الإنتخابات المصرية التشريعية: ما لها وما عليها

nasser-hosseini-egypt

موقع إنباء الإخباري ـ
ناصر الحسيني:
انتهت المرحلة الثالثة من خارطة الطريق المصرية التي أجّلت لأكثر من مرّة لسبب أو آخر خارجي أو داخلي، بعضها يتعلق بخشية الرئاسة أن يؤثر انتخاب البرلمان على “برنامجها” التي ارتضته اقتصادياً وسياسياً، وبعضها يتعلق بتبلور الإتجاهات المجتمعية وبالتالي تبلور صيغة التمثيل الشعبي النيابي، عقب الأحداث والصدامات بين مكونات المجتمع المنادي بالعدالة الإجتماعية ونيل الحقوق السياسية، وأحد أطراف هذا الصدام التيار الإسلامي وامتداداته الفكرية في مصر والإقليم والأبرز فيه جماعة الإخوان المسلمين.
وككل عملية انتخابية، تنوجد إيجابيات وسلبيات، تحت السقف المرسوم لهذه العملية الإنتخابية التي من أحد أهدافها نيل أو استكمال الشرعية على الصعيد الدولي، وفي الداخل نيل المشروعية إثر انقلاب عسكري نفذه عبد الفتاح السيسي برفع خطة خارطة الطريق وشعار محاربة الإرهاب الذي يحدق بمصر من سيناء (الجماعات التكفيرية) وحدود مصر الغربية (ليبيا) والجنوبية (سد النهضة المائي) وغيرها من القضايا التي تشغل بال الفرد المصري وتهدده في أمنه.
والمذهل أنّ الحراك الجماهيري المصري لمرات عدّة خلال سنوات قليلة لم يسفر عن وقف تداعيات ما آلت إليه البلاد جراء سياسات النظام السابق والتي تكاد تكون مميتة بالنسبة إلى الدولة المصرية كانفلات الأجهزة الأمنية على المواطن، والتضييق على حرية التعبير، وخنق العمل السياسي العام، وتردي الخدمات العامة وضعف حس الإنتماء الوطني، في حين أنّ تيارات أخرى مصنفة في خانة حراك الشعوب العربية نفسها نجحت في توظيف حركة الشارع لصالح الأمن القومي والدولة ومؤسساتها كما في تونس. لكنّ الحديث عن مصر يدور عن تردي الهوية المصرية على صعيد الفرد والنخب مع تداخل عوامل الخارج وإرادة تمكين الفوضى في جسد المصريين ودولتهم كما يجري في ليبيا وسوريا والعراق بغرض تقسيمها كيانات متناحرة ومتباعدة …
والحق يقال، رغم تأخير الإنتخابات النيابية لمرات عدّة لأسباب مفهومة، فقد كان لإجرائها نواحٍ إيجابية من جهة تمثيل شرائح لم تكن ممثلة سابقاً كالطائفة المسيحية (الأقباط)، وترشيح وانتخاب المرأة، فيما يمكن تعداد سلبيات هذ العملية وهي كثيرة أولها اعتماد نظام إنتخابي يطبق للمرة الأولى ويوصف داخليا بأنه غير ملائم وسيء لجهة صحة التمثيل وعدم معرفة المصري العادي بمتطلباته وإجراء العملية الإنتخابية وفق مفهومي الفردي والقائمة، وثانيها استشراء المال الإنتخابي ولعبه دوراً مهما في بقاء العملية الإنتخابية “مزورة” بعدما كان التزوير مباشر ومادي في الصناديق واليوم أصبح بفعل شراء الأصوات والمرشحين، كما لعب رجال الأعمال لعبتهم القائمة على المال فكانت قائمة حزب المصريين الأحرار الذي يرأسه رجل الأعمال نجيب ساويروس وما لعبته الكنسية في دعمه على أسس طائفية، وثالثها الإقبال الضعيف على الإنتخابات وفي رأي بعض المحللين أنّ ذلك يعود للتهيئة المسبقة للإنتخابات حيث أرادت النخبة الحاكمة أن تلهي الأحزاب الموجودة تاريخيا والمؤسسة حديثاً بلعبة الإنتخابات وانهاكها لتوزّع جهودها واضطرارها لعقد التحالفات بموجب القانون الإنتخابي لموافقة آلية انتخاب القوائم وآلية انتخابات الفردي ومن ثمّ نسبة معينة من الأقباط ونسبة معينة من النساء وغير ذلك، مما أضعف التوجه العام للإنتخابات، وجاءت نسب الإقبال الضعيفة التي حدت بالبعض أنّ يعقد المقارنات ما بين نداء الرئيس السيسي للإستفتاء على انتخابات الرئاسة والحشود المليونية التي نزلت، وما بين دعوته الناخبين المصريين للإنتخابات والتي جاءت نِسَبَهَا مخيبة للآمال، للدلالة على تبييت إفشال هذه الإنتخابات وتعمد تيئييس المصريين من دولتهم.
وهذه اللعبة التي جرت، مكّنت بعض رموز النظام السابق من العودة إلى البرلمان، وآخرين من إبقاء نفوذهم في الساحة الإقتصادية عبر إيصال ممثلين لهم في الندوة البرلمانية مثل أمين سر الحزب الوطني المنحل أحمد عز الذي لم يسمح له بالترشح، وكل ذلك لإبقاء وإدامة السياسات التي انتهجها الرئيس السيسي وما نسجه على الصعيد الإقتصادي والسياسي الداخلي، والخارجي وهو الأخطر من هذه السياسيات، الذي يتبدى في عدّة مؤشرات وقرائن بدأت بوادرها، وأهمها مواكبة الميل السعودي والخليجي إلى إنهاء قطيعة إسرائيل بشكل علني وسافر، وتصفية القضية الفلسطينية، وإنهاء ما تبقّى من قطيعة مصرية لإسرائيل مثل حظر سفر الأقباط وتندرج زيارة بابا الأقباط إلى القدس المحتلة في الخانة نفسها، أو تأييد ترشيح إسرائيل والتوصيت لها في مناصب تمثيلية في لجان الأمم المتحدة، أو التنسيق المباشر بشأن غزة دونما الرجوع إلى الراعي الأمريكي، أوغيرها من القرائن والمؤشرات الخطرة التي تنذر بأخطار داهمة على عروبة مصر القومية، مقابل تأمين اقتصادها بمليارات الدولارات السعودية والخليجية واستكمال شرعية النظام ومواصلة العداء لإيران ومنع التقارب معها، مع هامش يتعلق بتطلعات النهوض المصري ولعب الدور الإقليمي الذي يطمح إليه الرئيس السيسي كمثل اكتساب علاقات موضوعية مع الصين (حاجتها لمصر كمنفذ ونهاية طريق الحرير البحري والبري الإقتصادي عندها) ومع روسيا لأسباب تتعلق بصد الأمريكي للقاهرة ومغازلته النظام التركي ومده بالصواريخ (الباتريوت) وإيواء الأخير للإخوان المسلمين، في حين تبخل واشنطن ببضع طائرات آباتشي للتصدي للإرهابيين في سيناء، وكذلك لإدامة صورة الزعيم جمال عبد الناصر كشبح للرئيس السيسي في مخيّلة المصريين، والمستوحاة من توجه الزعيم عبد الناصر للإتحاد السوفياتي سابقاً ومساعدته المصريين في بناء السد العالي ودعمه بوجه الولايات المتحدة ودول العدوان الثلاثي.
تبقى أسئلة عالقة برسم العملية الإنتخابية بعد إتمام الجزء الأكبر من خارطة الطريق الخاصّة بالرئيس السيسي، وهي أسئلة فرعية على هامش الخطوط العريضة العامة التي بقي منها خصوصيات تتعلق بالدور المصري في اليمن والقوة العربية المشتركة، وكلاهما ثبت أنّه هامش بسيط متفرّع عن سياسات آل سعود في المنطقة والإقليم…
والأسئلة الفرعية هي: ما مدى جدية البرلمان المصري الجديد في مواكبة نظام الرئيس السيسي، وهنا ملاحظتين أنّ البرلمان الجديد فيه إجراءات وآليات تلحظ توفر نصاب لإقالة الرئيس ولا يملك الرئيس حلّ البرلمان إلاّ بعد أنّ يصوّت هذا البرلمان على إقالة الرئيس ويفشل في توفير النصاب. والملاحظة الثانية هي هل يتمكن البرلمان من مشاركة الرئيس في حكمه البلاد وهل سيتمكن من إعادة النظر في القوانين التي أصدرها قبل سنتين ومن قبله أيضاً الرئيس المؤقت عدلي منصور؟
وبالنسبة إلى تأييد الكتل البرلمانية للرئيس أو معارضته، ليس واضحاً ما سيكون عليه الحال بالنسبة إلى الكتل التي تدّعي تمثيل الرئيس وتأييده في البرلمان وحجمها ودورها، مع دخول مكونات جديدة حلّت محل الإخوان المسلمين واليساريين والناصريين، تبرز العامل الطائفي (الأقباط) والوجه النسائي، وكلاهما يلعبان عامل تنفير للتيارات الإسلامية ومجال جديد لعمل الأحزاب السياسية التاريخية كحزب الوفد أو غيره من الأحزاب المستحدثة التي ستسعى لاجتذاب النواب المستقلين إلى كتلتها.
هذا مع توقعات كبيرة بأنّ عمل المجلس والرئاسة والحكومة سوف يكملان ما بدأه الرئيس السيسي في مكافحة الإخوان المسلمين مع فتح نافذة صغيرة للتيارات المناوئة للإخوان مثل الصوفيين والسلفيين كأمثال حزب النور الذي بدأ يعيد حساباته في العمل السياسي الذي كلفه التنازل عن مبادئه دون عائد يغطّي هذا التنازل أو بعض منه (القبول بأقباط على لوائحه ومشاركة المرأة الرجل في العمل السياسي)..

