العملاء يخسرون جنسيتهم اللبنانية بقرار من مجلس الوزراء

israeli-lebaneses-agents

موقع العهد الإخباري ـ
علي الموسوي:

شكّل فرار فلول ميليشيا العملاء المسمّاة “جيش لبنان الجنوبي” بقيادة أنطوان لحد إلى فلسطين المحتلة، بعد تحرير الجزء الأكبر من جنوب لبنان في شهر أيّار من العام 2000، عبئاً كبيراً على سلطات الإحتلال الإسرائيلي لم تستطع التعامل معه برحابة صدر كما ظهر من صرخات الاستغاثة التي أطلقها جمع لا بأس به من هؤلاء العملاء في غير مناسبة، ممّا اضطرّها إلى شراء سكوتهم وكتم أنفاسهم بإغداق جنسيتها على المحظيين منهم الذين يحملون تاريخاً كبيراً في العمالة سيلازمهم حتّى ما بعد الممات، وستحكي عنه الأجيال اللبنانية كلوْثة مُفْسدة للمجتمعات.

وفي واقع الحال، فإنّ العملاء الفارين، هم من الطبقة الملطّخة أياديها بالدم، والقتل، والتنكيل، والنهب، والتصرّفات الشاذة الخارجة على القانون، والاستماتة في الدفاع عن وجود الاحتلال في الجنوب كونهم مستفيدين من هذا الغطاء الذي منحهم حركة أكبر في الانتقام، والنفوذ، والهيمنة، والتسلّط، وتكديس الأموال عبر السرقات والاتجار بالمخدّرات، واغتصاب الأراضي من أصحابها بالقوّة، وإجبارهم على التنازل عنها.

ولمّا كانت مسألة عودة هذه الشريحة من العملاء إلى لبنان مستحيلةً في ظلّ ما ينتظرهم من عقوبات قانونية يفترض أن تكون مشدّدة وحازمة ورادعة من القضاء العسكري، وعدم القدرة على معايشة وضعهم المستجدّ في قراهم أو على الأراضي اللبنانية، من تهمة يندى لها جبين البشرية والإنسانية الراقية، انخرط معظم هؤلاء في استباحة كراماتهم بأنفسهم، عبر تجديد تعاملهم مع العدوّ، بتقديم المزيد من مواهبهم في خدمة المشروع الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط، إمّا عن طريق تأسيس شبكات تجسّس جديدة، وإمّا بإحياء شبكات قديمة عبر الإيقاع بأعضائها المَنْسيين، وذلك مقابل حفنة من المال لا يمكنها أن تساوي صبغة التعامل الملازمة لهم أبد الدهر.

وإزاء هذه الحاجة الإسرائيلية لخبرات هؤلاء، ولاستعمالهم مطيّة في اعتداءاتها، بغية إرباك الساحة اللبنانية، وإثارة الفتنة، كان القرار بمنحهم الجنسية الإسرائيلية والذي يعني عملياً أنّ عملهم لمصلحة الدولة الصهيونية يستحقّون عليه نيل هذه الجنسية، خصوصاً وأنّ إعطاءها ليس بالأمر السهل، مع ما يترتّب عليها من التزامات مادية بالدرجة الأولى.

وفيما هنالك عملاء رفضوا قبول الجنسية الإسرائيلية مقتنعين بالعيش أذلاء تحت وطأة العلم الإسرائيلي، وافق آخرون عليها، لا بل كانوا يلهثون ليلاً نهاراً، للظفر بها، على الرغم من أنّ قانون الجنسية الإسرائيلي الصادر في العام 1952، يفرض على مكتسب هذه الجنسية، التنازل عن جنسية سابقة، وهذا يعني أنّ الراضين بقرار نيل الجنسية الإسرائيلية، مضوا قُدُماً في طريق الخيانة إلى درجة التخلّي عن وطنهم، والاستمرار في خطّ العمالة، وعدم العودة عن اعتبار الكيان الصهيوني بلدهم الجديد وضامن مستقبلهم.

ولكنّ الدولة اللبنانية ممثّلة بقضائها العسكري، لم تسكت على هذا الفعل الجرمي الذي دأب العملاء على ارتكابه وإضافته إلى سجلاتهم الحافلة بالإجرام والانتهاك الخطر للقانون، ذلك أنّ القبول بالجنسية هو أعلى درجات العمالة وأحطّها سفالة في آن معاً، ولو لم يكن العميل راضياً وسعيداً بهذه العطيّة الإسرائيلية الملغومة والحارقة لشخصيته وماضيه، والقاضية على مستقبله وحياته، لما انتهز فرصة التباهي بها في مجتمعات العملاء المنتشرين في غير مستوطنة إسرائيلية، ولما ترسّخت لديه كعقيدة يؤمن بها، على الرغم من ضررها الكبير عليه، ظنّاً منه أنّه بهذا العرض الإسرائيلي يحمي نفسه ويخوّله امتلاك مكتسبات وتسهيلات لم تكن في الحسبان كسرعة الدخول إلى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال، والحصول على تأشيرات السفر إليها، والتنقّل براحة تامة على أراضيها بداعي أنّه مواطن إسرائيلي ولو من الدرجة العاشرة، ولو برتبة عميل.

