السياسة الأمريكية ولعبة الموت في الإقليم

 

 

صحيفة المنار الصادرة في فلسطين المحتلة عام 1948:
بقلم: ايهاب شوقي*
النظرة للعبة السياسات الدولية على انها لعبة من نوعية “الشطرنج” اعمق وأصح كثيرا من النظرة لها على انها لعبة من نوعية الملاكمة او المصارعة.
فالأولى تلفت النظر الى كامل الرقعة واركانها ويترتب على هذه النظرة توقع المناورات والأهداف الخفية حيث تمثل كل مربعات الرقعة اهمية نوعية.
بينما الثانية تحصر النظر في الاطراف المتصارعة والمشتبكة على حلبة الصراع ويترتب على هذه النظرة التركيز في هذه الاطراف وفنيات او قوة صراعها دون حاجة للالتفات الى باقي الحلبة والتي لا تشكل الا حيزا مكانيا يحد الأطراف.
وكل نظرة يترتب عليها تحليل واستنتاج، وبحسب عمق النظرة واتساع ابعادها تخرج التحليلات وافية ودقيقة ومفيدة، واقرب للواقع منها للانطباع، واقرب للدقة المبنية على معادلات علمية منها للنبوءات او الأماني.
وبكل أسف فإن هناك سيلا من الانطباعات الناتجة عن قصور النظر والكسل تخرج في صورة تحليلات استراتيجية بعضها قد يكون مخلصا وصادقا ومعظمها موجها ومرتزقا!
ما تم ذكره كمقدمة لازمة لا يهدف على الاطلاق لان يقول ان القادم في المقال يدعي الحكمة وبعد النظر والعمق وهو التحليل الدقيق والعلمي دونا عن التحليلات التي تم انتقادها!
انما الهدف هو القاء الضوء على بعض الجوانب التي تعطي وجاهة للنقد السابق وليس الهدف اعطاء شهادة جودة للمقال وتحليلاته او صاحبه.
على سبيل المثال، كم من تحليل يخرج علينا متناولا العقوبات الأمريكية على روسيا متناولا ابعادا اخرى غير القرم وضم روسيا لها، بالكاد من يخرج ليقول انها ذريعة لحصار روسيا اقتصاديا وافقادها بعض المميزات الاقتصادية، لكن هل خرج علينا تحليل يربط بين هذه العقوبات والتنافس الامريكي الالماني؟!
هل انبرى لدينا محللون ليخرجوا بتحليل يربط بين التنافس الالماني الامريكي واستياء الادارة الامريكية من عجز الميزان التجاري وان العقوبات الامريكية على الروس ستؤثر على صادرات الطاقة الروسية الرخيصة للالمان ما سينتج عنه فقدان ميزات تنفاسية ناتجة عن ارتفاع تكاليف المنتجات الالمانية؟
وكما يقول المحللون الروس فانه في عام 2016، زودت غازبروم ألمانيا بما يقرب من 50 مليار متر مكعب واستبدالها مع الغاز الطبيعي المسال الأمريكي باهظ الثمن من شأنه أن يؤدي إلى اختلال التوازن في التجارة الأمريكية مع ألمانيا وفقدان القدرة التنافسية في المنتجات الصناعية الألمانية.
هل يمكن النظر من مختلف الزوايا لعقوبات امريكية اخرى على فنزويلا وايران واعطاؤها ابعادا مضافة للبعد المباشر الخاص بالتنافس والعداء وقراءة ما بين السطور اضافة الى السطور والتي هي بلا شك صحيحة ايضا؟
مثال اخر غير بعيد عن السابق، يتعلق بالموقف الالماني من قطر، والذي ارجعه البعض لرعاية المانيا لتيار الاخوان والاشتراك مع قطر في ذلك وارجعه اخرون للخوف من عمليات ارهابية على غرار التي تحدث في اوروبا وبالتالي فان المانيا تهادن قطر خشية ان تنتقم منها عبر التيارات الارهابية التي ترعاها، وبالكاد تناول البعض الامر على انه مصالح دون التدقيق في ماهيتها.
