الاشتباك الإقليمي بعد “صدمة صنعاء”

yemen-ansaroullah

موقع العهد الإخباري ـ
حسام مطر:

يكفي تتبع الصحف الممولة خليجياً منذ إنجاز “أنصار الله” الحوثيين لما يمكن وصفه بـ “صدمة صنعاء” لندرك قساوة ما جرى. رزح صحفيو هذه المؤسسات تحت هول المفاجأة والدهشة والحنق الشديد، فتراشقوا المسؤوليات بين من رمى بسهامه السعودية “المتآمرة مع إيران على الإخوان” أي حزب الإصلاح، وبين من وجد في السعودية الخاسر الأكبر وأنها تلقت رداً مضاعفاً لما جرى في العراق، فيما وصل الاضطراب بالبعض الأخر لتبني الفرضيتين في آن معاً. ومما أسهم في زيادة الإرباك، تزامن ما جرى مع لقاء وزيري الخارجية السعودي والإيراني في نيويورك والذي تم تظهيره بصورة إيجابية وبمثابة فتح كوة في الحلقة المفرغة التي تدور فيها علاقات البلدين. بناء على ما تقدم يمكن استعراض جملة ملاحظات:

اولاً، في الموضوع اليمني جرى انزياح كامل لتوازن القوى المحلي، أي إعادة تشكيل لهرمية توزع القوى داخل النظام. ما جرى هو تكريس لصعود الحوثيين خلال السنوات الماضية وخروج أو تقلص حضور قوى أساسية في التركيبة القديمة حزبياً وقبلياً. وعليه هل سيبقى النظام اليمني على حاله أي بطابعه الرئاسي، أم تولدت ضرورة لإعادة تقسيم السلطة بين مراكز القوى بما يضمن مشاركة حقيقية للحوثيين وحلفائهم في النظام؟
ثانياً، تمكنت السعودية من الحصول على “حق الفيتو” في العراق, إلا أن الإيرانيين تمكنوا بالمقابل من الحصول على “حق الشراكة الكاملة” في الملف اليمني. يتميز الإيرانيون عن سواهم في كفاءة إدارة الملفات والوصول الى أفضل النتائج بـأقل الموارد المتاحة. من ناحية أخرى يستمر ضمور الإخوان المسلمين على مستوى المنطقة، إلا أنهم يعوضون ذلك بقوة ملحوظة في أدب المرثيات. في إحدى مقالاته الأخيرة، يمكن إيجاز الفكرة الرئيسية التي أراد الدكتور عزمي بشارة قولها وهي أن الإخوان المسلمين يتعرضون لمؤامرة كونية، المصطلح نفسه الذي يسخر منه تيار عزمي بشارة عندما يلهج به مؤيدو النظام في سوريا. هنا تنبغي الإشارة إلى أن حزب التجمع اليمني للإصلاح ليس حزباً إخوانياً بالمعنى التقليدي، بل هو أقرب الى هجين قبلي، إخواني، وهابي لطالما تلقى دعماً سعودياً علنياً، وخروجه من المعادلة يشكل خسارة سعوية لأهم أوراقها.

ثالثاً، من الواضح أن العلاقات السعودية – الإيرانية لا تخضع لمنطق التسوية الكاملة بل لمنطق التسويات الجزئية التي تتقدم تحت ظل الاشتباك بين البلدين. كما أنه بالمدى المنظور ستبقى التسوية في سوريا متعذرة، لشدة الاشتباك وصعوبة قسمة العوائد. على الأغلب أن بداية الانفراج بين البلدين مرتبطة أيضاَ بالتوتر السعودي – التركي المتزايد، إذ يدرك السعوديون أن وصول الأتراك والإيرانيين الى تسوية ما، سيقلص حاجة الإيرانيين للتسوية مع السعودية، بما يضعها في آن معاً بمواجهة قوتين إقليميتين كإيران وتركيا، وهو آخر ما ترغب به الرياض في ظل تلبد جملة أزمات في “سمائها”. هنا يعاد طرح السؤال التقليدي، هل تقدمت فرص تسوية لبنانية ولو جزئية؟

رابعاً، يستمر الأتراك في خسارة الأوراق، فبعد تكريس واشنطن لدور الرياض الريادي في الملف العراقي، وما جرى في صنعاء وقبلها في مصر، وثم التحالف الأميركي لمواجهة داعش الذي لم يلحظ المصالح التركية، لم يبق لأنقرة إلا التشدد في الملف السوري. يسير أردوغان في خطين متعاكسين، صعود في الداخل وضمور في الخارج. بالطبع ستبقى تركيا لاعباً إقليمياً في الصف الأول، ولكن بأوراق محدودة. يبدو أنه بمرور الوقت تتكرس أولوية الملف العراقي سعودياً، والملف السوري تركياً، وهذا ما يشير الى حاجة إيرانية للتحرك على المسارين السعودي – التركي، وكلما تقدمت في أحدهما اكتسبت مزيداً من القدرة في المسار الثاني.

خامساً، في ظل الاندفاعة الأخيرة لواشنطن وحلفائها، نفذ محور المقاومة صدمتين متوازيتين – عرضاً أم قصداً – واحدة اكتملت في صنعاء وأخرى قيد الإنجاز في غوطة دمشق الشرقية. إن اكتمال الإنجاز في الغوطة يبدو ملحاً من باب الاستعداد لفرضية التوجه الأميركي نحو تدريب قوة سورية “معتدلة” من بضعة الاف ودفعها نحو الميدان السوري. من حيث المبدأ، ستدخل هذه القوة من الحدود الأردنية ولذا لا بد من جهد خلال الأشهر المقبلة لسد الثغرة الدرعاوية. أما في حال إدخالها من العراق أو تركيا فلن تكون قادرة على توجيه تهديد مباشر للعاصمة، وحينها ستدخل تحت تغطية جوية للحلول بدل داعش، وهذه فرضية متقدمة أيضاً.

الفطنة والدراية ضرورة ملحة لردم الهوة المادية بين خصمين. وعليه، من الصحيح أن محور المقاومة لا يمتلك من الأوراق ما يمتلكه المحور الأميركي المدجج بالموارد، إلا ان الأصح أن محور المقاومة يثبت أنه يستخدم أوراقه المحدودة بذكاء وتقنين وتروٍّ، في الزمان الحرج والمكمن القاتل وبشكل متناسق.

تعليق 1
  1. علی يقول

    لبیک یا سید

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.