الارهاب وأمريكا اللاتينية

south-america-flags

صحيفة الديار الأردنية ـ
مروان سوداح*:
لا يبدو ان العَالم الامريكي سيُسلِّم بواقع المعسكرات الراهنة المتناقضة وبالمسابقة الاقتصادية والسياسية السلمية على صعيد المَعمورة، ولا ننتظر بالطبع أن تجنح واشنطن الى التعاون مع روسيا والصين ودول بريكس والهند وكازاخستان الأكبر في آسيا الوسطى، لبناء عالمٍ مشتركٍ يكون بيت آمان للبشرية جمعاء.
في كلمة الرئيس الروسي النابه فلاديمير بوتين، وكانت كلمة حادة وجادة وشاملة ألقاها في منتدى “فالداي” الجمعة الماضية، شدّد على أن هناك مَن يحاول تقسيم العالم، وتكوين صورة نمطية للعدو، وكشف عن أن العالم يَشهد من جديد محاولات رسم خطوط فاصلة، وتكوين ائتلافات ليس من مبدأ الـ”مع”، بل من مبدأ الـ”ضد”، لمواجهة أي طرف كان، ويَجري مِن جديد رسم صورة للعدو كما كان ذلك في سنوات الحرب الباردة، والاستحواذ على حقوق الزعامة، وإذا أردتم، الحق في فرض الإملاءات..
بوتين الذي انتقد محاولات الهيمنة الجارية حالياً في العالم، حذّر من استمرار سياسة “التدابير بحق العُصاة”، فهي سياسة معروفة جيداً، وجُرّبت مرات عديدة، منها استخدام القوة، الضغط الاقتصادي والدعائي، التدخل في الشؤون الداخلية، والتماس الشرعية خارج القانون، وإذا استلزم الأمر يجري تبرئة تسويات غير قانونية لهذا أو ذاك النزاع، والتخلص من الأنظمة غير المرغوب بها.. وبوتين تحدث مرة اخرى عن ان الدعم الروسي لسوريا في مواجهة الارهاب والتدخل الخارجي بشؤونها لا رجعة عنه، ويُفهم بأنه غدا منذ أربع سنوات خطاً أحمر لكرملين موسكو، وسياج آمان للعاصمة السلافية الوحيدة الحامية لثقافة وتاريخ وتراث خَدم البشرية طويلا ولا يزال يَخدمها.
في كلمة فلاديمير بوتين نكتشف، ان الخطر لا يزال ماثلاً ومهدِداً للبشرية جمعاء بالسحل والقتل، ومِن ضمن هذه البشرية دول وأمم امريكا اللاتينية. فقد شملت كلمة بوتين العالم أجمع بالتحذير من شيطنة الشعوب والامم على اخلافها، وليس روسيا والصين فقط. فتطلعات الادارة الامريكية لاستعادة زمام المبادرة العالمية لا يحدها حدود، على مِثال العالم العربي الذي يجري تدميره عن قصد وسابق إصرار أمريكياً وغربياً؛ ونشر الامراض في القارة السمراء على شاكلة الايدز وإيبولا، منذ سبعينات القرن المنصرم، بعد تصنيعها في مختبرات المخابرات المركزية الامريكية وتجربتها على الشعوب، وقياس فعاليتها على الارض، تمهيداً لاستخدامها في حروب القوات الامريكية والتدخلات العالمية لواشنطن.
وفي كلمة الرئيس الروسي اكتشفت، إضافة لرؤيتي السياسية، بأن أمريكا الجنوبية التي ابتعدت سفينتها كثيراً عن السواحل الامريكية الشمالية، ستغدو هدفاً أمريكياً في محاولة لتركيعها من جديد، ونشر الفوضى غير الخلاقة فيها على النمط الاوسطي، فإعادتها الى عصر مَزارع الموز والنفط والشركات العابرة وفوق القومية ومشروع المجتمع المفتوح لجورج سوروس.
لِمَن لا يعلم، تُعتبر أمريكا اللاتينية سياجاً أمنياً للكيان الصهيوني في تداخلات النظرية والتطبيق العالمية الاستراتيجية. ففيها تنبت بسرية وتكتم منذ أمد بعيد مشاريع تل أبيب التوسعية. وهناك حيث تم تقليم أظافر القيادات الصهيونية خلال العشرين سنة الفائتة وقبلها، بخاصة في فنزويلا البوليفارية، والدول التي حررها سيمون بوليفار سابقاً من ربقة الاستعمار المُباشر..، هناك يستمر التوسّع الاسرائيلي الهادئ على أشده، وتتواصل تحضيرات إقامة دويلة مركز إسرائيلي آخر، مُتوسّع بإطراد في وسط القارة، يكون عامل عدم استقرار لها ولشعوبها، وشبيه بدويلة إسرائيل الصهيونية، التي صارت منذ تأسيسها عامل عدم استقرار وتفتيت لمجمل العالم العربي والاسلامي، وإسفين دُقَّ في خاصرة العرب والمسلمين، تماماً كما هو سعي أرباب الصهيونية منذ ما قبل المؤتمر الصهيوني الاول في بازل بسويسرا في العالم 1897، الى إعتماد سياسة الفصل الجيوسياسي للعوالم المُتّحدة وتلك التي تتطلع الى الوحدة والتنسيق. لذلك نرى كيف رفَضَ قادة الحركة الصهيونية استيطان العديد من المناطق الجغرافية غير الاستراتيجية في قارات مختلفة، سواء في شرقي المتوسط على شاكلة قبرص الصغيرة التي تتقاذفها رياح العالم، أو اوغندا الداخلية المحاصرة في افريقيا، أو حتى بيروبيجان الشبه الاستراتيجية بسيبيريا الشرقية.
وفي السعي التوسعي الصهيوني راهناً، تحالف قوى كردية نافذة مع تل أبيب وأجهزتها الامنية المختلفة، لإقامة دويلة يهودية شبه مركزية ورأس جسر قاري في شمالي العراق وجنوبي تركيا وصولاً الى منفذ على قزوين، ولو بإسم آخر مؤقتاً، وقد بدأت تتضح مخططات تأسيس الكيان منذ اشتداد حركة شراء اليهود واليهود الاسرائيليين للأراضي في المنطقة الحدودية التركية العراقية السورية، وإرساء تحالف خفي في الموقع بين قوى الشّد العكسي والانفصالية المتحالفة مع إسرائيل، وللحديث بقية.

• كاتب ومحلل سياسي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.