السفير الروسي لـ”الجمهورية”: إذا اضطُررنا سنتدخّل في شرق أوكرانيا

zasbakin

مي الصايغ –

صحيفة الجمهورية اللبنانية:

لا شك أنّ الأزمتين السورية والأوكرانية جعلتا من السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسبكين «نجم كلّ المنابر». إطلالات إعلامية تكاد تكون يومية، يفرضها إيقاع أحداث هذين الملفين الساخنين، ويرى فيها الدبلوماسي المخضّرم فرصة لتظهير ثوابت روسيا الإتحادية في مواجهة «الدعاية الغربية»، وإبراز «دفاعها عن قضايا محقّة وعادلة» في منظارها.

رحلة قطار إنضمام شبه جزيرة القرم وصلت إلى محطتها الروسية، وبالتالي أي عقوبات تفرض أو ضغوط تمارس على «قيصر الكرملين» لن تدفعه إلى قطع تذاكرعودة ركاب هذه الرحلة إلى محطتها الأوكرانية السابقة، فـ»وضع القرم بات محسوماً وغير قابل لأي تغييرات»، وفق ما يؤكّد السفير الروسي في مقابلة مع جريدة «الجمهورية»، في وقت لا يزال قطار «جنيف 2 «عالقاً في نفق التأجيل. وفي ما يأتي نص الحوار:

• كيف تنظرون إلى قرار البرلمان الأوكراني أمس بالدعوة إلى القتال من أجل تحرير شبه جزيرة القرم؟

– هذه خطوة تصعيدية من جملة أعمال غير مسؤولة قام بها البرلمان والسلطات الأوكرانية، لا شك أنّها تزيد الأوضاع سوءاً، لكنّها لن تؤثر على الأوضاع في القرم، حيث تتواصل إجراءات الإنضمام بشكل مبرمج ووفقاً لنتائج الإستفتاء.

• لم يغفر الرئيس فلاديمير بوتين للغرب دعم إستقلال إقليم كوسوفو عن صربيا عام 2008، وعاد ليرد الصفعة إذاً …

– نلاحظ إزدواجية في الموقف الغربي الذي أيّد إنفصال كوسوفو ورفض استقلال القرم. كوسوفو كانت جزءاً من صربيا لقرون، في حين كانت القرم جزءاً من روسيا. إنفصال كوسوفو جرى تحت قصف حلف شمالي الأطلسي لصربيا، فيما إستقلال القرم جاء نتيجة الإستفتاء والخيار الحرّ لسكان شبه الجزيرة، في جو هادئ ومن دون تدخّل خارجي.

• ألا يُعيد الرئيس الروسي «رسم» حدود أوروبا الشرقية؟ وما يمنع أن تفتح تجربة القرم شهية أقاليم إنفصالية أخرى في الفضاء السوفياتي السابق؟

– الغرب فتح هذا الملف في كوسوفو وليس روسيا. في أوكرانيا، الغرب بادر إلى تأييد القوى المتطرفة التي قامت بالإنقلاب، هم يشجّعون الإنقسامات والفوضى. نتيجة التصرفات غير المسؤولة في أوكرانيا، أضحى السكان في المناطق الشرقية مهددون بالتطهير. وإذا قدم إلى الشرق الأوكراني متطرفون وقاموا باستفزازات مثل إطلاق النار من قبل قناصة أو محاولات الإستيلاء على المنشآت، ونهب البيوت، عندها سنتدخّل.

• ما هي شروطكم لعقد حوار مع كييف؟ ولماذا تتمسّكون بإتفاق 21 شباط، علماً أنّ ممثل الرئيس الروسي لم يوقّع عليه؟

– العودة إلى إتفاق 21 شباط توفّر الحد الأدنى الممكن تحقيقه، وهو تطبيع الوضع. وعلى الغرب أن يكون معنياً بذلك، لأنّ ممثليه وقعوا على هذا الإتفاق. وفي حين قامت السلطات الأوكرانية بتطبيقه لم تلتزم المعارضة به.

