الاعتــراف الدُولــي: هكذا تخالف قطر وغيرها من الدول القانون الدولي بالإعتراف “بالمجلس الوطني السوري”

law-culture7

موقع إنباء الإخباري ـ
علي مطر:

يكتمل مفهوم الدولة من الناحية النظرية، بمجرد إكتمال عناصر بنائها (الأرض، الشعب، والسيادة)، وتبدأ الدولة عندها بممارسة سلطانها الداخلي وتكتسب تصرفاتها صفة الشرعية الداخلية. ولكن لا بد للدولة لكي تمارس سلطاتها فعلياً على المستوى الدولي، أن تأخذ الإعتراف من الدول المجاورة والبعيدة عنها. بعد ذلك يبدأ الحديث عن اعتراف الدول بحكومة الدولة الحديثة النشوء وقد لا تعترف بها، ويترتب على هذا العمل آثار قانونية معينة بالنسبة للمعترف والجهة المعترف بها حسب طبيعة الاعتراف ونوعه.
فما هي معايير هذا الإعتراف، وهل يصح إعتراف قطر بالمجلس الوطني السوري وإعطاؤه حق التمثيل الدبلوماسي في السفارة السورية، علماً أن ممثليه غير مندوبين من حكومة شرعية دستورية قائمة بذاتها؟
يقصد بالشرعية الدولية وجوب تطبيق قواعد القانون الدولي العام على سائر التصرفات التي تصدر عن الأشخاص المخاطبين بهذا القانون وهم أساساً الدول والمنظمات الدولية. ولما كان نشوء دولة جديدة يعني قيام شخص قانوني دولي جديد ومباشرته اختصاصات دولية تمسّ إيجابياً أو سلبياً اختصاصات الأشخاص الدوليين الأخرى، فقد استلزم القانون الدولي أن يرافق استكمال الدولة لعناصرها إجراء قانوني يتمثل في اعتراف الأسرة الدولية بهذا الكيان الجديد، لكي يمكنها التعامل مع المجتمع الدولي.
و”الاعتراف ليس إلا تعبيراً عن إدارة دولة معينة، في أنّ وضعاً قانونيا أو واقعيا قد أصبح قائماً. ويعتبر الاعتراف أمراً هاماً في المجتمع الدولي المعاصر، الذي يتكون في جانب كبير منه من دول مستقلة ذات سيادة، وتملك كل دولة في هذا المجال، حرية اختيارية وسلطة تقديرية واسعة، لدرجة أنه يمكن القول أن الاعتراف هو مسألة سياسية أكثر منها قانونية. فالإعتراف بالدولة أو بالحكومة هو قرار سياسي بالدرجة الأولى، يتم اللجوء إليه استناداً إلى بعض اعتبارات الملاءمة السياسية. ويثير الاعتراف العديد من المسائل الصعبة والشائكة أهمها الشروط التي يجب توافرها في وحدة ما، حتى يمكن الاعتراف بالدولة؛ وكذلك أشكال الاعتراف. كذلك والآثار القانونية للاعتراف (أو لعدمه) على العلاقات الدبلوماسية والحصانات القضائية والاستخلاف الدولي؛ ومدى إمكانية وجود اعتراف معلق على شرط وآثار ذلك؛ والأثر الرجعي للاعتراف، وطرق الاعتراف الصريح و الضمني؛ ومدى وجود فوارق قانونية بين الاعتراف القانوني والاعتراف الفعلي، والمجال الذي يمكن فيه ممارسة الاعتراف الجماعي والآثار المترتبة على ذلك.”1″
واختلف فقهاء القانون في طبيعة الاعتراف  (هل هو تصرف سياسي أم اعتراف في الموضوعات التي يحكمها القانون الدولي، وما هي الطبيعة القانونية للاعتراف، أهو تصرف بإرادة منفردة أم أنه في حاجة انضمام عنصر لترتيب آثاره كالمعاهدات، وما الفرق بين الاعتراف الدولي والاعتراف بالحكومة الجديدة) إلا أن هذا القرار يرجع إلى السلطة التقديرية للدولة المعترفة. ويرى أنصار النظرية المنشئة بحسب القانون الدولي بالاعتراف شرطاً لازماً لتوافر الحقوق القانونية ويرون أن وجود الدولة ذاته متوقف على الاعتراف.
