الحرب المقبلة بين الاحتلال والمقاومة غير مسبوقة عسكرياً ومعلوماتياً

201608121036929
هيثم زعيتر – صحيفة اللواء

منذ أنْ بُدِئ تنفيذ وقف إطلاق النار لعدوان تموز 2006، اعتباراً من صباح 14 آب من ذلك العام، حتى كان الجنوبيون يعودون إلى بلداتهم، ويفاجأون بحجم الدمار الذي خلّفه العدوان، لكن كان إصرارهم على الإقامة في خيم فوق الركام قبل إعادة الترميم والبناء، وإفشال مخطّط الاحتلال بالأرض المحروقة…
وفي أروقة أخرى بوشر وضع الدراسات تقييماً لما جرى، وتحضيراً للحرب المقبلة، من دون تحديد زمانها، نظراً إلى ارتباط تحديد “ساعة الصفر” بعوامل عدّة…
بعد عشرة أعوام على هذا العدوان، تغيّرت الكثير من المعطيات والوقائع على الأرض، إنْ لجهة الظروف السياسية، أو تطوّر القدرات العسكرية والأمنية، بما يتعلّق بجيش الاحتلال الإسرائيلي وأجهزته، أو المقاومة في لبنان وقطاع غزّة، مع فتح الجبهة السورية، التي شهدت تنفيذ قوّات الاحتلال الإسرائيلي عمليات عسكرية وأمنية، استهدفت كوادر من “حزب الله”، وردَّ الحزب بتنفيذ عمليات عسكرية ضد دوريات للاحتلال داخل مزارع شبعا المحتلة…

في ظل تنامي القدرات العسكرية والمعلوماتية، فإنّ أي حرب مقبلة لن تكون حرباً عادية وتقليدية، بل غير مسبوقة في ميزانَيْ المقاومة والاحتلال، وسيستخدم كلا الطرفين ما في جعبته من أجل تحقيق أهدافه، خاصة أنّ المسؤولين الإسرائيليين لم يعودوا يتعاطون مع “حزب الله” على أنّه “منظّمة إرهابية”، بل كيان إرهابي، شبيه بالجيوش.
لكن، ذلك لا يعني أنّ اندلاع المواجهة بين قوّات الاحتلال والمقاومة في لبنان أو قطاع غزّة، قد تقع في أي لحظة، سواء أكان ذلك ردّاً على اعتداءات أو تصعيد إسرائيلي – وهو متواصل – أو ردّاً على خطف جنود للاحتلال، سواء في جنوبي لبنان أو مزارع شبعا أو قطاع غزّة، لمبادلتهم بأسرى ومعتقلين في سجون الاحتلال، لأنّ التجارب، ومنها عدوان تموز 2006، أثبتت أنّ قيام الاحتلال بأي عمل عسكري ينفّذ وفقاً لـ”بنك أهداف” مُعد مسبقاً، وإنْ كان الخطف ذريعةً لذلك.
فشل العدوان الإسرائيلي بتحقيق أهدافه، وذلك وفق اعترافات المسؤولين الإسرائيليين، وتم الإعلان عن ذلك رسمياً في تقرير “لجنة فينوغراد” الإسرائيلية، التي وضعت تقريرها نهاية شهر كانون الثاني 2008، وأقرّت فيه بفشل العدوان وهزيمة جيش الاحتلال، داعيةً إلى التحضير والاستعداد للحرب المقبلة، دون تحديد تاريخها.
ومن أجل هذه الحرب، نفّذ جيش الاحتلال العديد من مناورات التدريب لمواجهة احتمال حرب مرتقبة، لا سيما على الجبهة الشمالية مع لبنان.

وبين العدوان في العام 2006 واليوم، تغيّرت الكثير من الظروف السياسية، فاشتعلت أحداث على أكثر من ساحة عربية، وزاد الشرخ في الداخل اللبناني حول النظرة إلى سلاح المقاومة، وأصبح هناك انقسام عمودي حول ذلك، ووظيفة هذا السلاح.
وما زاد في حدة هذا الانقسام، مشاركة “حزب الله” في الأحداث السورية، التي فقد فيها نخبة من كوادره، سواء خلال المعارك، أو استهدافاً من قِبل قوّات الاحتلال الإسرائيلي أو المجموعات المسلّحة هناك.
وإذا كانت هناك بعض الملاحظات لدى أفرقاء لبنانيين في العام 2006 على أداء “حزب الله”، فإنّه خلال السنوات الـ10، كبر حجم الانتقادات لدور الحزب، ويمكن أنْ يلمس ذلك، بأنّ صُوَر أمينه العام السيد حسن نصرالله كانت ترفع في غالبية الساحات والمنازل اللبنانية وأيضاً في البلدان العربية والإسلامية، وإذا بالمشهد يتغيّر لظروف متعدّدة.
تأزّم الداخل الصهيوني
في المقابل، فإنّ الواقع الإسرائيلي “الهش” يفجّر مأزقه خارج شارعه، سواء ضد الفلسطينيين أو اللبنانيين والعرب والمسلمين، وكل مَنْ يهدّد أمن الكيان الصهيوني، وحتى في السياسة والاقتصاد، وإنْ كان التنفيذ يتم بأدوات ومجموعات تحرّكها أجهزة المخابرات الصهيونية، وما يجري في عدد من الدول الأوروبية وحتى في سوريا والعراق وغيرهما ليس بعيداً عن ذلك.

