المسجد الأقصى.. وماذا بعد؟

abdelhossein-shaaban

صحيفة اليوم السعودية ـ
عبد الحسين شعبان:
أغلق المسجد الأقصى بقرار يكاد يكون نادرًا من سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» خصوصًا بتصاعد التوتر على خلفية اغتيال الجيش «الإسرائيلي» الأسير المحرر معتز إبراهيم حجازي، حيث كانت وحدة خاصة قد تسلّلت إلى منزله واستهدفته مباشرة بإطلاق الرصاص عليه، وهي ترتدي زيًّا مدنيًا، وبعدها قررت سلطات الاحتلال منع الرجال الذين تقل أعمارهم عن 50 عامًا الدخول إلى حرم المسجد الأقصى.
لم يرضخ الفلسطينيون بالطبع وحاول المقدسيون كسر القيود التي فرضها الاحتلال، وقاموا بتشييع جنازة الشهيد حجازي، وأعلن اعتبار الجمعة 30 أكتوبر المنصرم يوم غضب لنصرة المسجد الأقصى ودعمًا لحق المقدسيين بالدفاع عن أنفسهم في مواجهة الاستيطان والتهويد.
وقد أعيد فتح المسجد الأقصى في القدس الشرقية يوم 31 أكتوبر الماضي، لكن حالة التوتر لا تزال مستمرة، خصوصًا باتساع مشاريع التهويد والاستيطان والقضم التدريجي للقدس.
وكان نائب رئيس الكينيست الإسرائيلي موشيه فيغلن قد اقتحم الحرم المقدسي بعد قرار فتحه أمام اليهود، وذلك بعد يوم واحد من دعوة رئيس الوزراء بينيامين نتنياهو أعضاء الكنيست بالتحلّي بضبط النفس فيما يتعلق بالمسجد الأقصى بعد احتجاجات واسعة.
وكانت ذريعة «إسرائيل» إزاء المسجد الأقصى هي محاولة اغتيال الحاخام «الإسرائيلي» المتطرف يهودا جليك، وهو المسؤول عن تنظيم عمليات اقتحام المسجد الأقصى والمسؤول في منظمة «أمناء جبل الهيكل» المتطرفة. وهكذا تجد «إسرائيل» كل مرّة أعذارًا جديدة لاستكمال مخططها الجهنمي بتغيير طابع المسجد الأقصى.
إن خطوة «إسرائيل» بإغلاق المسجد الأقصى غير مسبوقة منذ احتلالها للقدس الشرقية العام 1967، ولعلّها جزء من الخطة «الإسرائيلية» بتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، وهي تكشف عن رغبة تل أبيب التي سبقت أن نفذتها بشأن الحرم الإبراهيمي في الخليل، وهكذا بدأت تتضح معالم الخطة الإسرائيلية بتحويل المسجد الأقصى من مسجد إسلامي تاريخي إلى جبل هيكل يهودي مزعوم.
وبالعودة إلى العام 1967 فقد سعى الصهاينة إلى احتلال القدس متخذين من بعض المزاعم الدينية حول الهيكل مبررًا للتهويد، وعمدت «إسرائيل» إلى إزالة الكثير من الأحياء والحارات العربية بدعوى تيسير زيارة اليهود لحائط المبكى، كما هي حارة المغاربة الشهيرة المجاورة لحائط المبكى المزعوم، وبدأت بإجراء حفريات حول المسجد الأقصى وتحته بدعوى البحث عن آثار هيكل سليمان، وكان لتلك الخطوات تأثيرات سلبية خطيرة على أساسات المسجد، لاسيّما توسيع الشوارع التي تخترق خط الهدنة وإعادة تبليطها من جديد، وهدم العشرات من المنازل العربية، وحلّ مجلس البلدية العربية، وإلحاقه ببلدية القدس التي تهيمن عليها.
وإذا كانت «إسرائيل» قد خاضت حروبها من أجل التوسّع والهيمنة وتحقيقًا لشعاراتها من النيل إلى الفرات وبالطبع من أجل الأمن، فإن موضوع القدس احتلّ مكانًا خاصًا في الصراع العربي- الإسرائيلي، ولم تأبه «إسرائيل» لقرارات الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو المعنية بالحفاظ على التراث والثقافة، ومطالباتهما بشأن احترام خصوصية القدس، ولاسيّما القسم العربي الذي تم احتلاله العام 1967، وضرورة وقف إجراءاتها لتغيير تركيبها السكاني، بل أقدمت على إصدار قرار من الكنيست في 30 يوليو (تموز) العام 1980 يقضي بضم القدس كجزء من التحدي للمجتمع الدولي ومشاعر المسلمين بشكل خاص والمتدينين بشكل عام، وخصوصًا عندما أعلنتها عاصمة أبدية موحدة لـ«إسرائيل»، علمًا بأن مجلس الأمن أصدر قرارًا اعتبر فيه قرار الكنيسيت غير قانوني وباطل، إذ إن القانون الدولي لا يعطي للدولة المحتلة الحق في الحصول على مكاسب سياسية جراء احتلالها للأراضي، ومنذ ذلك التاريخ والقدس يتم تهويدها بالتدريج، ولكن على نحو ممنهج ووفق خطط مدروسة.