وعرّفَ مَجمع القانون الدولي الاعتراف بالدولة بأنه “التصرف الحر الذي يصدر عن دولة أو عدة دول للإقرار بوجود جماعة بشرية، فوق إقليم معين، تتمتع بنظام سياسي واستقلال كامل وتقدر على الوفاء بالتزامات القانون الدولي”.
وهناك طريقتان للإعتراف، الأولى الاعتراف الصريح، الذي تعلنه الدولة بصورة رسمية والمتضمن الاعتراف بدولة معينة، ويتم بصدور قرار رسمي من حكومة الدولة أو مذكرة دبلوماسية تبلغ الجهة المعترف بها بقرار الدولة المعترف بها. والطريقة الثانية هي الاعتراف الضمني الذي يحصل عن طريق الدخول في علاقات مع الدولة الجديدة كالعلاقات التي تقيمها مع الدول التي اعترفت بها بصورة رسمية دون أن يصدر إعلان رسمي من الدولة يتضمن الاعتراف بها.
وقد يكون الاعتراف فردياً تقوم به كل دولة على حدة ويصدر عن سلطتها المختصة دستورياً، وهو يصدر من الدول بصورة منفردة دون أن يكون اتفاقاً جماعياً بين الدول على الاعتراف بدولة وهذا النوع من الاعتراف هو الحالة الغالبة في التعامل الدولي، وقد يكون جماعياً يصدر عن عدة دول عن طريق مؤتمر دولي أو معاهدة دولية.
الإعتراف بالحكومة
والاعتراف بالحكومات هو “القرار الذي يصدر من دولة تعترف فيه بالسلطة السياسية الجديدة في دولة معترف بها، عندما تحدث تغيرات سياسية جديدة فيها، مما يؤدي إلى تسلم السلطة فيها حكومة جديدة بدل الحكومة السابقة ؛ الأمر الذي يتطلب أن تعترف بهذه الحكومة من أجل أن تستمر العلاقات القائمة بين هذه الدول، والدولة التي حدث بها تغيير”. “2” لكن عدم الاعتراف بالحكومة الجديدة لا يؤثر في الشخصية القانونية للدولة ولا تفقد عضويتها في المنظمات الدولية، ذلك لأن تغيير الحكومة مسألة داخلية لا تؤثر على مركز الدولة الخارجي وإن تغير شكل نظام الحكم، كأن تتحول الدولة من نظام ملكي إلى نظام جمهوري أو العكس، فللدولة مطلق الحرية في أن تتبنى نظام الحكم الذي تراه مناسباً لها، و ليس للدول الأخرى حق الإعتراض على شكل نظام الحكم أو شكل نظام الحكومة الجديدة، وإن جاءت الحكومة بطريقة غير دستورية، لكن بشرط أن تتخذ لنفسها شكلاً شرعياً.
“ويعتبر الإعتراف بالحكومة كالاعتراف بالدولة، قد يكون صريحاً وقد يكون ضمنياً، ويتم الاعتراف الصريح عادة بعمل فردي، كإرسال مذكرة، أو رسالة، أو برقية، أو إبرام معاهدة بقصد الاعتراف، أو إدخال بند متعلق بالاعتراف في معاهدة ما. أما الإعتراف الضمني فينتج عادة من عدة وقائع مثل:
أ‌- الإفادة بتسلّم مذكرة بشأن تشكيل الحكومة الجديدة.
ب‌- الإبقاء على العلاقات الدبلوماسية.
ت‌- إبرام معاهدات مع الحكومة الجديدة.
ج‌- المشاركة في مؤتمرات دولية، مثل المؤتمرات التي تعقد برعاية الأمم المتحدة.
هـ إعتراف الأمم المتحدة بالحكومة أو تجديد الإعتراف بها وقبولها في المنظمات الدولية.
ي ـ الاعتراف بحكومة ثورة، في حال عجزت الحكومة الموجودة عن قمع الثورة بشكل فوري سريع، فتمكنت قوات الثائرين من الاستقرار في جزء لإقليم معين من الدولة”.”3″

