المقصود بـ “الخطأ” الأميركي

496bd0dd-9436-4883-af04-0237cac9da54

قاسم عز الدين – الميادين نت
قد لا تكون الغارة الأميركية على الجيش السوري في جبل ثردة بعيدة عن مساعي رد الاعتبار لجبهة النصرة، على مأثرة عصفور في اليد، لكن استعادة الجيش السوري السريعة لمواقعه إثر تقدّم “داعش” على وقع الغارة الأميركية تشير إلى أن واشنطن تركب أعلى ما في خيلها.

الاتهامات المتبادلَة بين مندوبي موسكو وواشنطن في مجلس الأمن، ربما تكشف إلى حدٍّ بعيد أن الإدارة الأميركية تقصّدت الإغارة على الجيش السوري في إطار التصعيد مع موسكو. فاللهجة غير الدبلوماسية التي استخدمتها سامنثا باور تنمّ عن الأسباب الأميركية من وراء الغارة، في ردّها على نظيرها الروسي فيتالي تشوركين أثناء عرضه وقائع ميدانية.
قد يكون توقيع وزارة الخارجية الأميركية على اتفاق الهدنة مع موسكو، أحد الأسباب الرئيسة، بحسب إشارة تشوركين في تساؤله إذا كان البيت الأبيض يتخذ القرار أم وزارة الدفاع المناهضة للتهدئة في سوريا.
وفي هذا السياق ربما وقع جون كيري أسير تعهداته من قمة العشرين إلى جنيف تحت ملاحقة سيرغي لافروف وإلحاحه على اقتناص فرصة الأعياد.
تشوركين يكشف في فقرتين من اتفاق الهدنة على أولوية تحديد الأراضي التي تسيطر عليها جبهة النصرة، وعلى العمل معاً لهزيمتها، وقد يكون إصرار واشنطن على عدم الكشف عن الاتفاق، مبعث قلق مزمن من الوقوع في أزمة بين مواجهة إرهاب القاعدة وبين خسارة معارضاتها المسلّحة حال مواجهة النصرة.
وبين حدّي هذا المأزق علقت واشنطن في معضلة فصل النصرة عن الجماعات الأخرى منذ تفاهمات فيينا وميونيخ.
الغارة الأميركية على غرفة عمليات “فتح الشام” ومقتل قياديين من النصرة، زادت المأزق الأميركي تخبطاً، فلم تكشف عن عمليتها على الرغم من مساعي الإدارة لافتعال انتصارات مضخمة في مكافحة الإرهاب.
وفي هذا المناخ تخسر واشنطن في اتفاق الهدنة ثقة الجماعات المسلّحة بكافة فصائلها، لدرجة أن “الجيش الحر”، الأقل تشدداً، يلاحق فرار قوات النخبة الأميركية التي تقاتل إلى جانبه، من بلدة الراعي، كما أوضح رجب طيب أردوغان في مؤتمر صحافي.
ما تسعى إليه واشنطن في محاولة إمساكها بخيوط ميدانية عبر “الإغاثة الإنسانية”، تعجز عن السير به خطوة على طريق الكاستيلو؛ فالجماعات المسلّحة التي بلغت عشرين فصيلاً رفضت الاتفاق، كما نوّه بها أبو محمد الجولاني، متهمة واشنطن بالتآمر عليها مع موسكو لفرض الاستسلام مقابل الغذاء، بحسب قوله.
وفي واقع الأمر تأمل هذه الجماعات انتهاز فرصة الهدنة لتحسين مواقعها العسكرية على جبهة الراموسة وتحشيد مقاتليها من الجبهات الخلفية لكسر الطوق والسيطرة على حلب، بحسب ادعاءات النصرة وجيش الفتح.
موسكو المكتوية بانقلاب المعادلات بموازاة هدنة خان طومان، تستمر في مهاجمة هذه القواعد الخلفية في إدلب وريف حلب، أملاً بنجاح الإغاثة واتفاق الهدنة الذي قد يفتح الطريق أمام مفاوضات سياسية، وفق دعوات لافروف وستيفان دي ميستورا في لقاءات جنيف مع جون كيري. لكن التزام الحكومة السورية من جانب واحد في هذه الهدنة “لا معنى له”، بحسب تعبير قائد الجيش الروسي سيرغي رودسكوي.
وربما قد يكون لا معنى له أيضاً في الضفة المقابلة لروسيا على جبهة “دول أصدقاء سوريا” التي تلتقي في نيويورك بدعوة من السعودية للاتفاق على “مستقبل سوريا السياسي”. فهذه الدول تتبنّى ما أعلنه رئيس الهيئة التفاوضية رياض حجاب فيما سماه مرحلة انتقالية من دون الرئيس السوري بشار الأسد، وتتبنى بشكل أو آخر دعوة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير تزويد الجماعات المسلّحة بأسلحة نوعية ودعمها لتغيير المعادلات في حلب على وجه الخصوص. وقد تكون مساعي هذه الدول لتبنّي إدراج هيئات حزب الله على لائحة الإرهاب بطلب من السعودية، مراهنة على رد الاعتبار لجبهة النصرة التي تلمّ حولها معظم الجماعات المسلّحة ورأسها المدبّر.
وقد لا تكون الغارة الأميركية على الجيش السوري في جبل ثردة بعيدة عن مساعي رد الاعتبار للنصرة، على مأثرة عصفور في اليد. لكن استعادة الجيش السوري السريعة لمواقعه إثر تقدّم “داعش” على وقع الغارة الأميركية تشير إلى أن واشنطن تركب أعلى ما في خيلها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.