الواقع المتأزّم داخل الكيان الصهيوني، أكد الإمعان بالتطرّف في حكومة بنيامين نتنياهو، خاصة بعد تعيين أفغيدور ليبرمان وزيراً للدفاع (20 أيار 2016) خلفاً للوزير السابق موشيه يعلون الذي قدّم استقالته من منصبه، ما يؤكّد جنوح الحكومة الصهيونية نحو زيادة التطرف.
ويُعتبر ليبرمان من أشد المتطرّفين اليمينيين، وسيبقى مع نتنياهو في هذه الحكومة التي تنتهي ولايتها في العام 2019 – إلا إذا طرأت تطوّرات أخرى، وهذا يعني أنّ اهتمامات ليبرمان الأولى ستكون ضد الفلسطينيين، خاصة في المناطق المحتلة منذ العام 1948، بهدف تنفيذ ما طالب به من “ترانسفير” لهم، لتكريس دولة للشعب اليهودي خالية من الفلسطينيين، دون أنْ ينسى التضييق على الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية.
وقبل أنْ يصبح ليبرمان العسكري الأول في جيش الاحتلال، كان يقصف بالسياسة ضد الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال توليه وزارة الخارجية بين العامين 2009-2014 داعياً إلى استبداله، وإلى عدم تسليم جثامين “شهداء انتفاضة القدس” إلى ذويهم، بل الاستمرار باحتجازها، وأيضاً هو دائم الانتقاد لنتنياهو، ويدعوه إلى ضرورة الحسم العسكري لمواجهة القوّة العسكرية القادمة من غزّة.

وحرص وزير الحرب الصهيوني على أنْ تكون في طليعة جولاته تفقّد المنطقة الشمالية مع لبنان (7 حزيران 2016) ومشاهدة مناورة عسكرية تحاكي “سيناريو” حرب مع “حزب الله” في العام 2020، ما يعني أنّ الاحتلال يستعد لتلك الحرب، وإنْ وضع لها تاريخاً ليس بالضرورة أنْ يلتزم به.
ووجّه من هناك تهديدات بالقول: “إنّ الحدود الشمالية موجودة بأيدٍ أمينة، وليست لدينا أي خطط أخرى غير المحافظة على الهدوء، وآمل أنْ يفهم الجميع ذلك جيداً، وكذلك جيراننا، وبكل الأحوال أنصح بألا يحاول أحد اختبار إسرائيل في هذا الشأن”.
ومع انتهاء زيارة ليبرمان، كان جيش الاحتلال يكشف عن امتلاكه صاروخ “الصقر المدمّر” المتطوّر الذي يصل مداه إلى 300 كلم، وهو ضمن منظومة صواريخ سمحت الصناعات العسكرية (11 حزيران 2016) بنشر تفاصيل عمّا أسمته بـ”سلاح يوم القيامة” الذي تُعدّه لمحاربة “حزب الله”، وهو من إنتاج الشركة الحكومية “تاعس” وبإمكانه إصابة الهدف بدقة متناهية وتدميره بقوّة، ومتاح إطلاقه من على ظهر شاحنة وبراً وبحراً، وتتوقّع هيئة الأركان العسكرية الصهيونية أنْ يكون له دور هام في أي معركة أو هجوم.
في المقابل، فإنّ الأجهزة الاستخبارتية الإسرائيلية تشير إلى أنّ “حزب الله” يمتلك أكثر من 200 ألف صاروخ، وأنّ الحزب ضاعف قدراته الصاروخية والعسكرية وطوّرها، وهو يمتلك “منظومة” صواريخ وأسلحة قادرة على أنْ تطال عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبإمكانه أنْ يطلق منها يومياً أكثر من 1000 صاروخ.

وهذه الصواريخ تتوزّع بين مسافات قصيرة ومتوسّطة وبعيدة، ومنها ما يصل إلى مسافة 700 كلم، من خلال صاروخ “سكاد.دي”، الذي يهدّد “مطار بن غوريون” و”مفاعل ديمونة النووي” والبنى التحتية من منشآت كهربائية ومائية ومرافئ ممتدة على طول الشاطئ الفلسطيني، إضافة إلى المنشآت الاستراتيجية الحسّاسة، مثل: منشآت حيفا والمصافي وصولاً إلى منشآت الغاز الإسرائيلية داخل البحر.
وأيضاً امتلاك الحزب صاروخ “فاتح 110” الذي بإمكانه تدمير سفن إسرائيلية، وصواريخ تحمّل موّاد متفجّرة وتحقّق إصابات دقيقة، ومنها صاروخ “زلزال 2”.
هذا إضافة إلى الأسلحة المتعدّدة التي يمتلكها الحزب في المجالات البرية والجوية والبحرية، والصواريخ، وأيضاً المجال التكنولوجي من خلال طائرات يطلقها من دون طيار، ناهيك عن الأنفاق التي تحدّى الاحتلال بامتلاك “حزب الله” لشبكة ضخمة منها، بحيث أُشيدت مبانٍ ومدن تحت الأرض وكان لها دور كبير في عدوان تموز، وأثّرت على عدم الدخول البري بعد مقبرة دبابات الـ”ميركافا” في سهل الخيام، والتي دمّرت منها المقاومة أكثر من 35 دبابة.
ساحات وسُبُل المواجهة والرد

