الارتجاج الاميركي

iran-usa

صحيفة الديار اللبنانية ـ
نبيه البرجي:

لكأن القنبلة الايرانية تتدحرج في شوارع واشنطن…

لم يحدث مثل هذا الارتجاج داخل المؤسسة (Establishment) في اي وقت، ومنذ قيام الولايات المتحدة، ان لدى احتدام الجدل حيال الدخول في الحرب العالمية الاولى، او عندما تبين ان الحرب في الهند الصينية من دون افق، وصولا الى التباين الذي نشأ في شأن اتفاقات ستارت مع موسكو حول خفض المخزون النووي…

لم يحدث مثل هذا الارتجاج ايضا حين اعلنت الهند التي هي خارج الكوكب الابيض حيازتها القنبلة النووية التي دعيت آنذاك بالقنبلة الهندوسية والتي لحقت بها القنبلة الاسلامية في باكستان. لماذا كل ذلك الضجيج، اذاً، حول البرنامج النووي الايراني؟

هل هو الفيتو العربي ام تراه الفيتو الاسرائيلي؟ ما يتسرب ديبلوماسيا يشير الى الدور الشكسبيري الذي اضطلع به دنيس روس، وهو الدينامو داخل اللوبي اليهودي (ايباك)، والى حد السعي الى احداث انشقاقات داخل السلطة التنفيذية، ودون ان يقتصر الامر على محاولة تعرية الرئيس باراك اوباما حتى من مستشاريه داخل مجلس الامن القومي، وهو الذي عكس حدة المواقف التي عبّرت عنها سوزان رايس و بلهجة مدوية…

ثمة من اشار في واشنطن الى ان شيئاً ما كان يعد في اروقة الكونغرس. سيناريو جهنمي لاقالة الرئيس الاميركي، وكانت دعوة بنيامين نتنياهو الى تلة الكابيتول الحلقة الغبية من هذا السيناريو، قبل ان يتبين ان الضوضاء التي احدثتها كلمته لا تتعدى الضوضاء التي يحدثها اي مهرج على المسرح..

لا ريب ان البنتاغون وقف بقوة الى جانب اوباما، كذلك اجهزة الاستخبارات. الجنرالات يعرفون بدقة ما فوق الارض وما تحت الارض في الشرق الاوسط، ولهذا كان موقفهم الداعي الى التنسيق المباشر وغير المباشر مع ايران لاحتواء تنظيم الدولة الاسلامية بعدما خرج عن السياق الذي وضع له، وبعدما اتضح ان انقرة ماضية في الرهان على النيو انكشارية الى حدود الانتحار…
الجنرالات اياهم يعلمون الى اين كان يمكن ان تصل جحافل الخليفة، ومدى التفاعل معها ليس فقط داخل مجتمعات معينة بل وداخل مؤسسات عسكرية وامنية ما يجعل المصالح الاميركية، بما فيها المصالح الاستراتيجية بطبيعة الحال، امام احتمالات الانهيار…

لنتذكر ان الولايات المتحدة لا تلعب وحدها على مسرح الشرق الاوسط، كما يفترض ان نتذكر انها لا تفاوض الايرانيين وحدها. وكان هناك الاسرائيليون، وكان هناك بعض العرب، الذين سخرّوا شخصيات اوروبية بل وعواصم اوروبية، لكي تثير على طاولة المفاوضات مسألة الصواريخ الباليستية، المنفصلة كليا عن المسألة النووية…

واذا كان العرب الذين غضوا الطرف (والاطراف) عن الترسانة الاسرائيلية، لا تربطهم اي صلة بالتقنيات النووية، ترك الامر لتل ابيب التي استندت ايضا الى تقارير استخباراتية اميركية واوروبية، والى صور التقطتها الاقمار الصناعية، لتزويد الجانب الفرنسي، بوجه خاص، بسلسلة من الحيثيات التي تعوق العملية التفاوضية وتعطي الاولوية للخيار العسكري…
الاسرائيليون هم الذين طرحوا على الاميركيين ايضا ارغام طهران على اماطة اللثام عن ماضيها النووي قبل عام 2003، بالقول انها انشأت ما يعادل مشروع مانهاتن الذي مكّن الولايات المتحدة من انتاج اول قنبلة نووية ابان الحرب العالمية الثانية..

واذا كان من الطبيعي ان يدعو المفاوض الاميركي الى خفض عدد مفاعلات اليورانيوم وكذلك مركبات البلوتونيوم باعتبارها الطريق الى الوقود النووي، فمن هي الجهة التي زودت وكالة الطاقة الذرية بوثائق سرية وبرسوم بيانية وبمجسمات واشرطة فيديو (اشار اليها وليام غاي-برود وديفيد سانجر في» النيويورك تايمز») حول القدرات الايرانية في تصنيع رؤوس حربية، وخصوصا في ما يتعلق بتلك التقنية المعقدة الخاصة بتقليص حجم السلاح الذري الى درجة تركيبه داخل رأس حربي؟

لا احد ينفي ان الاميركيين هم ذوو الباع الطويل في الفيزياء النووية. لكن الاسرائيليين تعاونوا كثيرا مع الاميركيين في البداية ثم مع الاوروبيين (وبعضهم أدى دور حصان اورشليم الذي لا يقل شأنا عن حصان طروادة) في الضغط من اجل حمل ايران على خفض عدد مفاعلاتها التي تفوق بدورانها سرعة الصوت لتنقية اليورانيوم، والحديث يطول…
بعد كل هذه التطورات على الارض، الا يزال الايرانيون بحاجة الى قنبلة تتدحرج في شوارع الشرق الاوسط؟ خارطة النفوذ، او تقاسم النفوذ، تتشكل في الميدان…

 

Source link

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.