وبعد تكوين الملفّات الأمنية والقانونية التي تؤكّد حصول العملاء على الجنسية الإسرائيلية، وانسحاب الأمر على أفراد عائلاتهم من زوجة وأولاد، تتمّ إحالتها على المرجع القضائي المختص، أيّ النيابة العامة العسكرية، باعتبار أنّ الجنسية تؤكّد تمادي فعل الخيانة في النفوس والسلوك، فتقوم بالادعاء على أصحاب العلاقة بموجب “ورقة طلب”، وتحيلها بدورها، مع المستندات المرفقة، على قاضي التحقيق العسكري الذي ينفّذ الخطوات القانونية المطلوبة إلى حين إصداره قراراً اتهامياً بإحالة المدعى عليهم على المحكمة العسكرية الدائمة للمحاكمة، ولفظ الحكم المناسب بشأنهم.

وبما أنّ نيل الجنسية هو إصرار على التعامل مع العدوّ، مع ما في هذه المفردة من معان وضيعة، فإنّ العقوبة تكون ملازمة لها ومن مستواها الجنائي، أيّ جناية تصل عقوبتها إلى الأشغال الشاقة مدّة خمس عشرة سنة مع غرامة مالية لا تقلّ عن مليوني ليرة، بالإضافة إلى التجريد من الحقوق المدنية. وطالما أنّ الفرار من وجه العدالة صفة ملازمة للعميل المُكْتسب للجنسية الإسرائيلية، فإنّه من الطبيعي أنّ يكون الحكم غيابياً، وتبقى عقوبته سارية المفعول إلى حين استسلام العميل ومثوله أمام المحكمة، أو تسقط بفعل مرور الزمن بعد خمس وعشرين سنة ما لم تصدر خلال هذه الفترة أحكام أخرى بالإدانة والتجريم بالتعامل والخيانة، تضاف إلى السجلّ العدلي للعميل نفسه.

ومن العملاء الذين نالوا “تهنئة” القضاء العسكري على جنسيتهم الإسرائيلية متوجّة بعقوبة الأشغال الشاقة مدّة خمسة عشر عاماً، نذكر: حنّا سمير عيسى، أليز سمير عيسى، ماري سمير عيسى، جيهان إبراهيم نصرالله، جوسلين إبراهيم نصرالله، واللائحة تطول.

ولكن مجرّد صدور الحكم القضائي لا يعني البتّة، فقدان مكتسبي الجنسية الإسرائيلية لجنسيتهم اللبنانية تلقائياً، وإنّما تعتبر إشارة تمهيدية مهمّة، ذلك أنّ الأمر منوط بمجلس الوزراء اللبناني، وهو الوحيد القادر على نزع الجنسية، وذلك في حالتين اثنتين لا ثالث لهما، وهما:

أولّاً: وجود حكم قضائي صادر عن الجهة القضائية المختصة، أيّ المحكمة العسكرية كون الحصول على الجنسية جرماً ملازماً للتعامل والاتصال بالعدوّ، ويتمّ إبلاغه إلى مجلس الوزراء عبر القنوات الرسمية المعتمدة بغية أخذه بعين الاعتبار خلال درس الأسباب الموجبة لنزع الجنسية.

ثانياً: وجود إقرار رسمي من صاحب العلاقة باكتسابه جنسية بلد آخر كما يحصل في ألمانيا التي ترفض أن يكون مواطنها حاملاً لجنسيتها وجنسية بلد آخر في وقت واحد، وهذا ما يحتمّ على مجلس الوزراء أن يوافق على مضمون هذا الإقرار، وأن يعمد إلى نزع الجنسية عن طالب التخلّي عنها، وكثيراً ما يبتّ مجلس الوزراء في طلبات نزع الجنسية المقدّمة من لبنانيين صاروا من عداد مكتسبي جنسيات دول أخرى تحظّر عليهم الجمع بين جنسيتها وجنسيّتهم الأم، وينشر القرار في الجريدة الرسمية ليصبح نافذاً.

وبانضمام هؤلاء العملاء إلى حَمَلَة الجنسية الإسرائيلية، يكون المجتمع الإسرائيلي قائماً على يهود مستوردين من الخارج، وعلى زمرة عملاء تخلّوا عن وطنهم، فنبذهم الوطن، وتركهم لمصيرهم الأسود ومستقبلهم المجهول.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.