الرسالة الكامنة في كلام الإمام الخامنئي إلى شباب الغرب

khamenei-portrait

موقع العهد الإخباري ـ
محمود ريا:

ما معنى أن يوجه الإمام السيد علي الخامنئي رسالتين في عام واحد لمستلم واحد هو الشباب في الغرب؟

وأي رسالة في أن تكون الرسالة الأولى في بداية العام، والرسالة الثانية في ختامه؟

أسئلة لا بد من طرحها في بداية الحديث عن الرسالة الثانية التي وجهها الإمام الخامنئي إلى الشباب الغربي قبل أيام.

ما يمكن قوله في هذا المجال هو أن إرسال الرسالة الثانية يعني أن الرسالة الأولى كانت مفيدة، وتركت أثراً مهماً، وإلا لما كان القائد قد تكبّد عناء إرسال الرسالة الثانية، ولصرف وقته في أمر أكثر فائدة.

وما يمكن استنتاجه من هذه الحقيقة هو أن الرسالة الأولى فتحت أبواباً للنقاش على أكثر من صعيد، وأثارت الكثير من ردود الفعل التي كانت بمعظمها إيجابية، ما جعل من اللازم إتباعها برسالة جديدة تستكمل الأفكار التي وردت في الرسالة الأولى.

هناك مسألة أخرى لا بد من التوقف عندها، وهي أن المخاطَب بالرسالتين الأولى والثانية هو شريحة مختلفة عن الشرائح التي تتم مخاطبتها في الرسائل بين الأمم والثقافات والدول والشعوب.

فالإمام الخامنئي لم يخاطب قائد شعب ولا جهاز دولة ولا حتى مثقفي حضارة، وإنما خاطب الشباب في الغرب كل الغرب، وجاء خطابه في رسالة تمّت ترجمتها إلى عدد كبير من لغات العالم، ما جعلها تنتشر، وتصل بالضبط إلى حيث هي موجهة. وما ساعد في سرعة الانتشار هو أن طريقة إرسال الرسالة ليست تقليدية، فهي لم تسلك سبيل المراسلات الدبلوماسية التي تبقى حبيسة السفارات، وإنما تم توجيهها عبر وسائل الإعلام المختلفة، ووسائط التواصل الاجتماعي المتوافرة، ومن خلال كل السبل المتاحة، ما كان له الأثر الأكبر في انتشارها، لا بل في توهجها في أنحاء العالم.

المسألة الأخرى التي يبدو من الضروري الالتفات إليها هي اللهجة التي خاطب فيها الإمام الخامنئي الشباب الغربي في كلتا الرسالتين، فسماحته ضمّن الرسالة كل ما يمكن ان تحمله الكلمات من مشاعر ودّ وأجواء مصارحة وتعابير أبوّة، ولكنه في الوقت نفسه لم يستعمل عبارات الفرض أو التعابير اليقينية والأساليب التي توحي بأن ما يقوله هو الحقيقة التي يجب تلقيها دون نقاش، بل بالعكس، ففي كل ما قاله كان يركز على إعطاء المعلومات وطرح الأسئلة بهدف إثارة النقاش، دون أن يضع لهذا النقاش خاتمة حاسمة، ما يسمح بتحفيز عقول هؤلاء الشباب المستهدفين بالرسالتين، ويدفعهم إلى البحث عن الحقائق بأنفسهم، بعيداً عن أسلوب التلقين وطريقة الاستعلاء التي تدفع هؤلاء الشباب إلى النفور، بما يؤدي إلى خلق حاجز عصي على الكسر بين المرسل والمتلقي.

ومع العلم أن هذا الأسلوب هو الأسلوب الأمثل في مخاطبة الناشئة والأجيال الجديدة، فإن سماحة القائد نجح بشكل كبير في استعماله دون أن يبدو في ذلك متصنعاً أو متكلفاً، لا بل إنه وضع هؤلاء الشباب أمام مسؤولية البحث عن الحقيقة لسبب خطير وجوهري، هو أنهم هم الذين سيصنعون مستقبل بلدانهم، وبالتالي فإن فهمهم لما يحصل من أحداث اليوم هو الذي يجعلهم يبنون المستقبل الأفضل لشعوبهم.