وفي العام 1981 حفرت «إسرائيل» نفقًا شمال حائط المبكى وتحت المسجد الأقصى، وفي العام 1982 حاول مائير كاهانا قائد حركة كاخ الصهيونية المتطرفة تدمير قبة الصخرة، كما قامت السلطات الإسرائيلية في العام 1990 بارتكاب مجزرة بحق المصلين في المسجد الأقصى بعد أداء الصلاة، علمًا بأنه تم إحراق المسجد الأقصى في 21/آب (أغسطس) العام 1969 في ظل تواطؤ من جانب السلطات الإسرائيلية.
واستمرّت أعمال الحفريات والأنفاق تحت المسجد الأقصى، على نحو أشد بعد اتفاقية أوسلو العام 1993، وتم تأجيل قضية القدس إلى المرحلة النهائية العام 1999، لكن جميع القضايا المصيرية لم يتم بحثها، مثل قضية القدس والحدود وعودة اللاجئين وإقامة الدولة المستقلة التي أعلن عن قيامها في المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر العام 1988 والتي اعترف بها أكثر من ثلثي أعضاء الأمم المتحدة، وأقدمت دولة السويد قبل أيام على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، التي سبق أن أعلنت عاصمتها القدس الشريف.
وكان عدم حلّ القضايا المؤجلة للمرحلة النهائية سببًا أساسيًا في اندلاع الانتفاضة الثانية في 28 سبتمبر/أيلول لعام 2000، وكذلك من أسباب العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، والعدوان المتكرر على قطاع غزة في عام 2008-2009 وعام 2012 وعام 2014 المعروف بعملية «الجرف الصامد» والذي دام 51 يومًا، وكانت غزة قد تعرضت لحصار شامل من العام 2007.
لعلّ المخطط اليهودي في مشروع تهويد القدس الذي صدّق عليه في حينها وزير الدفاع إسحاق مردخاي يقوم على إقامة القدس الكبرى التي تصل مساحتها إلى 600 كم2 أو ما يعادل 10% من مساحة الضفة الغربية، والسعي إلى تهويد المدينة بالكامل، عبر المستوطنات الواقعة في المنطقة الشرقية وخارج حدود بلدية القدس الحالية. وتسعى «إسرائيل» عبر الترحيل والإجلاء وإلغاء تجديد الإقامات بالنسبة للموجودين في الخارج، أو الذين يسافرون ولا يستطيعون العودة في المدة المحددة إلى مواجهة القنبلة الديموغرافية العربية التي قد تصل بالعرب ليصبحوا أغلبية في العام 2050 حيث إن نسبة الإنجاب كبيرة لديهم، بعد أن كان عددهم منخفضًا في التسعينيات حيث بلغوا 25% في حين أصبح عدد اليهود 75%، ويتراجع عدد المسيحيين في المدينة بشكل ملحوظ، فبعد أن كان قبل الاحتلال عام 1948 حوالي 50 ألفًا، فإن عددهم اليوم أقل من خمسة آلاف، وتسعى «إسرائيل» لممارسة ضغوط مضاعفة ضد المسيحيين لإظهار الصراع في المنطقة باعتباره صراعًا يهوديًا- إسلاميًا، وليس وطنيًا فلسطينيًا عربيًا من أجل الحقوق، ولاسيّما استعادة الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف واستعادة المقدسات الفلسطينية بما فيها المسجد الأقصى.
لقد كان من مهمات لجنة القدس الموكلة إلى المغرب ورئاسة الملك الراحل الحسن الثاني ونجله اليوم الملك محمد السادس هو الدفاع عن المسجد الأقصى وإعادة إعماره، ولكننا نرى ونسمع يوميًا ما تقوم به «إسرائيل» إزاء المسجد الأقصى وإزاء تهويد القدس، وحتى اليوم فإن ردّة الفعل العربية والإسلامية هي دون المستوى المطلوب، خصوصًا بعد الإجراءات التهويدية المكثّفة التي شهدها العام 2013 والتي لو استكملت ستؤدي إلى طمس المعالم العربية، لاسيّما وأن المقدسيين يواجهون الاحتلال بصدور عارية وبظروف في غاية القسوة، الأمر الذي يتطلّب تحركًا عربيًا واسعًا يتم فيه ممارسة ضغوط مختلفة على المجتمع الدولي والأمم المتحدة، ولاسيّما مجلس الأمن لمنع «إسرائيل» من استكمال مخططها العدواني، وكذلك لتمكين المقدسيين بشكل خاص والفلسطينيين بشكل عام من الصمود ومن مواجهة مخططات الاحتلال الإسرائيلي.
ولا شكّ في أن خطوة من هذا القبيل التي تقوم بها «إسرائيل» قد تؤدي إلى امتداد التوتر والاحتجاج إلى مدن الضفة الغربية وقطاع غزة؛ لأن ما تقوم به «إسرائيل» هو استخفاف بتاريخ نحو 15 قرنًا وأمة كاملة تعدادها نحو مليار ونصف المليار من المسلمين ومعهم مسيحيو العالم الذين يرفضون ضم القدس وإجراءات التهويد.
باحث ومفكر عربي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.