السفير: البقاع الشمالي ينجو من مجزرة ..عرسال في «ورطة».. وطرابلس وحيدة

عرسال تحت المجهر. الدولة كلها وضعت يدها على ملف هذه البلدة اللبنانية المنسية تاريخيا. لكن المؤسف في الأمر أن الالتفاتة أمنية بحتة. استفاقة إلى واقع مفروض على بلدة بحكم عوامل عدة أبرزها الجغرافيا والحرمان ونيران الأزمة السورية المشرعة قربها منذ ثلاث سنوات.

عرسال تحت المجهر، مثلها مثل التبانة وجبل محسن ومخيمات البؤس الفلسطيني في كل لبنان.

يأتي عنوان الأمن، فلا أحد يلتفت إلى الأسباب التي تحول حيزا جغرافيا هنا أو هناك الى برميل بارود يمكن أن يشعل البلد كله. بعد معركة يبرود عاصمة القلمون السوري… وجدت عرسال نفسها في ورطة.

أعداد النازحين قاربت المئة ألف نسمة، فأصبحوا شركاء في الحرمان مع أهالي بلدة تعد ما بين ثلاثين الى اربعين الف نسمة. بلدة استفاقت الدولة عليها اليوم، لكن على طريقتها، فقررت أن تكافئها بفصيل من قوى الأمن الداخلي.

لا أحد من نواب المنطقة ولا من القيادات التي «تمون» عليها سياسيا أعطى هذه البلدة حقها. لطالما كانت وما زالت خزانا للمقاتلين على كل «الجبهات». من زمن «الحركة الوطنية» في زمن «الحرب الأهلية» إلى «جبهة المقاومة» ضد الاحتلال الى زمن الانقسام الطائفي والمذهبي العمودي المستمر منذ تسع سنوات.

عرسال بلدة بالإسم لكنها مدينة وربما أكثر من حيث مساحتها وحدودها. هذا الاتساع لم يعطها فرصة منذ الاستقلال حتى الآن لنيل شبكة صرف صحي أو الحد الأدنى من مقومات الخدمات، ناهيك عن قضايا الإنماء بأبعادها كافة.

بعد معركة يبرود، صارت مسؤولية البلدة بفعالياتها كما ببلديتها أكبر من أي وقت مضى لأجل تدارك ما يمكن تداركه. أدار الأهالي محركاتهم. استنجدوا بالرئيس سعد الحريري، فكان متعذرا التواصل المباشر معه، فكلموه عن طريق مدير مكتبه نادر الحريري وبعض النواب والمستشارين. نقلوا شكواهم للحريري وطلبوا التدخل العاجل. المطالب بسيطة جدا وغير مستحيلة. لتبادر الدولة الى وضع يدها على عرسال. تعزيز حضور الجيش الموجود فيها أصلا. تنفيذ قرار إنشاء فصيلة من قوى الأمن الداخلي. إقفال المعابر غير الشرعية. حصر الإيواء بالنازحين. عدم السماح لأي مسلح بدخول البلدة وحظر أي ظهور مسلح لأهل البلدة ومن حلوا ضيوفا عليها تحت طائلة اتخاذ التدابير والقرارات بحق المخالفين. إلقاء القبض على المطلوبين وبينهم أحد المتورطين بإطلاق صواريخ باتجاه قرى الجوار. الأهم من ذلك، كما تتمنى عرسال، هو السعي على وجه السرعة، الى استحداث مخيم كبير للنازحين في قطعة أرض مقترحة خارج البلدة تكون تحت سيطرة القوى الأمنية اللبنانية وبرعاية مؤسسات الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية، وعندها يكون من الصعب لأي كان التستر بالعنوان الانساني للقيام بأي عمل أمني.

يبدي أهالي البلدة استعدادهم لكل تعاون مع القوى الأمنية، بما يؤدي الى نزع كل شبهة أمنية خاصة في ضوء ما أشيع عن وجود أعداد من السيارات المفخخة نقلت من يبرود الى عرسال على وجه السرعة لتفجيرها في مناطق نفوذ «حزب الله» في البقاع أو الضاحية أو الجنوب. هذه الشائعات بلغت البلدة نفسها، عندما تردد أن سيارة وربما أكثر أرسلت إليها فأقدم إمام جامع البلدة على طلب عدم التجول!

تتمنى عرسال أن ترى الحكومة مجتمعة في دار بلديتها، وإذا تعذر ذلك، أن يزورها رئيس الحكومة تمام سلام أو وزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير الدفاع سمير مقبل، لكي يطلعوا على حقيقة أوضاعها بالعين المجردة ويتحملوا مسؤولياتهم، بالاتجاهات كافة، بدل التعامل مع عرسال كأنها قرية طافرة خارج الحدود… والجغرافيا اللبنانية.

