القدس بقبضة المجنّدات

quds-israelifemalsoldiers

صحيفة الخليج الإماراتية ـ
أمجد عرار:

الجيش “الإسرائيلي” يضم مئات الآلاف من الجنود بعضهم بلباس شرطة وآخرون يسمونهم حرس حدود، وكلّهم في بوتقة واحدة مع المستوطنين المسلّحين والمنظمات الاستيطانية المدعومة من الأثرياء الصهاينة في شتى أصقاع الأرض، عيونهم نحو هدف واحد هو تحويل فلسطين إلى كلمة في كتب التاريخ بلا أي أثر على الأرض، وتكريس خرافة “القدس عاصمة الشعب اليهودي” واقعاً لا نقاش فيه بين العربي ونفسه وهو ينشد بلاد العرب أوطاني، وبين المسلم ونفسه حتى وهو يقرأ القرآن، وبين المسيحي ونفسه وهو يدخل كنيسة القيامة .

لننظر إلى ما تطوّره “إسرائيل” في أساليبها المهينة لأمتين . على مدخل القدس بوابة دوارة عرضها نصف متر تتحكّم بها مجندة بكبسة زر من مقصورة بجانب الباب الضيّق ترتفع مستوى رؤوس العابرين . هذا نمط دائم ولا يتغيّر منذ الانتفاضة الأولى . الصهاينة يعرفون العقلية العربية ويبعثون رسالة مقصودة للفلسطينيين بالقول لهم: هاهي امرأة “إسرائيلية” واحدة تتحكّم برجالكم ووجهائكم ومخاتيركم بما يلبسون من “حطّات وعُقل” .

على نسق هذا الإغراق في السادية والتلذذ بعذابات الضحية، باتت هذه ال “إسرائيل” تبعث بمجنّدات لاقتحام المسجد الاقصى، بحيث باتت هذه الظاهرة هي الملاحظة الأبرز في الآونة الأخيرة . الفلسفة والعقلية والرسالة ذاتها أن حفنة من النساء الصهيونيات يدنّسن أولى القبلتين وثالث الحرمين أمام مسمع ومرأى مليار ونصف مليار عربي ومسلم منهمكين في نبش كتب التاريخ بحثاً عن كل نقطة سوداء يستنسخونها، وعن كل بقعة متخلّفة يستعيرونها، وعن كل سبب للخلاف والتناحر يتبنونه، وعن كل خيبة وهزيمة يلبسون ثوبها .

لا يا سادة، ألقوا الكتب من أيديكم واقرأوا صفحة الحاضر . لا تنهمكوا في الماضي في حين تتدفق مياه الحاضر آسنة تحت أقدامكم وأسرّة نومكم . إذهبوا إلى حي مقدسي صغير اسمه حي الشيخ جراح . أربعة عشر عربياً فلسطينياً يقيمون في منزلهم كما يقيم خلق الله، أو كما يقيم النمل في بيته . منذ سنوات يقيمون فيه، يأكلون ويشربون وينامون ويتّقون حر الصيف وبرد الشتاء وتقلّب الخريف وانقلاب الربيع . في رمشة عين وجدوا أنفسهم ينظرون إلى جرافة “إسرائيلية” وهي تلتهم البيت من السقف حتى المدماك الأول . بعد بضع ثوان كان كل أفراد العائلة يجلسون فوق كتل الإسمنت بين الركام . دموع يلتهمها الغبار، وكتب التلاميذ ممزقة بين الحجارة وقضبان الحديد، وبمحض الصدفة كتاب تتراقص إحدى أوراقه المطبوعة عليها صورة للقائد صلاح الدين الأيوبي يضبط لسانه فيحجب كلاماً موجهاً لشراذم أمتي العرب والمسلمين: هل فتحت القدس لتتركوها تغلق بأيدي مجندات ولدن في بولندا أو إثيوبيا وجئن للقبض على مفاتيح القدس؟

يا من أدمنتم ظلمة الأنفاق ولم تعد أعينكم قادرة على التفتّح في الضوء، ويا من تجلّدت أقدامكم على أبواب العواصم تتسوّلون بياناً مكتوباً على ورقة توت: هل تعتقدون أنكم تكونون أحراراً والقدس أسيرة؟ ويا من استمرأتم العبودية تأكلون قهراً وتشربون ذلاً وتتوسّدون جُبناً وتلتحفون هواناً، أي فصل في التاريخ ستكتبون بالأصابع المرتجفة؟ عذراً فحتى أقلامكم جفّت وألسنتكم تيبست وضمائركم تجلّدت، ألم تشبعوا من مصافحة شمعون بيريز وتسيبي ليفني؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.