بين عدوان تموز 2006 واليوم، بقيت الاعتداءات الإسرائيلية وردود “حزب الله” محصورةً، فالعدو الصهيوني نفّذ سلسلة من العمليات الأمنية داخل الأراضي اللبنانية:
– عبر عملاء استهدفوا القيادي في الحزب حسان اللقيس (3 كانون الأول 2013).
– تفجير بعض العبوات ومنها في منطقة النبي ساري في عدلون – قضاء صيدا (5 أيلول 2014)، ما أدّى إلى استشهاد الخبير العسكري في الحزب حسين علي حيدر وجرح آخرين.
أما داخل الأراضي السورية، فكان:
– اغتيال العدو الصهيوني عبر عملائه للقيادي في الحزب عماد مغنية في منطقة كفرسوسة – دمشق (12 شباط 2008).
– استهداف الاحتلال الإسرائيلي موكباً للحزب في بلدة القنيطرة السورية (18 كانون الثاني 2015)، ما أدّى إلى استشهاد الضابط الإيراني محمد علي الله دادي، و6 من كوادر الحزب، بينهم: محمد جهاد عماد مغنية.
– اغتيال الاحتلال القيادي في الحزب سمير القنطار أثناء تواجده في مبنى سكني في مدينة جرمانا في ريف دمشق (19 كانون الأول 2015) وهو (الذي أفرج عنه في صفقة تبادل التي جرت بتاريخ 16 تموز 2008).

وكذلك اغتيال القيادي في الحزب مصطفى بدر الدين في انفجار نفّذته مجموعات مسلّحة استهدف أحد مراكز الحزب بالقرب من مطار دمشق الدولي (13 أيار 2016).
وكان رد المقاومة على اغتيالات كوادره والعمليات التي تستهدفه في مزارع شبعا ضد دوريات الاحتلال الإسرائيلي هناك:
– تنفيذ عملية استهدفت دورية إسرائيلية مؤللة في المزارع (7 تشرين الأول 2014).
– أيضاً استهداف دورية للاحتلال في المزارع (28 كانون الثاني 2015).
وهو ما اعتبر أنّه لا يشكل خرقاً للقرار الدولي 1701.
لكن كلام أمين عام “حزب الله” السيد نصرالله أكد أنّ “الرد على أي عدوان أو اعتداء إسرائيلي، سيكون كبيراً وخارج حدود مزارع شبعا”، ما يفتح الاحتمالات على مصراعيها.
كيف ستكون المواجهة بين جيش الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة، هذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلة، بعدما أصبحت التهديدات والاعتداءات الإسرائيلية خبزاً يومياً، فيما تطوّر المقاومة منظومة أسلحتها، وتخطّط لعمليات خطف جنود سواء مع الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، أو في الجولان أو في ساحات أخرى، خاصة أنّ المعركة بين أمن المقاومة والأجهزة الصهيونية، كانت الغلبة فيها في الكثير من الأحيان لصالح المقاومة، على الرغم من نجاح العدو الصهيوني بتنفيذ اغتيالات أو اختراق المقاومة بعملاء ومنهم محمد شوربة الذي أعلن عن اكتشافه (كانون الأول 2014)، لكن في المقابل فإنّ أجهزة المقاومة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية اللبنانية الرسمية تمكنت من توقيف العديد من شبكات التجسّس مع “الموساد” الإسرائيلي، خاصة منذ العام 2006، والذين صدرت بحق بعضهم أحكام بالإعدام يأمل بتنفيذها.
وكذلك سُجّل للمقاومة نجاحها بعدم تمكين العدو من اختراق أجهزتها وتحديد مكان جنود الاحتلال المختطفين سواء الثلاثة في (7 تشرين الأول 2000) أو الاثنين في (12 تموز 2006) ومعرفة مصيرهم أكانوا أحياءً أم أمواتاً إلى حين إنجاز عملية التبادل في (27 كانون الثاني 2004) ثم في (16-17 تموز 2008)، وكذلك مع الجندي جلعاد شاليط الذي أسرته المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة (25 حزيران 2006) وبقي مصيره مجهولاً إلى حين إتمام صفقة تبادل “وفاء الأحرار” على مرحلتين: الأولى بتاريخ 18 تشرين الأول 2011، والثانية بتاريخ 18 تشرين الثاني 2011).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.