أمّا الإجراءات الأخرى المطلوبة لحّل الأزمة تتطلب إنعقاد مؤتمر دستوري لوضع دستور جديد لأوكرانيا، يتضمّن زيادة الصلاحيات للمناطق وتأمين الحقوق والحريات لجميع مكونات الشعب الأوكراني، من دون تمييز على أساس لغوي أو إثني. وقد طرحنا في إطار إتصالاتنا ومشاوراتنا مع الأطراف الخارجية الأميركية والأوروبية لتشكيل مجموعة إتصال، هذه البنود الأساسية لتسوية الأزمة الأوكرانية.

البعض ينشر شائعات بأنّ روسيا تريد التصعيد، هذا غير صحيح على الإطلاق. ما حصل كان بتشجيع من الغرب، نحن كنا صامتين فيما كان الغرب يشجّع المتظاهرين في ميدان كييف. نكرر الدعوة لإيجاد حلّ سلمي، مع الأخذ في الإعتبار أنّ موضوع القرم محسوم وغير قابل لأي تغييرات.

• تصّرون على أنّ التوتر مع الغرب في المرحلة الراهنة لا يرقى إلى مستوى الحرب الباردة… كيف توصّف إذا ما يجري اليوم بين موسكو والغرب؟

– موضوع المصطلحات ليس مهماً. إستراتيجية روسيا لا تزال تطوير الشراكة مع أكبر عدد ممكن من الدول. ولكن إذا كان النهج الغربي معاكساً لهذه المبادئ، فلدينا خيارات أخرى وعلاقات جيدة في آسيا ومناطق غيرها. روسيا تريد إيجاد قواسم مشتركة مع الولايات المتحدة سواء في النزاع السوري أو الدرع الصاروخية في أوروبا. ما جرى في أوكرانيا، هجوم تحريضي من قبل الغرب للوصول الى الأهداف التي تمسّ مصالحنا الجوهرية، بما في ذلك فرض الشراكة مع الإتحاد الأوروبي على كييف، وعسكرياً من خلال إنضمام أوكرانيا الى الأطلسي في المستقبل، وهذا غير مقبول.

• لولا ضعف إدارة الرئيس الأميركي بارك أوباما في معالجة الأزمتين السورية والأوكرانية والملف النووي الإيراني، هل كانت لتنجح روسيا في العودة بقوة الى المسرح الدولي وتصرّف الرئيس فلاديمير بوتين كقيصر؟

– روسيا تتمسك بثوابت، وتتخذ مواقف حاسمة وقادرة على ممارسة نهج سياسي فعّال إعتماداً على قدراتنا الذاتية، ومن خلال التفاهم مع عدد كبير من الدول في كل العالم. وفي القرم على وجه الخصوص، تدخّلنا بعد توجيه نداءات إلى روسيا لإنقاذ حياة ملايين الناس.

• قلّلتم من مفاعيل العقوبات الغربية على روسيا فما هي خياراتكم للرد ؟

– جزء من العقوبات التي تتعلّق بالأشخاص غير مهمّ. أمّا العقوبات الإقتصادية المتوقعة فهي غير واضحة حتى الآن. وفي كلّ الأحوال، هذا أمر سيضرّ كل الأطراف. نتوقع من الدول الأوروبية أن تُغلّب العقلانية على المغامرات.

• ألا تخشى روسيا العزلة الدولية وخسارة موقعها في مجموعة الثماني؟

– هذا شيء غريب، عندما يتحدثون عن عزل روسيا، عليهم الأخذ في الإعتبار عشرات القوميات والمساحات الواسعة والصناعات الروسية وتطوير تعاوننا مع الصين وإطار مجموعة «البريكس».

فضلاً عن أنّ مشاركة روسيا في مجموعة الثماني ليست فقط لمصلحة بروسيا، بقدر ما هي في الدرجة الأولى تصب في مصلحة الآخرين.

• ألا تتوقعون أن يقوم الغرب بفتح الأسواق أمام صادرات النفط الإيرانية لضرب الإقتصاد الروسي؟

– أي إجراءات ينوي الغرب إتخاذها تتطلب وقتاً، فيما نحن سيكون أمامنا أفق لتصدير النفط والغاز إلى دول أخرى غير الأوروبية، والإتجاه نحو تطوير صناعتنا المحلية مثل الكيماوية على سبيل المثال.

هم يتحدثون عن إمكان إمداد الولايات المتحدة الدول الأوروبية بالغاز الصخري وأن تقوم قطر بتصديرغازها إليها أيضاً.

