الاورثوذكسية.. تعاضد وتلاحم عربي روسي

jordan-cursh

صحيفة الديار الأردنية ـ
مروان سوداح:

في المُحاضرة الروحية والتاريخية الغنية المضمون واللافتة التي ألقاها  قُدس الأرشمندريت خريستوفورس عطاالله الجزيل الوقار أمام حشدٍ ضخمٍ من أبناء الوطن من مسيحيين ومسلمين، في كاتدرائية البشارة للروم الاورثوذكس بالعبدلي العمّاني، السبت الماضي، نقرأ الكثير من المحاور الخطيرة والأكثر أهميةً ومفصليةً في حياة المسيحيين العرب المقدسيين والعمّانيين، والشعب العربي في بلاد الشام بعامةٍ، والاردن وفلسطين بخاصةٍ.

وفي التخصيص، فقد تحدّث الأب الوقور عن دور الكنيسة الروسية في شدِّ عزائم الكنيسة الاورثوذكسية في المشرق العربي، فأورد حقائق ووقائع عن حميمية صِلة الكنيسة في الشرق مع كنيسة روسيا، في مختلف العصور، وتأثير الروسية على العربية، وضرورية ذلك كما كان في عهد سابق، تضّمخ بدعم روسي محسوس، أمدَّ الاورثوذكس والوطنيين العرب جميعاً بقوة معنوية هائلة وحماسٍ منقطع النظير، فكان تأييد الكنيسة الروسية لشقيقتها المشرقية نافذاً، فتكاثرت الكنائس في شمال وغرب البلاد، وتعدّدت الزيارات المتبادلة من أجل الإبقاء على روح الاورثوذكسية، فدبت الروح في أبناء البلد واشتدت عزائمهم..، فأفضى الى ارتعاد فرائص المتحكمين الأجانب وهزلت فبركاتهم.

لنا الفخر أن بلادنا هي بالذات أرض السيد المسيح، وهي التي تم إختيارها إلهياً لتتميز على غيرها بما لا يمكن حصره من معانٍ خالدة خلود الروح. ففيها ولد السيد وترعرع ونشأ وصار يافعاً وشاباً، ثم معلماً، وظهر مُخلّصاً كرّس فلسطين وما حولها أرضاً مقدسةً الى الأبد، وبقعةَ جذبٍ من جميع رياح العالم، للتبرّك ونيل الغفران والجِنان، ونَشَرَ المحبة بين جميع الخلق. إذ جعل هذه القيمة الفُضلى فيضاناً دافقاً من قدس الأقداس ومن بيت الخبز، بيت لحم، المدينة الصغيرة لكنها الكبيرة بين الامم، لتشمل محبته المعمورة بأجمعها، وارتقى بشعبها وحضارته المُضمّخة بالإلهيات فصار مسيحيو العرب في مقدمة وطليعة المسيحيين ثقافةً ولاهوتاً وفكراً وكلمةً ورأياً. فهؤلاء العرب هم بالذات حملة الرسالة الأوائل، وعلى أكتافهم بعد ارتقاء السيد قامت المسيحية، فهم المادة الرئيسية لمسيحيةِ المسيح وأصحابها من مستقيمي الرأي وقاعدتها وأركانها، وبدونهم لا تكون مسيحية صافية، وبِعِنْتِ استبعادهم تغدو وسيلةً وسلعةً كما لدى بعض كهان اليونان، من أولئك اللفوف على كنيسة المسيح، فعذراً للكلمة والبُشرى.

الأب الفاضل خريستوفورس عطاالله كشف بما لا يدع مجالاً للشك والتأويل، أننا نحن العرب جَمل محامل السيد، وبه نستقيم. علينا ارتكز، وبنا نشر الرسالة، فكان سلامه عاماً وشاملاً على المسكونة. الارشمندريت أشار الى بدء تاريخ تهميش الطائفة الاورثوذكسية التي كانت سائدة في الشرق بأكمله، وكانت عقيدتها عقيدة أهلها فيه. واستطرد بأن العثمانيين تحالفوا مع اليونان ضد العرب المسيحيين، فكان أن سمحوا بوجود قوىً متطرفة ترتكب جرائم بحق الاورثوذكس، فاستشهد كثيرون ممن رفضوا الانصياع للإملاء التدخلي، وعمل الحُكم العثماني ومِن قبله ومن بعده اليوناني على محاولات حثيثة لإضطهادهم وتهميشهم. والعرب لم يكونوا خونة لعقيدتهم ولم يتراجعوا عن التمسّك بوطنهم العربي خلال الاحتلال الطويل، فكانوا بالتالي عرباً أقحاحاً، ولم يكونوا مجرد متكلمين وناطقين بالعربية كما يتهمهم البطريرك الحالي السالب للسلطة الكنسية تبريراً لسيطرة اليونان واليونانيين على الكرسي المقدسي وفلسطين والاردن، ونحرهم المسيحية عقيدةً وبُشرىَ.

الأب المكرّم بيّن بأن البطريرك وصحبه ممن يلتفون من حوله يتهموننا بالدعوة للعربية، وهم يدّعون بأن العربية تُهمة والعرب جهالةٌ.. لكنها وعلى النقيض ليست جريمة. فالكنيسة أصلاً وفصلاً عربية، ولا يجب علينا ان نخشى التعريب، مشيراً الى التعريب ببعده الروحي والمكاني في المفهوم الانجيلي الاورثوذكسي، ومركزية القدس والكرسي المقدسي في الكنيسة وقيادته إيّاها، كما كان أمر رُسل السيد المسيح في عصورهم، حين غدا جَمعُهم المَرجع الموثوق للكنائس الأُممية كافة ودماغها الموثوق. وللحديث بقية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.