لقد طلب آية الله العظمى من هؤلاء الشباب أن يُحسنوا التعرف على الأحداث، حتى لا يقعوا في الندم الذي يعيش فيه الجيل الذي سبقهم من جراء معرفة أبنائه متأخرين بحقيقة ما حصل من أحداث في الماضي، وقد عبّر سماحة القائد عن هذه الفكرة بشكل دقيق في الرسالة الأولى التي وجهها في شهر كانون الثاني الماضي حيث قال:

“لا أريد هنا أن أتعرض إلى ما يثيرون من أنواع الرعب في قلوب الشعوب الغربية، وعند استعراضكم العابر للدراسات التاريخية والنقدية المعاصرة ستجدون كيف تؤنب الكتابات التاريخية الأعمال الكاذبة والمزيِّفة للدول الغربية تجاه سائر الشعوب والثقافات. إن تاريخ أوروبا وأمريكا يطأطئ رأسه خجلاً أمام سلوكه الاسترقاقي والاستعماري وظلمه تجاه الملوّنين وغير المسيحيين. ثم انّ المؤرخين والباحثين لديكم عندما يمرّون على عمليات سفك الدماء باسم الدين بين البروتستانت والكاثوليك أو باسم القومية والوطنية إبان الحربين العالميين الأولى والثانية يشعرون بالمرارة والانحطاط.

وهذا بحد ذاته يدعو الى التقدير؛ ولست استهدف من خلال استعادة قسم من هذه القائمة الطويلة جَلد التاريخ ولكني أريد منكم أن تسألوا كل مثقفيكم ونخبكم لماذا لا يستقيظ الوجدان العام في الغرب دائما إلا مع تأخير عشرات وربما مئات السنين؟ ولماذا كانت عملية النظر في الوجدان العام تتّجه نحو الماضي البعيد وتهمل الأحداث المعاصرة؟”.

بناء على هذا الواقع فإن المطلوب من شباب اليوم ألا يقعوا في الخطأ نفسه، وألا يتركوا الأجيال التي تأتي بعدهم تقع في مستنقع الندم على عدم معرفتهم بحقيقة ما يجري من أحداث اليوم، كما وقع أسلافهم في المستنقع نفسه إزاء الأحداث التي حصلت في العقود والقرون السابقة.

من هنا كانت دعوة الإمام الخامنئي إلى الشباب كي يستقوا المعلومات من مصدرها الحقيقي، ولا سيما فيما يتعلق بقضية أساسية تشغل الشرق والغرب وهي مسألة النظرة إلى الإسلام والمسلمين، فلا تكون وسائل الإعلام المغرضة هي وسيلة تلقي المعلومات، ولا يكون الساسة والمسؤولون “لأني أتصور أنهم بعلمٍ ودرايةٍ منهم فصلوا درب السياسة عن مسار الصدق والحقيقة”، كما قال سماحته في الرسالة الأولى أيضاً.

لقد حملت الرسالة الثانية التي وجهها سماحة الإمام الخامنئي الجواب العملي لهذه الحقيقة، فدعا شباب الغرب إلى التمعن بما يحصل من أحداث فـ “القضايا المؤلمة إذا لم توفّر الأرضية للتفكير بالحلول ولم تعطِ الفرصة لتبادل الأفكار، فستكون الخسارة مضاعفة”.

وشرح سماحته هذه الفكرة بطريقة أكثر تفصيلاً حين قال: “القضية هي أن آلام اليوم إذا لم تؤدّ إلى بناء غد أفضل وأكثر أمناً، فسوف تختزل لتكون مجرد ذكريات مُرّة عديمة الفائدة”.

وبناءً على هذه الفكرة كانت الدعوة الموجهة إلى الشباب الغربي لأن يكون هو بنفسه مصدر المعلومة والمتيقن من مصداقيتها والحاكم على أساسها، لذلك هو خاطب هؤلاء الشباب بالقول:

“إنني أؤمن أنكم أنتم الشباب وحدكم قادرون، باستلهام الدروس من محن اليوم، أن تجدوا السبل الجديدة لبناء المستقبل، وتسدوا الطرق الخاطئة التي أوصلت الغرب إلى ما هو عليه الآن”.

إنها دعوة لا يمكن أن تخطئها العين أو يغفلها الإدراك السليم، والمطلوب أن تصل هذه الدعوة بأقصى قوتها إلى أقصى مكان في عالمنا، كي تكون جسراً لردم الهوات التي يصنعها الإرهابيون بين الثقافات والحضارات، وبين الأديان والأمم، خدمةً لمصالح السادة الغربيين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.