الإنسان العنيف.. مجرم وضحية

Mhamad-sayedkassem-violence

موقع إنباء الإخباري ـ
محمد أحمد السيد قاسم:

تزايدت في الآونة الأخيرة حالات العنف في أشكال وأمكنة متعددة، ليس في العالم العربي، حيث يعيش الناس على الصفيح الساخن، بل امتدّت حالات العنف إلى أوروبا والعالم. ويختلف الناس بين اعتبار العنف أو بعضه إرهاباً أو لا، بحيث يجد البعض مبررات وأسباباً مقنعة أو غير مقنعة… لكن الموضوع الذي أحاول مناقشته هو العنف اللاسياسي في هذه المقاربة، أي العنف التربوي في حياة العامة من أفراد وجماعات في بيئات تربوية كالمنازل والمدارس والمؤسسات الإجتماعية وحتى الشارع، حيث ينمو الطفل ويربو.

1 ـ العُنْفُ لغةً، هو الشدّة والقسوة بالفعل والقول.

صفة العنيف تُطلق على الظواهر الطبيعية كالسيل أو البركان أو الإعصار، فلو اتّبع السيل مجرى محدداً ولم يَفِضْ عنه لما كان عنيفاً. إذن فالمقصود بالشدّة والقسوة المتماديتين منهما، والإعصار إن لم يُحدث أذىً لما كان عنيفاً. إذاً، يرتبط العنف بالتمادي والإكثار والإيذاء، هذا في حالتي السيل أوالإعصار.

كما ورد في المُنجِد، في شرح العنف، معنى اللوم الشديد والقاسي، فإذا أضفنا شَرطَي التمادي والإيذاء لعرفنا كيف يكون العنف ظاهرة في مؤسساتنا التربوية وببيئاتنا التربوية، من منازل ومدارس ونوادٍ وغير ذلك، حيث يكون الشدة والقساوة والإكثار والإيذاء.

المعنِّف، هو الذي يستعمل العنف، وهو الشديد القاسي، وهو القيّم صاحب السلطة وصاحب الرتبة العليا، الوالدان في الأسرة حين يكون الولد طفلاً، والولد حين يكون الوالدان في أرذل العمر، والزوج على الزوجة، والذكر على الأنثى فيما بين الإخوان، والمعلم والناظر على التلميذ، أو المدير على الموظف، أو الأعلى رتبة على الأدنى رتبة في سلك من الأسلاك، وهم جميعاً في موقع القيادة النسبية.

والمعنَّف هو الذي يتلقى الفعل العنيف أو القول العنيف، وهو الأدنى رتبة، اقتصادياً أو اجتماعياً أو إدارياً، حتى إذا شئنا على مستوى القوة البدنية.. وهذا أمر بديهي.

لكن ما دفع لذكر تحديد المعنَّف هو أنه قد يكون المعنِّف معنَّفاً، كالوالد في منزله قد يكون معنِّفاً وفي عمله معنَّفاً، أو أنه في العمل مثلاً يعنِّف مَن دونه ويعنَّف من رؤسائه، وهكذا..

2 ـ ما هي دوافع استعمال العنف؟

أولاً: الدافع الإداري (القيادي): وهو الإكراه على الفعل أو الإلزام بفعل أو سلوك أو حتى باعتقاد أو رأي، يبدو لصاحب السلطة صوابية فعل ما ككتابة الوظيفة المدرسية والتلميذ يُهمل أو ينسى أو يتخلى فيعنّفه معلمه كي يفعل.

ثانياً: الدافع العقابي: وهو الإكراه على ترك الفعل أو القول أو السلوك أو حتى الاعتقاد أو الرأي، يبدو لصاحب السلطة خطأ الفعل، كالخروج من المنزل لفترة ما إلى مكان ما أو مرافقة شخص ما فيعنّف الولد مثلاً كي لا يفعل.

