العدوان الصهيوني على سوريا صورة لما يخطط للمنطقة

joulan-israeli-forces

صحيفة الوطن العمانية ـ
خميس التوبي:

في تأكيد جديد على أصالة الدور التآمري ضد سوريا قام كيان الاحتلال الصهيوني بشن عدوان إرهابي غاشم مواقع عسكرية سورية موقعًا أكثر من عشرة سوريين بين قتيل وجريح بالإضافة إلى أضرار كبيرة في المعدات.
إن هذا العدوان الإرهابي الجديد لا يمكن فصله عن سلة المتغيرات والتطورات الحاصلة في البؤر الساخنة في المنطقة، بل جاء دالًّا على حقيقة وجود تحولات خطيرة تشهدها المنطقة بقوة التدخل الأجنبي لحلف التآمر والعدوان على سوريا، وإصراره على المضي قدمًا في إعادة رسم خريطة المنطقة بما يضمن تحقق الأهداف اللازمة لفرض الهيمنة المطلقة على المنطقة وإعادة استعمارها وفق الشكل المرتسم في عقل المستعمرين المخططين بأن يكون كيان الاحتلال الصهيوني هو شرطي المنطقة، وتتحول مصادر الثروات فيها إلى أثداء تدر على كل من كيان الاحتلال الصهيوني وحلفائه الاستراتيجيين من الغرب الاستعماري، وبدعم لافت وملحوظ من قبل بعض القوى الإقليمية العميلة، الباحثة عن دور لها من باب العمالة ليس إلا.
وقبل محاولة قراءة الأحداث التي تعج بها المنطقة، لا بد من إعادة التذكير أن التحالف مع الإرهاب أو بالأحرى صناعته ورعايته ودعمه وتمويله هو ركن أساس في ما يسمى “مشروع الشرق الأوسط الكبير”. ولذلك لا غرابة أن نرى الكثرة الكاثرة في المسميات التي تنتمي إليها عناصر الإرهاب والإجرام من قبيل “داعش، جاحش، داحس، جبهة النصرة، الجبهة الإسلامية، جيش حر، فيلق، لواء” التي تمثل العصا الغليظة بيد الغرب الامبريالي الاستعماري لتفتيت المنطقة.
ويمكن تتبع معطيات خريطة الأحداث ومحاولة قراءة رسومها وخيوط أحداثها من خلال عدد من المفاتيح المصاحبة لها والمتمثلة في:
أولًا: إن العدوان الإرهابي الغاشم على سوريا جاء في وقت تفيد فيه الأنباء أن ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” ومن معه من الجماعات الإرهابية المسلحة قد فرضوا سيطرتهم الكاملة على المنافذ الحدودية مع سوريا في القائم والوليد، أما منفذ طريبيل الحدودي وهو المعبر الوحيد للعراق مع الأردن، فقد سيطر عليه الإرهابيون المسلحون بعد انسحاب القوات الحكومية منه. وبذلك أصبحت كل المنافذ الحدودية في شمال وغرب العراق خارج سيطرة الحكومة في بغداد، وبالتالي تمكَّن الإرهابيون من تحقيق هدفهم في قطع الطرق الدولية المهمة للعراق مع سوريا والأردن وتركيا، كما أصبحت المعابر بين العراق وسوريا مسرحًا للمجاميع الإرهابية للتنقل بحرية بين البلدين.
ثانيًا: الانهيار السريع اللافت للمدن العراقية بيد التنظيمات الإرهابية والمسلحة وتلويحها بالسيطرة على العاصمة بغداد، جعل كيان الاحتلال الصهيوني يتوهم أن هذا الانهيار له ارتداداته المباشرة على سوريا وعزلها، وبالتالي سيثير حالة من الإرباك بين قوات الجيش العربي السوري وقوات حفظ النظام، وكذلك إرباك حلفاء سوريا، ما يمثل فرصة لكيان الاحتلال الصهيوين لتقديم الدعم اللازم لعملائه من العصابات الإرهابية في سوريا للتقدم في الميدان؛ فشن عدوانه الإرهابي انطلاقًا من أراضي الجولان السوري المحتل، معتقدًا أن ذلك سيحقق له مبتغاه بإقامة منطقة عازلة يجند فيها جيش لحد جديدًا.