كل يوم تأخير في المعالجات، هو بالنسبة للأهالي، إمعان في توريط بلدتهم. فمخازن الطحين يكاد ينفد مخزونها وثمة أزمة محروقات وأدوية ومواد تموينية إذا استمرت حالة الكر والفر عند مداخل البلدة، عبر إقفال الطرق المؤدية اليها. لذلك، أوصل الأهالي صرختهم إلى قيادتَي «حزب الله» و«أمل»، عبر قنوات معينة، كما إلى قيادة الجيش، وطلبوا السعي إلى تبريد المناخات لأن الاحتقان يزداد ويكاد يحول منطقة البقاع الشمالي الى برميل بارود، وهذا أمر يؤذي الجميع، خاصة عرسال التي لا يمكنها أن تدير ظهرها لمحيطها الطبيعي.

يستوي ما تطالب به عرسال مع ما تطالب به جاراتها البقاعيات شريكاتها في الحرمان. هذه القرى التي نجت بالأمس من كارثة بكشف الجيش اللبناني سيارة مفخخة بنحو 170 كيلوغراما من المواد المتفجرة كانت كافية لتفجير بلدة صغيرة بكل من فيها. حصل ذلك على مسافة ساعات قليلة من تفجير النبي عثمان الذي ذهب ضحيته شابان كشفا الانتحاري وهو يقود سيارته المفخخة بنحو 100 كلغ من المتفجرات.

يسري ذلك أيضا على مناطق الشمال، بإقفال معابر السلاح والمسلحين من الداخل السوري وإليه، وحسنا فعل الجيش اللبناني، أمس، بإلقاء القبض على مجموعة مسلحة كانت تتحرك في المنطقة الواقعة بين تلكلخ وقلعة الحصن، وهي النقطة الشمالية الأخيرة التي تهدد استقرار المنطقة الحدودية… قبل الاقتراب من طرابلس ونارها المشتعلة، في جولة مستنسخة عن 19 سبقتها، معظمها اندرج في خانة دفع ضريبة البركان السوري المشتعل.

طرابلس، لم تجد حتى ساعة متأخرة من ليل أمس، من ينقذها. فقد فشلت مساعي وقف إطلاق النار، ليثبت بالملموس عجز القيادات السياسية، فيما عجز الجيش عن التصدي للمسلحين وحيدا وبلا حصانة سياسية جدية.

ولقد ابرزت هذه الجولة الدموية المستمرة، تطورَين خطيرَين: يتبدى الأول في الاستهداف الممنهج والمنظم للجيش اللبناني إذ تعرضت خمسة مواقع، في الساعات الأخيرة، لإطلاق قذائف «آر.بي.جي» من قبل المجموعات المسلحة. وتبدى الثاني في رفض مسؤولي بعض المجموعات المسلحة دخول الجيش الى التبانة.

وأوحى ذلك أن طرابلس عالقة بين شاقوفين: الاول، توريط الجيش اللبناني في معركة مع المدينة بهدف تصفية حسابات مع المؤسسة العسكرية وقائدها عشية الاستحقاقات الدستورية المقبلة. والثاني، شعور بعض المجموعات المسلحة أن ورقتها قد سقطت ما يدفعها الى التغطية على ذلك بمزيد من التصعيد والتحريض.

وأعرب مصدر امني عن خشيته من ان تتحول طرابلس ومعها عرسال الى كرة نار متدحرجة، وقال لـ«السفير» ان الجيش يتلقى في طرابلس الضربات ويتحمل ويكتفي بالرد على مصادر النيران، فيما الحل السياسي هو المطلوب للمدينة لا الحل العسكري الذي يحولها الى «بارد ثان». ودعا المصدر القوى والقيادات السياسية الى رفع الغطاء عن المسلحين، «لا ان تستمر في رعايتهم وتمويلهم».

وليل أمس، عقد اجتماع في منزل النائب محمد كبارة ضم كوادر وفعاليات التبانة، وقال بعده كبارة ان الجميع وافق على التهدئة وترك المعالجات للجيش. وبرغم ذلك، استمرت المناوشات حتى ساعة متأخرة من فجر اليوم، في ظل أعمال قنص في الاتجاهين. ولوحظ أن الجيش اللبناني بادر الى اطلاق قنابل مضيئة من أجل تحديد المواقع التي تطلق منها النيران. يذكر أن الحصيلة النهائية حتى منتصف ليل امس بلغت 11 قتيلا بينهم شهيد للجيش، وأكثر من 80 جريحا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.