كيف تخرق قطر وغيرها من الدول القانون الدولي

إن الاعتراف بحكومة المعارضة هو “إذا عجزت حكومة عن قمع الثورة بشكل فوري سريع، فتمكنت قوات الثائرين من الاستقرار في جزء إقليم معين من الدولة، فإن مسألة الاعتراف بالثورة أو الثائرين تطرح حينئذٍ على هذه الحكومة بصورة ملحة وهي عادة تصدر اعترافها بالثائرين”.”4″ هذا الإعتراف يصح في حالة مصر والبحرين حيث تم إسقاط النظام، ومن ثم إستلمت حكومة جديدة مقاليد الحكم وجرت إنتخابات في البلاد، لكنه لا يصح بتاتاً في سورية، ولا يمكن لأي شخص مطلع ولو بشكل بسيط على القوانين الدولية أن يشرع الإعتراف “بالمجلس الوطني السوري” لأنه لا يمثل الشعب السوري، ولم يحصل على الحكم منذ أكثر من عامين، والنظام لا يزال قائماً، وجميع دول العالم لازالت تعترف بالحكومة السورية كممثل للشعب السوري، ويتم التعامل معها على هذا الأساس.
فوجود الحكومة السورية دون أي منازع لها أو حكومة معارضة قوية على المستوى العالمي، يعتبر إعترافاً بها وتأكيداً على شرعيتها، حيث أن الحكومة السورية لا زالت تسيطر على الأوضاع في البلاد، وتدير الأمور الداخلية والخارجية، كما يوجد لديها قدرة قوية للقضاء على الإرهابيين والمعارضة المسلحة التي تسعى لإسقاط النظام. أضف إلى ذلك فإن هذه الحكومة تستمد شرعيتها المحلية من الشعب السوري الذي لا يريد حكومة غيرها، كما أن الجيش السوري لا يزال يلتف حول النظام ما يعطيه شرعية أكيدة بأنه هو المسيطر على الأمور. وبطبيعة الحال فإن الحكومة السورية لا زالت تحافظ على شرعيتها منذ بداية الأزمة، وأمر طبيعي أن يكون لدى الحكومة السورية شرعية محلية ودولية، فهي حتى الآن لا زالت تتعامل مع العديد من الدول، وتتبادل البعثات الدبلوماسية معها، وتعقد الإتفاقات والمعاهدات.
ويمكن الجزم بأن الاعتراف بالمجلس “الوطني” ناقص وغير قانوني، لأن ليس هناك أية دولة من الدول التي اعترفت به قامت بسحب اعترافها بالنظام القائم، ولا تزال حكومة النظام القائم متمتعة بعضويتها في جميع المنظمات الدولية. ولم تتمكن المعارضة السورية حتى الآن من السيطرة على منطقة صغيرة لتعتبر تابعة لها ناهيك عن إسقاط النظام. كما أننا نرى كيف أن مندوب سورية في الأمم المتحدة يمارس نشاطه ويحضر كل جلسات مجلس الأمن والجمعية العامة، في حين أنه ليس هناك أي تمثيل للمعارضة في المنظمات إقليمية كانت أو دولية.
أما تعيين سفراء في دول معادية للحكومة السورية، لاسيما قطر التي وافقت على ذلك التعيين، فإنه لا يبيح منح هؤلاء الممثلين الصفة الديبلوماسية، لأن الحقوق الديبلوماسية تمنح لممثلي الحكومات الرسمية، وتسليم قطر السفارة السورية في الدوحة لممثل الائتلاف ومنحه الحقوق الدبلوماسية يعتبر خرقاً واضحاً للشريعة الدولية المتعلقة بتلك الحقوق. فالمادة الأولى من إتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية تقول في الفقرة الأولى إن “( رئيس البعثة ) هو الشخص الذي كلفته الدولة المعتمدة بالعمل بهذه الصفة” وبالتالي يكتسب صفة الدبلوماسية بالإضافة إلى أعضاء البعثة المنصوص عليهم في الفقرة الثانية من المادة نفسها.
وتقول المادة الثانية من الاتفاقية إن “العلاقات الدبلوماسية بين الدول تنشأ وتوفد البعثات الدبلوماسية الدائمة بناءً على الاتفاق المتبادل بينهما”. وما يتصل بعدم شرعية العمل القطري، أنه وفقاً للإتفاقية الدولية “يجب على الدولة المعتمدة أن تتأكد من الحصول على موافقة الدولة المعتمد لديها قبل أن تعتمد مرشحها رئيساً لبعثتها لدى الدولة الثانية”، وهذا ما تؤكده المادة الرابعة التي تقول أيضاً إن “الدولة المعتمد لديها ليست مضطرة لأن تذكر للدولة المعتمد أسباب رفضها قبول الممثّل المقترح”. وتقول المادة الثامنة من إتفاقية فيينا إنه “من حيث المبدأ يكون أعضاء طاقم البعثة الدبلوماسي من جنسية الدولة المعتمدة . ولا يمكن اختيار أعضاء طاقم البعثة الدبلوماسي من مواطني الدولة المعتمد لديها إلا بموافقة هذه الدولة، التي يجوز لها سحب موافقتها على ذلك في أي وقت. وللدولة المعتمد لديها أن تستعمل نفس الحق بالنسبة لمواطني دولة ثالثة ليسوا من مواطني الدولة المعتمدة”.”5″
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
“1”: انتصار الحصائري، الاعتراف الدولي، أكاديمية الدراسات العليا في ليبيا، http://sciencesjuridiques.ahlamontada.net
“2”: مرجع نفسه، انتصار الحصائري.
“3”: علي مطر، كيف حصل النظام السوري على شرعية دولية جديدة؟، http://alkhabarpress.com.
“4”: منظمة “ثابت” لحق العودة، 12/9/2011، http://www.alzaytouna.net/permalink/4626.html
“5”: لمزيد من الأطلاع، يمكن الرجوع إلى إتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.