أمّا اقتصادياً، سيهتم الرئيس السيسي بأن يكون له أصوات داخل الندوة البرلمانية تعمل على إنفاذ واستكمال سياساته القائمة على الليبيرالية (ذات الخائص المصرية القائمة على تفعيل أوجه عدة من الإحتياجات الإجتماعية مثل صناديق دعم الفقراء والمنافذ المباشرة لبيع اللحوم بأسعار مدعومة، مع فشل متعمد في السيطرة على أسعار السلع للقول أنّ سياسة التحكم بالأسعار فاشلة ودعوا السوق يتحكم بأسعاره)، ومراقبة تحكم رأسمال المال الأجنبي والسيطرة على الإعلام وإبقاء صورة المنقذ لمصر حاضرة عند الرأي العام. وليس في الوارد أصلا أّن يكون للبرلمان المصري أي تطرق إلى مسائل كبيرة قومية مثل اتفاقية كامب ديفيد أو ما يجري من إقفال للحدود مع غزة بوجه الفلسطينيين ومحاصرة حماس، لسبب بسيط وهو أنّ الندوة البرلمانية يسيطر عليها بحسب النتائج الاولية إمّا مؤيدون للرئيس السيسي ويلحق بهم أتباع النظام السابق والليبراليون، وإمّا منافسين في نفس الخط مثل حزب المصريين الأحرار ، أمّا نسبة الناصريين وغيرهم من العروبيين المناهضين للتطبيع مع إسرائيل فلا صوت مسموع لهم .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.