الجولان بين التهويد والمقاومة

syria-joulan

موقع العهد الإخباري ـ
سركيس أبو زيد:

تخطى نتنياهو حدوده حين توجه مؤخرا إلى الجولان المحتل، وعقد هناك جلسة للحكومة الإسرائيلية، بكامل أعضائها، رافعاً النبرة التهديدية ومقراً بأنه نفذ عشرات الهجمات ضد سلاح حزب الله، ووجه رسالة واضحة إلى كل من يعنيهم الأمر: الروس والأميركيين، والأمم المتحدة والعرب، بأن الجولان جزء لا يتجزأ من «إسرائيل»،

وأن حكومة العدو لن تقبل بالتنازل عن هذه المساحة الجغرافية من «إسرائيل» وبإعادتها إلى سوريا، مهما كانت التسوية التي يجري الإعداد لها.

هذه الخطوة الإستباقية لنتنياهو صدرت عن جلسة حكومته التي عُقدت في مدينة «كتسرين» الإستيطانية في هضبة الجولان السورية المحتلة. وخرجت بقرار يدعو دول العالم إلى الإعتراف بالقرار الصادر منذ سنة 1981 بضم الجولان المحتل إلى «إسرائيل». وقال نتنياهو، في مستهل الجلسة، التي اعتبرها احتفالا بمرور عام على بدء ولاية حكومته «إننا موجودون اليوم في مرتفعات الجولان. هذه هي أول مرة تعقد الحكومة الإسرائيلية فيها جلسة رسمية، منذ أن وضعت تحت الحكم الإسرائيلي قبل 49 عاما. كان الجولان جزءاً لا يتجزأ من «إسرائيل» في العصر القديم، والدليل على ذلك هو عشرات الكنائس اليهودية العتيقة التي عُثر عليها من حولنا. والجولان هو جزء لا يتجزأ من الكيان في العصر الحديث».

ويمكن إداراج هذه الحركة غير المتوقعة من نتنياهو حول الإستنفار السياسي والإعلامي من أجل الجولان، تحت باب استحقاق تسوية ما يجري الإعداد له في سوريا. فاختار أن يكون موقفه من خلال جلسة لحكومة الصهاينة في الجولان، الذي سن الكنيست قانوناً لضمه الى «إسرائيل» في عام 1981.  ويخدم هذا الشكل مضمون الرسالة ببعديها الدولي، والداخلي أيضاً، كونه يعزز صورته كزعيم لمعسكر اليمين. لذا كان مباشراً بالقول: «أنا أنقل رسالة واضحة، ستبقى هضبة الجولان في أيدي «إسرائيل» الى الأبد، ولن ننسحب منها مطلقاً».

مراقبون ربطوا بين قرار عقد الجلسة في الجولان ومطلب الاعتراف باحتلاله، جاء متزامناً مع أنباء محادثات روسية- أميركية حول مستقبل سوريا، واللقاء بين نتنياهو وبين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي عقد مؤخراً.  ولم يخفِ نتنياهو مطامعه في الجولان و رغبته من انتهاز الأوضاع المتدهورة في سوريا للفوز بحصة من غنائم الحرب فيها. قال نتنياهو إن الهدف الرئيس من زيارته إلى موسكو: «هو تعزيز التعاون بين «إسرائيل» وروسيا في مجال الأمن، تفاديا لوقوع أخطاء أو سوء تفاهم أو حوادث، و«إسرائيل» تسعى لمنع وقوع أسلحة متطورة من سوريا وإيران في يد «حزب الله» اللبناني واشتعال جبهة قتال جديدة ضدها في الجولان».

وتابع: «أما بشأن هضبة الجولان، فإننا لن نعود للأيام التي كانوا فيها يطلقون النار على مستوطناتنا وأطفالنا من أعالي الجولان. لذلك فمع تسوية أو من دونها، هضبة الجولان ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية»، حسب زعمه.

