الفعل المقاوم يقرعُ أجراس الفلسطينيين في أكتوبر

palestine-uprising

تقاطعت مؤخرًا ذكرى مناسبتين هامتين في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني، الأولى عملية اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي، والثانية صفقة التبادل التي أطلقت عليها المقاومة اسم “وفاء الأحرار”، وكانت نتيجةً لعملية “الوهم المتبدد” التي أسر فيها الجندي جلعاد شاليط.

ففي السابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2001 نفذت خلية تتبع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عملية نوعية باغتيالها وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي، مؤسس نظرية “الترانسفير” (ترحيل الفلسطينيين من أرضهم)، والشخصية المسؤولة عن تشريد وقتل الآلاف.

وكانت أفكار زئيفي السياسية غايةً في التطرف؛ حيث كان يدعو للتطهير العرقي بشكل غير علني. ودأب على وصف الفلسطينيين بـ”القمل” تارة، و”السرطان” تارة أخرى. وعرف بدعوته المتكررة لغزو الأردن، وتوطين الفلسطينيين فيها.

ولعل اختيار الجبهة الشعبية هذه الشخصية لتكون هدفًا للتصفية، كان مدروسًا بعناية، ولم يأت صدفةً، ويحمل رسالة بالغة الأهمية.

وتقول صمود كريمة الأمين العام للجبهة الشعبية الأسير أحمد سعدات :” العملية جاءت كما كرد ثوري وعقاب من طراز خاص على الجريمة التي ارتكبها الاحتلال حين أقدمت طائراته على اغتيال الأمين العام للجبهة في حينه الشهيد أبو علي مصطفى، أواخر آب/ أغسطس عام 2001″.

وأضافت:” لن تجد من يختلف على أن هذه العملية البطولية هزت الكيان، وأضافت قيمة نوعية للمقاومة الفلسطينية في تاريخ الصراع  الفلسطيني – الصهيوني، وشكلت ردًا نوعيًا من حيث قدرة المقاومة على الردع، وإلحاق خسارة كبيرة على مستوى نظرية الأمن والتفوق الصهيوني”.

ونوهت سعدات إلى أن “هذه القيمة، تعززت لدى قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني بمختلف فئاته وأطيافه السياسية، وأذرع العمل المقاوم في مجتمعنا، إلا أن القيمة السياسة والنضالية لم تجد طريقها على مستوى المؤسسة الفلسطينية وقيادتها”.

وأوضحت أن “هذه القيادة اختارت أن تقف خصمًا لهذه العملية، ليجري ضرب من خطط ونفذ لها منذ اللحظة الأولى على يد أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، التي امتثلت للشروط الأميركية والإسرائيلية”.

ولفتت سعدات إلى أن هذه العملية التي وقعت قبل خمسة عشر عامًا، لن تكون مجرد “حدث عادي” في تاريخنا، بل هي علامة فارقة في مسيرة المقاومة الفلسطينية، مشيرةً إلى أهمية الدفاع عن قيمة هذا الفعل المقاوم.

وقالت بهذا الصدد: إن “استحضار هذه النماذج البطولية المقاومة واجبة من أجل ترسيخها في الذاكرة الشعبية الفلسطينية والعربية والإنسانية باعتبارها جزءًا من تاريخ وكفاح الشعب الفلسطيني، ومحطة في نهج مقاومته، في ذات الوقت ندعو إلى استخلاص العبر والدروس منها”.

وشددت كريمة القائد سعدات على أن هذه العملية لا تنفصل عن عمليات “انتفاضة القدس”، التي اشتعلت في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، معتبرةً أنها امتداد لهذا النهج الوطني الثوري، ومؤكدةً في السياق على أهمية النهج والفلسفة الثورية، ووجوب الدفاع عنها وحمايتها من محاولات التصفية والتشويه التي نشهدها اليوم.
وأعربت صمود عن أسفها الشديد من وجود تيار سياسي فلسطيني مهزوم، يقف على النقيض من نهج وثقافة المقاومة، والتحرر الوطني، ويقدم المساومات والتنازلات كل يوم على حساب دماء الشهداء، وآلام الأسرى والجرحى، والمعذبين في الوطن والشتات، ومن قدموا الغالي والنفيس فداءً لحرية وطننا السليب.

في سياقٍ ذي صلة، نجحت المقاومة الفلسطينية في الثامن عشر من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2011 بإبرام صفقة تبادل مشرفة تحرر بموجبها 1027 أسيرًا من سجون الاحتلال، في مقابل الجندي جلعاد شاليط، الذي أسر في عملية “الوهم المتبدد”.

ونفذت عملية الأسر ثلاث أذرع عسكرية هي كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس، وألوية الناصر صلاح الدين الذراع العسكرية للجان المقاومة في فلسطين، وجيش الإسلام، في الخامس والعشرين من حزيران/ يونيو عام 2006.

ولعل ما ميّز صفقة التبادل التي أطلقت عليها المقاومة الفلسطينية اسم “وفاء الأحرار”، أنها جاءت بعد نحو خمس سنوات من أسر الجندي الإسرائيلي، ومحاولات الاحتلال الحثيثة استعادته بشتى الطرق والوسائل لاسيما الأمنية والعسكرية إلا أن كل ذلك فشل.

ومن مميزات الصفقة أن نسبة المفرج عنهم بموجبها من أصحاب المؤبدات بلغت 70%، إلى جانب أنها بيضت سجون الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات باستثناء عميدتهن لينا الجربوني، التي تنتمي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.

وبحسب عضو القيادة المركزية للجان المقاومة في فلسطين محمد أبو نصيرة، فإن صفقة “وفاء الأحرار” شكلت علامةً فارقة في تاريخ الشعب الفلسطيني، وأسست لمرحلة جديدة في الصراع مع العدو الصهيوني.

واستحضر أبو نصيرة، دور لجان المقاومة في عملية “الوهم المتبدد”، التي نتج عنها أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، مبينًا أن اثنين من منفذيها من فرسان ألوية الناصر صلاح الدين الذراع العسكرية للجان المقاومة، وهما الاستشهاديان حامد الرنتيسي ومحمد فروانة.

ونوه إلى أن الفعل المقاوم المنتصر لقضية الأسرى لم ولن يخبو على الإطلاق، ففرسان الشعب الفلسطيني ومجاهدوه عاهدوا أنفسهم أن يبيضوا سجون الاحتلال، ويُخلصوا أحرارنا وحرائرنا من أغلال القيد، وأصفاد القمع، وزنازين الموت والظلام.

وجدد أبو نصيرة العهد بين يدي ذوي الشهداء والأسرى أن يمضوا في طريقهم، ويواصلوا مسيرة المقاومة، مهما كلفهم ذلك من تضحياتٍ وأثمان، وصولًا إلى التحرير أو الشهادة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.