الدول تبحث عن مصالحها من خلال استغلال الوقائع السياسية

vali-naser

الخبير الاميركي في شؤون الشرق الاوسط فالي نصر

صحيفة البلد اللبنانية ـ
حاوره د. هيثم مزاحم:

يرى الخبير الاميركي في شؤون الشرق الاوسط وعضو مجلس السياسة الخارجية في وزارة الخارجية الأميركية فالي نصر انه و”رغم الصراع الطائفي الذي نشهده اليوم سيقوم الاستقرار في الشرق الأوسط على أساس التعددية وتقاسم السلطة” وقال ان”الازمة السورية جعلت التوترات الطائفية تمتد في جميع أنحاء المنطقة التي تستعد الآن لانقسام خطير في مختلف ارجائها” متحدثا بالمقابل “عن فترة من التغيير والصراع يخرج من بعدهما نظام سياسي جديد في المنطقة”. وفي ما يلي نص حوار :

كتبت قبل سنوات عن نهضة الشيعة فهل تعتقد أننا نشهد اليوم نهضة السنة في العالم العربي؟
ما نشهده اليوم هو عمليتان متوازيتان: أولاً إحياء الهوية السنّية، التي لم تكن أبداً نائمة، وذلك على شكل التأكيد على الحكم الإسلامي والمطالبة بالسلطة. النموذج الأكثر وضوحاً من هذا الإحياء هو هيمنة “الإخوان المسلمين” في سياسات ما بعد “الربيع العربي”، ومن ثم كان أكثر ملاءمة للطائفية صعود قوة السلفية في جميع أنحاء شمال أفريقيا والشرق الأوسط. السلفية على وجه الخصوص تمثل رؤية للإسلام تستبعد التشيّع – ليس فقط في السياسة ولكن أيضاً في مفهومها للمجتمع الإسلامي.
أما العملية الثانية فهي أننا نشهد شحذ الهويات الطائفية نتيجة “للربيع العربي”. وكانت ردود الفعل الشيعية والسنية على التطورات في البحرين وسورية مختلفة، وشبح الإحياء السنّي قد صعد من الهوية الشيعية. هذا الاتجاه يتم دعمه من خلال تصاعد التنافس بين إيران وتركيا والسعودية. واليوم نرى الطائفية التي خرجت من العراق تنتشر في سورية والخليج الفارسي(العربي).

هل صحيح أن الشيعة يواجهون اليوم تهديداً وجودياً بسبب الإحياء السلفي الوهابي؟
جعلت الأزمة السورية التوترات الطائفية تمتد في جميع أنحاء المنطقة ما يهدد بحصول انقسام خطير في مختلف أنحاء المنطقة، ما قد يثير الصراعات الطائفية في لبنان والعراق – والتي يمكن أن تضاف إلى التنافس الإقليمي الأوسع نطاقا بين إيران وتركيا والسعودية وإلى تأثير السلفية المتزايد في السياسة العربية ما يؤدي إلى تفاقم الصراع. ولقد شهدنا بالفعل كيف ساهمت التوترات في الشرق الأوسط في تصعيد الصراع الطائفي في باكستان. الشيعة لن يواجهوا تهديداً وجودياً – فالطائفة كبيرة جداً – لكنهم سيواجهون احتمال صراع خطير ومقاومة للمكاسب التي حققوها في لبنان والعراق.

كيف تفسر الصراع الحاصل اليوم بين السنة والشيعة في العالمين العربي والإسلامي؟
تميّز النظام السياسي في العالم العربي منذ العهد العثماني (والذي أكده العهد الاستعماري) بهيمنة السنّة على الحكم، وقد شكلت التطورات في السنوات الأخيرة مع صعود الشيعة في العراق، وسيطرة حزب الله في لبنان ولعب إيران كقوة في منطقة الشرق الأوسط، تحدياً للمفهوم التاريخي للنظام السياسي في الشرق الأوسط. واليوم لكل من سورية والبحرين أيضاً دوره في هذه المسرحية. ما نراه في الشرق الأوسط هو نشوء تعريف للسلطة في مرحلة ما بعد العهد العثماني ومرحلة ما بعد الاستعمار – والتي لديها قدر أكبر من مطالبة الشيعة بتمثيلهم ومقاومة السنّة لتلك الفكرة.

هل أنت متشائم بشأن المستقبل جراء النزاعات الطائفية التي تمتد من باكستان إلى لبنان؟
أعتقد أنه ستكون هناك فترة من التغيير والصراع حتى يخرج نظام سياسي جديد في المنطقة. للأسف سببت المطالبة بالمشاركة بالسلطة من قبل الشيعة في الشرق الأوسط صراعاً، وسوف يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لحصول تسوية واستقرار في نظام جديد. فالديكتاتورية في المنطقة قد حمت وجود السنّة في السلطة منذ العهد العثماني وعهد الاستعمار، ولكن ديمقراطية أكثر جنباً إلى جنب مع ارتفاع أعداد الشيعة في المنطقة تدعو إلى التغيير. أعتقد أنه في المدى الطويل سيقوم الاستقرار في الشرق الأوسط على أساس قدر أكبر من التعددية وتقاسم السلطة.

هل تلعب القوى الدولية والإقليمية الورقة الطائفية اليوم؟
بسبب عمق المشاعر الطائفية في المنطقة – وعلى الرغم من أن شعوب المنطقة تنكر التمييز الطائفي في الممارسة، لكن هناك شعوراً واضحاً بوجود علاقة بين الهوية الطائفية والسلطة، التي تم تعزيزها من قبل العراق وسورية والبحرين – فكل السياسات المحلية والإقليمية تتشابك بشكل لا يمكن تجنبه مع الطائفية. رأينا في العراق أن الحرب الطائفية وضعت إيران في جهة والعالم العربي في جهة أخرى، والاتجاه نفسه نشهده الآن في سورية. الدول تبحث عن مصالحها، وتواصل تحقيق هذه المصالح من خلال استغلال الوقائع السياسية، وتلك الحقائق ترتبط هذه الأيام بشكل واضح بالهويات الطائفية.

كادر
البروفيسور فالي نصر هو خبير أميركي بارز في شؤون الشرق الأوسط،عميد كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة في واشنطن، وزميل أول في السياسة الخارجية في معهد بروكينغز، عضو في مجلس السياسة الخارجية في وزارة الخارجية الأميركية. شغل منصب كبير مستشاري ممثل الولايات المتحدة الخاص لأفغانستان وباكستان، السفير ريتشارد هولبروك، بين العامين 2009 و2011. وهو عضو دائم (مدى الحياة) في مجلس العلاقات الخارجية. وأحد كبار الخبراء الأميركيين في العالم الإسلامي وسياسات الشرق الأوسط. أبرز كتبه: “الأمة الاستهلاكية: تراجع السياسة الخارجية الأميركية”(2013)، و”صحوة الشيعة”(2006) و”صعود قوى الثروة”(2009) حيث توقع تأجج الصراع الطائفي في أعقاب حرب العراق واحتمال حدوث “الربيع العربي”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.