الكوميديا الاستشراقية

obama-kidding

موقع شاهد نيوز الإخباري ـ
هادي قبيسي:
شاهدنا الجرائم التي يرتكبها التكفيريون قبلاً، ورأينا ذلك الشكل الغريب من السلوكيات المثيرة للسخرية. مر ذلك في السرديات الاستشراقية  المتنوعة، رسائلَ وأدب رحلات وروايات وافلاماً سينمائية ودراسات دوائر التفكير. الشرقي المسلم هو ذلك الفاسد أخلاقياً، الدموي في حلوله للمشكلات والغارق في الإباحية، المخلوق الشاذ والعجائبي والذي لا يمكن مقارنته بالإنسان العادي، بل هو إنسان ذو مسحة أسطورية يمكن بها اجتذاب الجمهور.

الصورة التي أسقطها الغرب على الشرق لدواعٍ نفسية وغايات استراتيجية تتخذ الآن بعداً درامياً حداثوياً، انتقلنا إلى المسرح الواقعي، السيناريو يتحول إلى حالة تاريخية، وكذلك ساعدت ثورة الاتصالات في عولمة هذا المسرح، فنشاهد الشرق البربري على الشاشة مباشرةً ونتأكد بأنفسنا من الادعاء الغربي.

إثارة الحركات التكفيرية المتطرفة وفسح المجال لها لتؤدي مسرحيتها الدموية جعل من الخطاب الاستشراقي أداة فاعلة وسلطوية على الوعي العالمي والإسلامي والغربي. الشرقي ينبغي أن يكره نفسه وأفكاره ويتخلى عن دينه ويصبح شعار الإسلام هو الحل نكتة ساخرة.

كوميديا استشراقية متكاملة تجري في الميدان، يتولد منها فصل استكمالي آخر، يبدأ باندفاع الجمهور الشرقي نحو سيناريو الاعتدال مهما كانت الحبكة الدرامية التي تنطوي عليه، فتحت عنوان الاعتدال نشاهد دولاً وأنظمة تمارس ضبط النفس وتلتزم بشريعة التحضر والتعامل اللطيف مع الغرب. كذلك نرى مالاً عربياً يدعم كل ثورة تحارب المقاومة بتغطية اعتدالية مبررة ومنطقية، ونرى دولاً قديمة وأنظمة ثورية جديدة تتفاهم مع الغرب على كيفية اقتسام خيرات بلادها مع الشعب، وتتفق معه على تحديد من هو الإرهابي ومن هو “الإنسان المقبول”. يتدخل المخرج الغربي حتى في أدق تفاصيل المشهد فيحدد التحالفات والخصومات المقبولة وتلك التي تعد تخلفاً حضارياً أو سوء مواكبة للربيع.

اللطيف في المشهد الكلي هو لغة الكوميديا المستخدمة، فنقرأ في أحد النصوص الغربية المعنون “بناء الشبكات الإسلامية المعتدلة”: تشكل عملية تحديد وتمييز المعتدلين الحقيقيين عن الذين يدعون الاعتدال عقبة كبيرة تعرقل خط سير برامج التعامل الغربية. ويؤكد لاحقاً على حاجة الولايات المتحدة وحلفائها إلى وضع معايير واضحة تمكنها من عقد شراكات مع معتدلين اصليين. ثمة دقة في التعامل مع الأشياء الشرقية، تلك التحف الأسطورية، إلى حد الاضطرار لتفحص اعتدالها بتأنٍّ قبل التعامل معها.

تكتمل هنا اللعبة الدرامية. ثمة بطل مرعب يخيف الجمهور في طرف من المسرح، ليأتي من الطرف الآخر الكاوبوي على حصان أبيض بابتسامة عريضة مخلّصاً، ليدرك المشاهد من بعض الإيحاءات غير المباشرة، أن المخلص هو الذي أطلق رجل الرعب، ولكن المشاهد يظل متعاطفاً مع المخلص بنتيجة الحرارة الدرامية، ويصفق في نهاية المسرحية هاتفاً: الإسلام الأمريكي هو الحل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.