ثالثاً: الدافع العدائي: في حالات الخصومة بين طرفين مثلاً يمارس العنف من هو أقوى على من هو أضعف، بغض النظر عن أحقية موضوعه أو رأيه، مستفيداً من عناصر قوة يراها لديه (كالعدد أو المال).

رابعاً: الدافع التنافسي: وهو استعراض القوة، حيث يمارس شخص ما العنف على آخر بغية إظهار قوته، ليس على المقهور فحسب، بل على آخرين يرَون فعله ويهابون قوته، وهذا معروف في مجتمع الحيوان حيث يقهر الحيوان الذكر منافسه حتى يحظى بخضوع أنثى أو مجموعة إناث لسطوته الجنسية، وقد يذهب إلى قتل الصغار مدفوعاً برغبته. وقد نرى شيئاً من هذا في عالم الإنسان، وإن كانت السطوة المقصودة غير جنسية.

خامساً: الدافع النفسي (السادية): بالشكل البسيط ما نعبّر عنه بالعامية (فشّة الخلق) خاصة عند من يعيش العنف (مفعولاً فيه) فيعيشه (فاعلاً)، يتلقاه من أعلى فيلقيه على الأدنى، فيدرك نوعاً من التوازن النفسي والرضا، أو أنه يتوهم ذلك.

3 ـ مبرر العنف دائماً هو القصاص: والقصاص هو من فعل قصّ أو قصص، يعني أزال الزيادة. والعنف نفسه تمادٍ والزيادة، والزيادة هنا مذمومة فكيف نزيل زيادة مذمومة بزيادة مذمومة؟

يبدو التناقض واضحاً، إذ نريد أن ننهى عن شيء ونأتي بمثله، فيسقط المبرر منطقياً (ليس الآن وقت نقاش القصاص كفعل إيجابي “حياة”).

ثم إن الله سبحانه وتعالى، السيد المطلق، أرسى قاعدة إدارية، تربوية، دعووية لا يمكن الخروج عليها، وهي: لا إكراه (في الدين) قد تبيّن (الرشد من الغيّ)، وصولاً لـ استمسك (بالعروة الوثقى).

أ ـ النفي المنطقي للإكراه: وهو غاية العنف

ب ـ التبيان والتبيين: أدواته الموعظة الحسنة، والتفكر، والفهم والتفاهم، والحوار.

ج ـ الاستمساك: وهو الالتزام وليس الإلزام، وهو تعاقد غير محدود المدة (لا انفصام لها)، بحيث يصير الفعل الممدوح التزاماً واختياراً، والترك الممدوح التزاماً واختياراً.

إن الإكراه خروج عن القاعدة الدينية وخروج عن القاعدة العقلائية وخروج عن الإنسانية، فهل ننظر بإنصاف وموضوعية إلى ما نفعل في ناشئتنا. (قد نناقش لاحقاً ما هي الآثار المترتبة على العنف ومدى خطرها).

أذكر ما قاله الإمام علي بن أبي طالب (ع) في عهده لمالك الأشتر حين ولّاه على مصر، وأمره معاهداً إياه أنه إذا أراد اختيار القادة والعمّال: “واختر أقدرهم على العفو.. ولا تندمنّ على عفو ولا تبجّحنّ بعقوبة”.

وقبل الإمام علي (ع) وفوق الإمام علي (ع) قول الله تعالى: وادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة.

أدعوكم كما أدعو نفسي للتفكر بكلمة (الحكمة)، ألا تعني القسط والاعتدال؟ ألا تعني الدعوة بالفعل قبل القول؟ ألا تعني المنطق ولا تعني النزق والانفعال؟ ألا تعني فعل الرحمة دون فعل الأذى؟

لعلّي لم أصل بعد إلى مقصدي، فهذا بداية الموضوع وليس نهايته، لكنني أقف معكم وقفة ناقد للذات، لأننا الآن مربّون وغداً سيكون منا وممّن نربي من يربي، فلننظر أي شجر غرسنا، الخبيث أم الطيب؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.