبما أن الحوار لا ينفع مع هؤلاء ـ تم الدعوة إلى الحوار مرات عديدة ـ ونتيجة تمويل ودعم الإرهابيين بالمال والسلاح، فبامكان سورية أن تستخدم الوسائل كافة ـ دون أية رادع ـ من أجل القضاء على الإرهاب وبسط الأمن والإستقرار.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.