اليوم العالمي للألزهايمر بنكهة عربية!

Gulf Cooperation Council (GCC)

 

صحيفة البناء اللبنانية ـ

ليلى زيدان عبد الخالق:

يحتفل العالم في الحادي والعشرين من أيلول من كلّ عام باليوم العالمي للألزهايمر. ويعاني حول العالم نحو 35 مليون شخص من هذا المرض الذي يسمّيه العرب بـ«مرض العته» أو «الخرف». وتشير الإحصاءات إلى أنّ هذه العدد قابل جدّاً للزيادة ومن المتوقع أن يتضاعف ليصل إلى 115 مليوناً مع حلول عام 2050.

ومن دون الولوج في أسباب هذا المرض وعوارضه وانعكاساته الصحية والنفسية على الإنسان وفي طرق علاجه أو الوقاية منه وفي السبل الآيلة إلى الاهتمام بمن ابتلي به فإن ما آلت إليه الأحداث في المنطقة خلال الفترة الأخيرة يكشف عن ألزهايمر عنيف ضرب بعض الأنظمة العربية لا سيما الخليجية فأضحت تصرّفاتها بفعل هذا «الخرف» تحاكي تارةً التكبّر التركيّ وطوراً العنجهية الأميركية وغالباً المكر الصهيونيّ لا بل إنّ بعض هذه الأنظمة ذهب به الخرف إلى أبعد من ذلك إلى التواطؤ المباشر والعلنيّ مع «إسرائيل» ضدّ فلسطين والمقاومة.

بحّت أصواتنا ونحن نقول إنّ ما يجري في المنطقة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بـ«الحلم الصهيوني» المنادي بـ«أرض إسرائيل من الفرات إلى النيل» إلا أن ما يحصل اليوم لا يمكن إلا أن يخدم الصهاينة وما دوّنه حكماؤهم في البروتوكولات التي صدرت عقب مؤتمر بال في سويسرا.

إن تجاهل بعض العرب الكثير مما كُتب عن فشل الخطّة الصهيونية في الوصول إلى مراميها بعد 100 عام على مؤتمر بال وعن الخطط السريعة البديلة من أجل حفظ ماء الوجه أولاً والتخفيف من وطأة الهزائم التي منيت بها «إسرائيل» بدءاً بتحرير جنوب لبنان عام 2000 ومروراً بهزيمتها في تموز عام 2006 وفي غزة عام 2007 هذا التجاهل العربي لا يمكن أن يفسّر إلا من باب «أعرف لكنني أنكر» لا بل من باب «أعرف لكنني موافق على الاحتلال». لكن الخرف استفحل جدّاً في عقول هؤلاء العربان إذ أنهم لا يزالون مؤمنين بأنّ «إسرائيل» هي القوية وأنّ المقاومة إلى زوال وأن استرجاع فلسطين أضحى أضغاث أحلام.

هم لا يدركون أن تحرير فلسطين أمر أصبح خلف مخطّطات المقاومة إذ أنه بات محسوماً لكن العمل اليوم منصبّ على عدم وقوع البلاد في شر الفتن الطائفية المستطير. إذ ما قيمة تحرير فلسطين وطرد الصهاينة منها وإعلان وفاة «إسرائيل» إذا ترافق ذلك مع حروب طائفية ومذهبية منتشرة في طول البلاد وعرضها.

هم لا يدركون أن المعركة الدائرة اليوم تحت مسمّى «الربيع العربي» هي معركة محسومة لصالح الحق على الباطل ولصالح القويّ على المنهزم أسير الجراح المتتالية منذ أيار عام 2000. هم لا يدركون أنّ المقاومة منتصرة وأن سورية منتصرة وأنّ لبنان منتصر وأنّ العراق منتصر وأن الاعتدال الحقيقي في العالم المتمثل بمحور روسيا ـ إيران ـ الصين ودول البركس منتصر في وجه الإدارة الأميركية التي تسيطر عليها اللوبيات الصهيونية والتي سعت خلال العقود الماضية جاهدةً من أجل تكريس أحادية القرار العالمي فتبرّر لنفسها اجتياحاً هنا وتدخلات سافرة هناك واغتيالات أينما كان.