الأزمة السورية

• في ظلّ المواجهة في أوكرانيا، هل يمكن التسليم أنّ مفاوضات «جنيف 2 « عادت إلى نقطة الصفر؟

– قبل أحداث أوكرانيا، كانت الأجواء بعد جنيف 2 غير سهلة، ولا سيما بعد زيادة تمويل وتسليح المعارضة السورية. فضلاً عن مشكلة تمثيل المعارضة وعدم التوافق بين النظام والمعارضة حول تطبيق بيان جنيف 1. نحن نريد عقد جلسة ثالثة للحفاظ على إستمرارية الحال التفاوضية، ونؤيد المصالحات الميدانية في المناطق السورية والجهود لتحسين الأوضاع الإنسانية.

في طبيعة الحال، ستؤثر الأزمة الأوكرانية على مجمل العلاقات بين روسيا والغرب، نحن نعمل بشكل إيجابي مع الولايات المتحدة في ملفات عديدة، وعلى رغم أهمية ما يجري في أوكرانيا، إلاّ أنّ ذلك لا يمنع التقدم في قضايا أخرى. لكن الموقف المبدئي لروسيا في سوريا لن يتغيّر نتيجة الأحداث في أوكرانيا والشائعات عن إمكان تنازل روسيا عن موقفها الثابت بتأييد التسوية السياسية غير صحيح.

• ألا تعتبرون أنّ ترشح الرئيس السوري بشار الأسد لولاية رئاسية ثالثة قد ينسف المسار التفاوضي؟

-هذا الموضوع كان ولا يزال شأناً سورياً داخلياً.

• لكنكم تدخلتم في الشؤون الداخلية للقرم…

– تدخّلنا لأنّ قرار الإستفتاء في القرم كان ناتجاً عن قرار الناس. في سوريا لن نتدخل. سلطات القرم كانت شرعية ومنتخبة، برلمان القرم قرر إجراء استفتاء والشعب وافق عليه، ولم يكن هناك تدخّل روسي في الشؤون الداخلية لشؤون شبه الجزيرة.

• والى أي مدى سترخي هزيمة يبرود بظلالها على العملية التفاوضية؟

– الوضع الميداني يتغيّر في الفترة الأخيرة ويتحسّن لمصلحة النظام. ونعتبر مكافحة الجيش النظامي للمجموعات غير الشرعية على الأراضي السورية أمراً إيجابياً. لكن يبقى موقف روسيا مع التسوية السياسية عن طريق الحوار بين المعارضة والنظام.

• قيل إنّ فكرة مؤتمر جنيف 2 ولدت في السفارة الروسية في بيروت التي استضافت قادة المعارضة السورية الداخلية، وعلى وجه التحديد هيئة التنسيق وبرعايتكم … وبمساع للرئيس الفلسطيني محمود عباس.

– جنيف 2 كانت نتيجة مشاورات معلنة وغير معلنة بين جميع الأطراف السياسية. وكان للرئيس الفلسطيني مشاركة إيجابية، ولكن من الصعب اليوم تحديد تفاصيل ما حدث.

• هل نقلت روسيا تطمينات إلى إسرائيل بأنّ «حزب الله» لا ينوي فتح جبهة القتال معها؟

– لم أنقل تطمينات أو أي شيء، لكنّ موقف روسيا، أننا لا نريد الحرب هنا.

• هل يستطيع لبنان الصمود وهو يجلس على فوهة بركان بفعل الحريق السوري وتداعياته؟

– لا يزال لبنان قادراً على الصمود، وتشكيل حكومة جديدة إنجاز كبير. كلّ الفرص متوافرة ليمرّ إستحقاق الإنتخابات الرئاسية على خير.

لا أعتقد أنّ هناك مخاطر ليتدهور الوضع، والعكس تماماً ، إذ لا مناخ لفتنة طائفية في لبنان، والقوى اللبنانية على عاتقها مسؤولية كبيرة لمعرفة كيفية التعامل مع التحديات.

• هل لروسيا مرشح رئاسي مفضّل؟

روسيا تعتبر ذلك شأناً داخلياً لبنانياً، وترى أنّه أصبح للأحزاب اللبنانية دور أكبر في إختيار رئيس للجمهورية، ودور الأطراف الخارجية فقط للمساعدة في تنقية الأجواء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.