المنطقة عودٌ على بدء… بمعطيات جديدة

hassan-choukeir-america-region

موقع إنباء الإخباري ـ
حسن شقير:

بسرعة البرق، وكلمح البصر، دارت عجلة المصالحة القطرية – الخليجية، وذلك تأسيساً لما تم الإتفاق عليه في القمة الإستثنائية، والتي عُقدت في تشرين الثاني الماضي في الرياض،  ليُفتح المجال بعدها واسعاً أمام عقد القمة الخليجية الإعتيادية لقادة مجلس التعاون الخليجيي في الدوحة في التاسع من الشهر الجاري ….  لتُشرّع الأبواب مباشرة أمام الخطوة اللاحقة – والتي نعتقد بمركزيتها  – والمتمثلة  في مد جسور العلاقة مجدداً ما بين الدوحة ومصر…-  وذلك على ما اعتقدنا، ومنذ القمة الإستثنائية –  بأنه مطلبٌ أمريكي رئيسي فُرض على جناحي التحالف الأمريكي الجديد..
لم تمض أيام قلائل، حتى بدأت الدوحة تخطو خطواتها العملية في سبيل تحقيق تلك المصالحة، وذلك في البدء بتنفيذ ما اتفق عليه بخصوص ملفي الإخوان المسلمين، وملف الإعلام الذي عبرت القاهرة عن انزعاجها منه، وفي أكثر من مناسبة …
رافق ذلك وسبقه مجموعة من التطورات الملفتة: وضع الإمارات لائحتها للمنظمات الإرهابية، والتي كان ملفتاً فيها إدراج ما يسمى بالإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعلى رأسه الشيخ الإخواني يوسف القرضاوي، ذو الجنسية المزدوجة (مصرية – قطرية)، تصميم صهيوني بعدم رفع الحصار عن قطاع غزة، وذلك نقضاً لإتفاق القاهرة، والذي أوقف عملية الجرف الصامد ضد القطاع، فضلا ً عن إجراءات مصرية مشددة على حدود القطاع المصرية، وذلك من خلال تدمير الأنفاق، وإقامة المنطقة العازلة وتوسيعها عند حدود القطاع ….
ولكن، وعلى الرغم عما حُكي عن تطمينات قطرية لحماس وقيادتها السياسية المقيمة في الدوحة، بأن مسألة الدعم القطري للحركة لن يتبدل بتبدل موقف الدوحة من الإخوان، إلا ّ أن التسريبات تتوالى بأن الدوحة قد بدأت فعلياً بالضغط على حماس، وسرت معلومات بأن دعمها للحركة قد تقنن، آو حتى قد توقف … مما جعل من حركة حماس تستدير مجدداً نحو محور الممانعة، وتحديداً نحو إيران، وذلك تجلى في زيارات قادتها إلى طهران مؤخراً، كتمهيدٍ لزيارة أبي الوليد، رئيس المكتب السياسي للحركة، وذلك بعد انقطاع طويل … هذا إضافة إلى عبارات الشكر التي أطلقها الناطق العسكري باسم كتائب القسام، للجمهورية الإسلامية، ودعمها المتواصل للحركة… الأمر الذي يُشير إلى أن الإستدارة الحمساوية هذه المرة، هي سياسية وعسكرية على حد سواء.
السؤال البديهي: لماذا لم تلتجئ حركة حماس إلى حاضنتها الإخوانية الثانية، ألا وهي تركيا ، بدلا ً من العودة مجدداً  إلى الحضن الإيراني؟
هذا التساؤل زادنا اعتقاداً لما كنا اعتقدناه على الدوام، بأن أمريكا ومعها الكيان الصهيوني، لا يرون في إمكانية حكم الإخوان في المنطقة، إلا ّ تنفيذاً لمصالحهما الإستراتيجية، والتي من بينها – وبكل تأكيد – أمن الكيان الصهيوني، بحيث أن مشروع الإخوان في المنطقة، ودائماً بحسب المرتجى الأمريكي منه، كان لا بد له من أن يُتوج بتدجين ما يُسمى بالجهادية السنية في المنطقة، وعلى رآسها حركة حماس، وذلك في مقدمة لتدجين الأمة الإسلامية من وراءها بالنموذج والرؤية الأمريكية للجهاد السني، والذي كتبنا عنه يوما ً، في مقالة سابقة في العام ٢٠١٢، والتي اعترضنا فيها يومئذ على شكر أبي الوليد تركيا في تقديمها  “النموذج الذي يُحتذى به”، والتي كانت بعنوان ( تركيا المؤسرلة مدعاة لشكر الله!  نشرت بتاريخ 09-10-2012)
بعد تاريخ هذه المقالة، خاضت حركة حماس حربين مع الكيان الصهيوني، وهما “عامود السحاب” و “الجرف الصامد” واللتين برهنتا عن أن حركة حماس المقاومة، لم ولن تتخلى عن مشروعها المقاوم للإحتلال، ولن تحتذي بنموذج جهادي قائم على الممانعة اللفظية والتطبيع العملي .. وذلك كما أريد لها من قبل أمريكا والكيان الصهيوني، وذلك بعيد انطلاق ما سُمي بربيع العرب .
إذاً، لقد أصبح واضحاً أمام حركة حماس أن الإلتجاء إلى الحضن التركي له شروطه وأثمانه الباهظة على مصير الحركة، كحركة مقاومة لها شهداؤها وجرحاها وأسراها وعوائلهم أيضاً… بحيث أن هؤلاء ليسوا إلا  جزءاً أساسياً من نسيج  الحركة ونضالها المستمر منذ عشرات السنين.