هذا التحرك الإسرائيلي ناتج من خشية تل أبيب من اقتراح ما يجري التداول به بعيداً عن الأضواء حول الجولان، فإن الأمر قد لا يكون بعيداً عن جرعة زائدة من الثقة الإسرائيلية، بإمكان استغلال الحرب السورية الى الحد الذي يسمح لها بانتزاع اعتراف دولي بـ «الهوية الإسرائيلية» للجولان.

وكذلك يمكن اعتباره ضمن استغلال تل أبيب لحاجة حلفائها لها، ومن ضمنهم تركيا، حيث ينتظر الجميع استكمال التوصل إلى اتفاق ينهي التوتر بينهما، وبالتالي عدم اعتراض تركيا على تهويد الجولان.

من جهة أخرى تعتبر «إسرائيل» ان الظرف مؤاتٍ لضم الجولان، لأن الولايات المتحدة الأمريكية تعيد النظر في حساباتها واولوياتها في الشرق الأوسط. حدد تقرير عوامل رئيسية لخريطة المصالح الأميركية في المنطقة وفقا لتغيير استراتيجيتها، وهي:

1- قللت واشنطن من نسبة استيرادها لنفط الشرق الأوسط حتى وصل اليوم إلى أقل من 15%، وتسير بخطى ثابتة نحو الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة.

2- بعد معاهدة كامب ديفيد، وتفكيك كل من العراق وسوريا، لم تعد «إسرائيل» تواجه أي تهديد حقيقي من جانب الدول العربية. فالإكتفاء الأمني الذاتي الإسرائيلي وأفول التهديدات العسكرية الضخمة قللا من ضرورة تواجد أميركا في المنطقة.

3- بعد سنوات من محاربة الإرهاب تم الإستنتاج بأن مكافحة الإرهاب يمكن أن تتم بصورة أكثر فعالية عن طريق تقوية الأمن القومي والاستخبارات وقوات الشرطة في الداخل بدلاً من شن الحروب الدولية لهزيمة الشبكات والخلايا الإرهابية أينما وجدت في أنحاء العالم.

4- أسلحة الدمار الشامل: لعل الأكثر إثارة لقلق واشنطن على أمنها القومي على المدى الطويل هو حصول منظمات إرهابية على أسلحة دمار شامل. وقد وضع غزو العراق في عام 2003، وقرار القذافي تسليم برنامج الأسلحة النووية في العام نفسه، والهجوم الإسرائيلي على المفاعل النووي السوري المزعوم في عام 2007، وتسليم سوريا أسلحتها الكيمياوية في عام 2013 – 2014، كل هذا وضع نهاية لبرامج أسلحة الدمار الشامل في الدول العربية في المستقبل المنظور. والإتفاق مع إيران ضمن توقف برنامجها للتسلح النووي على الأقل لمدة عشر سنوات وأكثر. وهكذا  تبقى «إسرائيل» الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط التي تمتلك أسلحة الدمار الشامل. ومسألة هذه الأسلحة لن تعيد الولايات المتحدة إلى المنطقة في المستقبل القريب.

أمام هذه المعطيات تعتبر «إسرائيل» أن الظرف يساعدها على خطوة تهويد الجولان.

لكن من جهة أخرى، يرى محللون أن فك ارتباط الولايات المتحدة بالمنطقة يعد أمراً جيداً من حيث المبدأ. لأنه يؤدي إلى خلل في ميزان القوة مع إيران وجبهة المقاومة والممانعة. وهذه المتغيرات تفضي الى تغيرات استراتيجية وتحولات جوهرية وسط تراجع النفوذ الأميركي. مما يعزز دخول قوى خارجية أخرى مثل روسيا والصين، وتصاعد حركات المقاومة. مرحليا تستغل «إسرائيل» اللحظة الحرجة لضم الجولان لكن في المدى البعيد ستشهد المنطقة تحولات استراتيجية، والجولان سيكون جبهة أمامية في حرب التحرير.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.