صحيح ان هناك مصالح استثمارية، والتقارير تقول ان الشركات الألمانية تلتزم الصمت عندما يتعلق الأمر بالمستثمرين العرب، وان بنكا مثل دويتشه بنك اعتذر عن عدم التعليق بخصوص هذا الموضوع، حيث الاستثمار القطري في البنك بحدود 9 بالمئة، وان إدارة فولكس فاغن علقت باقتضاب وقالت: “نحن نراقب التطورات الحالية والأمل في حل سريع للنزاع”، وتحوز نسبة الاستثمار  القطري فيها ما نسبته 17 بالمئة.
الا ان مستقبل الطاقة اعمق بكثير من هذه الابعاد المباشرة والمشتركة مع اطراف الازمة من الجانب الاخر من الخليجيين.
فلنتأمل ما قاله محلل شؤون الطاقة بشركة بيرنستين أوسوالد كلينت من أن أكثر من ثلثي مشروعات إنتاج الغاز الطبيعي المسال، التي تهدف لملء الفجوة التي ستحدث بعد عشر سنوات من غير المرجح أن تقام، لأن قطر بموقعها الجغرافي المتميز وسط الأسواق الكبرى في أوروبا وآسيا فضلاً عن إنتاج الغاز بتكلفة رخيصة، يسهل عليها توسيع مصانعها الحالية لإنتاج الغاز، وستكون الأكثر قدرة على المنافسة.
مثال اخر مرتبط بالمثالين وبازمة الاقليم في ان واحد، والمتمثلة في رباعية غير متجانسة حيث تضم مصر والسعودية والامارات والبحرين، في مواجهة قطر، تحت شعار رعاية الارهاب او التقرب من ايران او كل ما يصدر كعنوان للازمة، هل يمكن ربط هذه الازمة بالطاقة وبصادرات الغاز ايضا؟
يرى مارتن لامبرت مدير شركة «بريتلاندز» لإنتاج الطاقة أن الغاز القطري المنتج بشكل متزايد من المرجح أن يكون ذا تكلفة إنتاج رخيصة، وبالتالي سيعطيه ذلك ميزة على بقية الإمدادات القادمة من دول أخرى، وأيضاً سيكون له تأثير على إنتاج الغاز في كل من أستراليا وأميركا.
هل يمكن ان يكون بعد الطاقة عاملا من عوامل الازمة وان تكون هناك حرب خليجية بالوكالة لصالح الغاز الامريكي ولصالح الميزات التنافسية للبضائع الامريكية، والتضييق على الغاز الرخيص والذي سيصدر لدول منافسة، وهل تلعب امريكا دورا مزدوجا يحفظ مصالحها في قطر ومصالحها في اسواق الطاقة واسواق التجارة العالمية في ان واحد؟
السؤال هنا يعود بنا لمصر وما هو دورها في هذه الالعاب والحروب بالوكالة، وما هو تجانسها مع حلف كهذا وريث لمجلس التعاون الخليجي الذي اقيم بعد قيام الثورة الايرانية كتكتل مواجه لها والذي لم يشمل مصر وقتها برغم ان مصر السادات كانت في ذات التوجه التابع؟ هل تستخدم مصر كبوابة فقط للتعامل مع الصهاينة بعد ان اختار الاميران الشابان بن سلمان وبن زايد تكتلا جديدا لان تكتل مجلس التعاون لم  يعد ملبيا للطموحات بفعل تغيرات جيو استراتيجية متعلقة بالطاقة؟
ماذا سيكون موقف مصر وسط حلف صهيو خليجي يتمتع بمزايا تؤهله ان يكون شرطيا للمصالح الامريكية، في حين لا تتمتع مصر بمزايا هذا الشرطي، حيث يتميز الشرطي باسلحة ووسائل للترغيب والترهيب ووسائل للضغط وفائض من الامكانيات المادية وكلاب بوليسية وغيرها، في حين ان مصر قوتها تكمن في اعتمادها نهج المقاومة والممانعة وقد تخلت عنه؟
ان الاتكاء على تحليلات حلبة المصارعة يقود حتما الى مصير المشاهد حيث لا مكان له في الحلبة التي لا تسع الا اللاعبين، بينما الاتكاء على تحليلات رقعة الشطرنج يقود الى مصير المشارك حيث كل الاركان والمربعات يمكن ان تؤثر حتما على نتيجة المباراة، ومن لا يقرأ ما بين السطور، تنطبق ضفافها المسننة عليه لتمزق جسده تمزيقا!
(*) كاتب صحفي مصري
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.