بالأمس القريب أعطت تركيا أولى إشاراتها، نحو القيادة المصرية ما بعد الإخوانية، وإن كانت ذُيّلت ببعض المطالب المعينة… إلا أن ذلك قد يؤشر إلى بداية انفتاح تركي على مصر، بعد المحطة القطرية، وذلك تجاوزاً للخلافات السابقة .. فإلى ماذا يؤشر ذلك؟ وهل هناك نية أمريكية لبناء أحلاف ومحاور جديدة في المنطقة، وذلك لمواجهة أحلاف ومحاور مقابلة، يُخاض اليوم على أرضها  صراعات دامية، في حين أنها تُكافح في سبيل إيقاف النزف والإستنزاف من بين ظهرانيها، وذلك رغماً وتمرداً على ما تريد لها أمريكا من أن تتسمر عنده؟
لعل التطورات المتسارعة،  والتي تحدث على الأراضي العراقية ، وذلك فيما خص الرغبة العراقية – الإيرانية الواضحة في الميدان، بضرورة دحر الدواعش من العراق، في تسارع لوتيرة العمليات العسكرية للجيش العراقي، ومعه قوات الحشد الشعبي، وقوات البيشمركة الكردية، هذا فضلا ً عن رفض العراق المطلق لتسليح العشائر العراقية في الأنبار بعيداً عن الدولة العراقية… بحيث أن كل ذلك يحدث بغير رضى أمريكي واضح، وذلك يتجلى من خلال تكرار عمليات تزويد الدواعش في أماكن القتال، بمعدات عسكرية “عن طريق الخطأ” على ما تدعيه أمريكا ، وهذا يحدث للمرة السادسة على التوالي، والهدف الأمريكي واضح وجلي، لفرض نوع من التوازن العسكري على الأرض، ولإطالة أمد الحرب الأمريكية على الإرهاب، والتي قُدّر  لها أمريكياً، أعوامٌ ثلاث على أقل تقدير!!
إذاً، الميدان العراقي لا يلعب لصالح تحقيق الأهداف الأمريكية لتلك الحرب الجوفاء على الإرهاب … وكذا الميدان السوري، لا يبعد في تطوراته عن سابقه العراقي، فالإجتماع الذي جرى مؤخراً في طهران بين وزراء خارجية كل من إيران وسوريا والعراق اعتبر مدماكاً اساسياً في وضع تصور تنسيقي لضرب الإرهاب واستئصاله من كل من العراق وسوريا، على حد سواء، وذلك بالتكامل مع خطوات سياسية ستتخذها الحكومة السورية في اجتماع موسكو المرتقب مع قوى المعارضة، تزامناً مع قطع الطريق – روسياً وإيرانياً – على ما سمي بخطة دي مستورا بنسختها الأولية، والتي كانت تهدف لفرض واقع مستجد على الأرض السورية، يصب في خدمة مشاريع التقسيم لسوريا الدولة، أو حتى استبدال هذه الأخيرة، بدويلة جديدة (كما أوضحنا في مقالات سابقة).
يبدو أن الأيام والشهور القادمة ستشهد إصراراً إضافياً من قبل ترويكا (إيران – العراق – سوريا) للخلاص من براثن الإستنزاف الداعشي من جهة… وإجهاض مخطط أمريكا في إطالة الحرب على الدواعش من جهة ثانية، وذلك لفرض واقع سياسي جديد، في كل من العراق وسوريا على وجه التحديد، بحيث يمكن البناء عليه … وبالتالي فإن الخطة ب في الدرج الأمريكي، والتي نراها جاهزةً على الدوام …. فلربما تكون أولى تباشيرها ما شهدناه بالأمس من مصالحة خليجية – خليجية، وتلاها على الفور مصالحة قطرية – مصرية، ومؤشرات أخرى على السير بمصالحة تركية – مصرية… وذلك كله قد يؤشر إلى أن العقل الإستثماري والإستغلالي الأمريكي، والباحث على الدوام لحماية مصالح أمريكا في المنطقة، وتحديداً لناحية قطع الطريق على النفوذ الروسي فيها، والساعي – أي هذا العقل – لضمان أمن الكيان الصهيوني، وبالحدود الدنيا للتدخل الأمريكي المباشر، وذلك منذ أيار من  العام 2010 (تاريخ وضع الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في عهد أوباما)، والتي فصّلت في مظلة الحماية الأمنية تلك …
لذلك ، ولأجل التعويض الأمريكي عن النكسات في الخطة أ، فإن أمريكا تسعى من خلال تحالفها الجديد، وفرض  المصالحات على أجنحته، وذلك لتأسيس محور جديد، يدمج ما بين جناحي المحور السابق على جانبيها، يضم كل من مصر وتركيا والدول الخليجية، ومعهم بعض من باقي دول ما يُسمى بمحور الإعتدال العربي، يتترّس خلفهم الكيان الصهيوني  … مقابل محور أخر، يعمل على بلسمة جراحه النازفة، ليقف من جديد …. مع معطيات جديدة تتغلغل في ثنايا دوله ، متمثلةً بإرهاب في داخله (سوريا والعراق) ، وحصار وتضييقٍ  على اقتصاده ( إيران )  ، وخنقٍ لبعض أذرعه (قطاع غزة متمثلا ً بفصائله المقاومة)، هذا إضافة إلى إلهاء واستنزاف لبعضها الأخر(لبنان متمثلا بمقاومته وجيشه).
باحث وكاتب سياسي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.