ثالثًا: القدرة الهائلة على السيطرة السريعة للتنظيمات الإرهابية على المدن في العراق، ما كان لها ذلك لولا تراكم السياسات الخاطئة والتي من بينها نظام المحاصصة وأساليب الإقصاء والتهميش وقوانين الاجتثاث ما أوجد بيئة حاضنة وقوى منها من لديه استعداد على التعاون مع تنظيم “داعش” ومنها ما كان صيدا سهلا بالعزف على وتر معاناته والضغط على جراحه، وكذلك لولا الدعم الصهيو ـ غربي والإقليمي؛ بدليل الرفض الأميركي في البداية لدعم العراق في مواجهة العصابات الإرهابية، والتحجج تارة بالطائفية، وتارة باشتراط تخلي نوري المالكي عن تشكيل الحكومة الجديدة، وتارة بصعوبة تحديد العصابات الإرهابية والحاجة إلى الوقت الكافي لذلك، وتارة أخرى باشتراط موافقة المالكي على تشكيل حكومة وحدة وطنية. ويبدو أن الداعمين يسعون من وراء ذلك إلى تحقيق أهداف عدة منها:
أولًا: إنشاء منطقة عازلة في غرب العراق تمنع الاتصال الجغرافي بين محور المقاومة.
ثانيًا: ابتزاز الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومساومتها في مفاوضاتها مع الغرب حول الملف النووي بهدف تقديم تنازلات يسعى إليها الغربيون، مقابل عدم تقسيم العراق. ثالثًا: إذا لم يتم السماح للأكراد بإقامة دويلتهم في إقليم كردستان العراق، فيجب السماح لهم بالتصرف في مصادر النفط والغاز، بحيث يتمكن الداعمون لانفصال الأكراد من مد أنابيب الطاقة من الإقليم عبر تركيا ثم أوروبا وتعطيل أنبوب الطاقة الروسي الممتد عبر أوكرانيا إلى أوروبا، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى مد أنبوب كركوك ـ حيفا والذي تم تجربته من قبل في فترة الاحتلال الأميركي للعراق، ولهذا غير مستغرب سيطرة ما يسمى “داعش” على مصفاة بيجي العراقية بالكامل وبيعه النفط، وسيطرة البشمرجة الكردية على المناطق المتنازع عليها وما جاورها.
على أن ما يقوم به كيان الاحتلال الصهيوني من استهداف الضفة الغربية وقطاع غزة والعبث فيهما فسادًا واغتيالًا واعتقالًا وحصارًا تحت ذريعة البحث عن ثلاثة من قطعان المستوطنين اختفوا، ويتهم الفلسطينيين وتحديدًا حركة حماس باختطافهم، هو مخطط يتجاوز ما يدعيه المحتلون الصهاينة إلى ما هو أبعد من ذلك بالإضافة طبعًا إلى إفشال المصالحة الفلسطينية، حيث قاموا بإغلاق جميع المعابر مع قطاع غزة، ومحاولة استغلال خديعة الاختفاء/الاختطاف في ابتزاز الرئيس الفلسطيني محمود عباس بما يؤدي إلى الحصول على ما طرحه المحتلون الإسرائيليون من شروط أثناء فترة المفاوضات العبثية التي أطلقها جون كيري وزير الخارجية الأميركي حول وضع الضفة وغور الأردن، وربما بهدف جعل الموانئ الإسرائيلية الرئة التي سيتنفس منها الأردنيون والفلسطينيون، بالإضافة إلى تأمين وصول أنبوب النفط من كركوك حيث تمكن الأكراد مؤخرًا من تسليم كيان الاحتلال الصهيوني أول شحنة من حقول النفط المتنازع عليها بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان.
ولهذا لن تتم مطاردة ما يسمى “داعش” وتوابعها إلا بعد أن يتحقق ما يسعى إليه الراسمون لخريطة المنطقة، بوصل دول بالمنطقة جغرافيًّا مقابل عزل أخرى وفق ما تقتضيه لعبة الاستعمار والهيمنة على المنطقة.
وللمرء هنا أن يتساءل: هل كان بإمكان القوى الغربية الإمبريالية الاستعمارية بعثرة المنطقة على هذا النحو بالتدخل العسكري المباشر، كما تبعثرها الآن قوة الإرهاب الذي صنعته ودعمته؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.