القلق السعودي

ksa - irhab

هواجس العراق واليمن والبحرين

لا تشكل الهزيمة في سوريا والتطور في الموقف الأميركي من إيران وتصدع مجلس التعاون الخليجي مصادر القلق السعودي الوحيدة فللقلق أيضا ثلاثة عناوين اخرى هي العراق واليمن والبحرين فهذه الدول الثلاث التي لها حدود مشتركة مع شبه الجزيرة العربية تتصف تاريخيا بأهمية كبيرة للأمن الداخلي لنظام آل سعود بفعل التشابك السكاني والجغرافي ، وباستمرار كان المسؤولون السعوديون يعطون ثقلا خاصا للعلاقة بهذه الدول التي تجتاحها في السنوات الأخيرة تغييرات تجعلها مصدرا رئيسيا للقلق السعودي الكبير.

أولا منذ انسحاب قوات الاحتلال الأميركي من العراق تعيش القيادة السعودية في خيبة متمادية فقد كان رهانها على ضم هذا البلد العربي إلى منظومة الهيمنة الغربية التي تتصدرها وتديرها في المنطقة وهي التي لعبت دورا محوريا في تمويل حرب الرئيس الراحل صدام حسين ضد الجمهورية الإسلامية ومن ثم تصدرت الحلف الداعم للغزو الأميركي الذي انتهى باحتلال العراق وبإعدام شريكها السابق وخاب الرهان السعودي لأن الهروب الأميركي تم على عجل والعراق بات أقرب إلى المحور الإيراني السوري الذي يمثل العدو الأول للمملكة ولحكامها.

تسعى القيادة السعودية بكل ما لديها من قوة لإيجاد مرتكز نفوذ خاص بها في التركيبة العراقية الداخلية وهو ما يضاعف من تورطها في دعم فصائل القاعدة والسعي لشراء بعض الزعامات العراقية وتجنيد جماعات عشائرية لتصعيد الانقسام المذهبي في البلاد لكن حقائق الديموغرافيا والسياسة تبين ان اللعبة السعودية عاثرة وبينما تواجه القيادة العراقية تحدي القتال ضد الإرهاب وترسيخ الوحدة الوطنية يقلق تقدمها آل سعود ويضاعف من ذلك القلق اضطرار واشنطن لمساندة بغداد في معاركها في العلن على الأقل رغم الحضور الإيراني الوازن في المشهد العراقي .

المعضلة الكبرى التي تقلق آل سعود هي مستقبل القوة العراقية الصاعدة التي تمتلك قدرات مالية ونفطية ضخمة وتتمايز بامتلاكها طاقة بشرية هائلة ومؤهلة علميا وتقنيا يعزز من فعلها المستقبلي رسوخ الشراكة العراقية الإيرانية وبكلمة يعلم آل سعود ان العراق هو الدولة المؤهلة لدور قيادي كبير في مستقبل الخليج وجل ما يستطيعون إزاء ذلك الخطر هو العرقلة بالإرهاب والفتنة المذهبية ليس إلا.

ثانيا دفعت المملكة السعودية قواتها بسرعة إلى البحرين عندما لاحت مؤشرات قوية عن احتمال خضوع النظام الملكي في المنامة لمطالب الثورة الشعبية السلمية التي عجز عن إخضاعها قبل التدخل السعودي وبعده وفشلت جميع محاولات تصويرها كتحرك مذهبي داخلي أو كتنفيذ لخطة تدخل إيراني وتمكنت المعارضة البحرينية بفصائلها الكبرى من ترسيخ الطابع السلمي للثورة رغم الكلفة المرتفعة .

يعلم آل سعود ان قيام ملكية دستورية في البحرين سيشعل انتفاضة ضارية ضد نظامهم في قلب الحجاز ونجد وهم لذلك لم يأبهوا لأي تحذير أو اعتراض على اجتياح البحرين فخطر العدوى كان داهما والقلق من تلك العدوى مستمر وموصول بتواصل التحركات الشعبية في الجزيرة التي يصلها “جسر البيرة ” البري بشبه الجزيرة العربية وهو حظي بهذه التسمية شعبيا لأن آلاف علب البيرة الفارغة تطفو تحته بعدما يلقيها شباب الحجاز ونجد الذي يسلكون الجسر عائدين من البحرين التي يقصدونها بحثا عن الممنوعات الكثيرة في بلدهم.

عاجلا ام آجلا سيطرق التغيير أبواب البحرين وقد تضطر الولايات المتحدة إلى إلزام المملكة السعودية بسحب قوات درع الجزيرة كنتيجة لتفاهمات محتملة مع إيران في مرحلة متقدمة من التفاوض الثنائي المتوقع وفي هذه الحال لن تستمر البحرين حديقة خلفية سعودية ولن تكون كفة النفوذ السعودي طابشة بعد ذلك بل سوف يحتل معارضو العائلة السعودية موقعا مرموقا في المعادلة البحرينية الجديدة … إنه انقلاب آخر يزحف ويثير القلق في الرياض.

ثالثا منذ ستينيات القرن الماضي شكل اليمن مصدرا للقلق السعودي وبعد عقود من استقرار نسبي لصيغة حكم في شمال اليمن تناسب المصالح السعودية وتقع تحت نفوذ آل سعود تجتاح الاضطرابات والتغييرات هذا البلد وفي السنوات الأخيرة تغيرت الخارطة الداخلية اليمنية ،ظهر الحوثيون بقوة ضاربة كسرت الجيش السعودي في معارك حدودية ادت لابتلاع الرياض هزيمة كبيرة وكذلك ظهر الحراك الجنوبي والقوتان مناوئتان للنظام السعودي بينما جماعة الرئيس علي عبدالله صالح تتفلت من قبضة المملكة السعودية وتتزايد المعلومات عن الدعم القطري لتنظيم الأخوان اليمني إضافة إلى سعي الدوحة لاستمالة مشايخ القبائل والعشائر الذين كانوا امتدادا سعوديا تقليديا في المعادلات اليمنية .

خاضت المملكة حربا شعواء ضد الزعيم الراحل جمال عبد النصر عندما ساند التغيير في اليمن وفرضت بالتعاون مع الغرب تقسيم هذا البلد الذي مول القادة السعوديون انقلاباته العسكرية المتعاقبة في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي لمنع انفصاله عن ركبهم السياسي في المنطقة وأرعبهم خطر تحول اليمن يوما ما إلى دولة مستقلة وفاعلة تملك مقومات الاستقرار والنمو فاستخدموا ورقة الضغط الاقتصادية المتمثلة بملايين العمال اليمنيين واوفدوا فلول القاعدة لإثارة القلاقل والاضطرابات بالتعاون مع الاستراتيجيات الأميركية التي تبني بعض طموحاتها الإفريقية في مجابهة الزحف الصيني على الاحتفاظ بنقطة ارتكاز يمنية أقامتها تحت عنوان مكافحة الإرهاب.

اليمن يفلت من قبضة آل سعود والتحولات الجارية على أرضه صاخبة ودامية والجوهري فيها هو تآكل النفوذ السعودي وارتفاع منسوب المخاطر التي قد تهدد المملكة انطلاقا من خاصرتها التاريخية.
وكالة أخبار الشرق الجديد – غالب قنديل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.