ما لا يعرفه المصابون بالألزهايمر من عربان اليوم أنّ الباطل مهما علا شأنه يبقى باطلاً وأن الحق مهما تحلى بنعمة الصبر يبقى حقاً وأن الذرائع والتبريرات لا يمكنها أن تقوّض القضايا الأساسية وأنّ التاريخ لم يسجّل على لوح المجد إلا الأحرار لا الأذلاء.

هم يراهنون على سقوط المقاومة وسقوط داعميها في هذه المعركة لكنّهم واهمون وما يثير الشفقة أنّهم يعملون ليلاً ونهاراً وفي شتّى الميادين من أجل إطالة عمر المعركة أملاً بهزيمة سورية والمقاومة فتراهم يمدّون التكفيريين بقّاري البطون وقاطعي الرؤوس وأكلة الأكباد ومغتالي الأطفال بالعتاد والمال والسلاح ويسدّدون رواتب من أسموا أنفسهم معارضين ليتمكّنوا من تسديد بدلات الفنادق الفخمة في فرنسا وبريطانيا وتركيا ويزرعون الفتنة في لبنان ويغذّونها من أجل التضييق على المقاومة وتأليب الشعب عليها. وعندما تتجه المعركة شيئاً فشيئاً نحو الحسم يستنفرون ويجترحون حوادث تعيد خلط الأوراق من جديد كما حدث في الغوطة عندما استعملت «جبهة النصرة» الأسلحة الكيماوية واتّهمت الجيش العربي السوريّ بذلك ورغم الشهادات الكثيرة والتأكيدات من دول كبرى وجهات عالمية بأن ما يسمى «المعارضة السورية» استعملت الكيماوي فإن بعض العرب أصابه التعنّت إلى جانب الخرف ولا يزال مصرّاً على رأيه بأن النظام هو من ارتكب هذه المجزرة وكلّ ذلك بهدف استحضار الضربة الأميركية التي ماتت قبل أن تولد ظنّاً منهم بأنّ هذه الضربة ستقضي على سورية وعلى قوّة المقاومة.

وإذا كان هذا البعض من الأنظمة أصابه الألزهايمر فإن الشعوب التي تحكمها تلك الأنظمة مطالبة اليوم بوقفة صريحة: هل نحن مع فلسطين أم مع «إسرائيل»؟ فإذا كان الجواب يتضمّن الشق الثاني فعلى الكرامة العربية السلام وإذا كانت فلسطين ما زالت تعني شيئاً لهذه الشعوب فما على هذه الشعوب إلا الانتفاض في وجه أنظمتها وتحقّق ربيعاً حقيقياً.

تستحضرني هنا رائعة الفيلسوف جبران خليل جبران «الأضراس المسوّسة» وفيها يصف كيف كان يعاني العذاب مع ضرسه المسوّس والأمرّين مع طبيب الأسنان الذي كان يفضّل دائماً حفر جوانب الضرس وتنظيف زواياه والتفنن بتطهيره من العلّة وبحشو ثقوبه بالذهب الخالص.

ثم يقارن جبران ذلك بأحوال البشر والأمة فيقول: «في فم الجامعة البشرية أضراس مسوّسة وقد نخرتها العلّة حتى بلغت عظم الفكّ غير أن الجامعة البشرية لا تستأصلها لترتاح من أوجاعها بل تكتفي بتمريضها وتنظيف خارجها وملء ثقوبها بالذهب اللمّاع.

و ما أكثر الأطبّاء الذين يداوون أضراس الإنسانية بالطلاء الجميل والمواد البرّاقة. وما أكثرالمرضى الذين يستسلمون إلى مشيئة أولئك الأطبّاء المصلحين فيتوجّعون ويسقمون ثم يموتون بعلّتهم مخدوعين. غير أن الأمة التي تعتلّ ثم تموت لا تبعث ثانيةً لتظهر للملأ أسباب الأمراض المعنوية وماهية الأدواء الاجتماعية التي تؤول بالأمم إلى الانقراض والعدم…».

في اليوم العالمي للألزهايمر قد لا تفيد مراكز الاستشفاء ولا دور العناية بالتخفيف من وطأة هذا المرض لأن أطباء العالم وإن توصلوا إلى إحصاءات مساعِدة وحلول آنية وأخرى جذرية فإن هذا المرض بالنكهة العربية لا يفيده إلا الكيّ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.