انتخابات إسرائيل تثير قلق المنطقة

وكالة الأنباء القطرية:

لعل من بين أكثر الانتخابات إثارة للجدل السياسي في العالم تلك التي تجري في إسرائيل بين الفينة والأخرى سواء لتعددها أو لما تَحمله في طياتها من تناقضات أغلبها يصب في صالح التعصب والتطرف اليميني ولما تستولده من انعكاسات أمنية وسياسية على المشهد الداخلي في إسرائيل وما يلقيه من تبعات ويسفر عنه من تحولات وتغييرات أو على الوضع السياسي والأمني الفلسطيني والإقليمي لما يسفر عنه من نتائج ربما تكون دراماتيكية في أحيان كثيرة لجهة التطرف واليمينية والشوفينية أو حتى لتأثيرها في القرار السياسي الأمريكي والغربي .

 فبعد حل “البرلمان” الكنيست الإسرائيلي التاسع عشر وتحديد موعد الانتخابات المبكرة في السابع عشر من مارس المقبل برزت أسئلة عديدة عن خصائص النظام السياسي الإسرائيلي فضلاً عن التكتلات الحزبية التي تشكل الأطياف السياسية.

وثمة عوامل سرّعت في تحولات المشهد السياسي الإسرائيلي… ومن بين القضايا الخلافية في الائتلاف الحكومي الذي كان من منذ البداية تحالفاً هشاً عدة أمور أهمها رفع ميزانية وزارة الحرب “الدفاع” إضافة إلى مشروع قانون ينص على تعريف إسرائيل كدولة “قومية” لليهود حيث وفي أول تصويت على قرار حل الحكومة داخل الكنيست صوت 84 نائباً من أصل 120 لصالح حل البرلمان، مقابل امتناع نائب واحد عن التصويت.

ومما يسترعي الانتباه في الحراك السياسي الإسرائيلي الداخلي أنه تمّ إقرار الانتخابات الإسرائيلية المبكرة بعد سجالات متشعبة بين الأطياف السياسية حول الاعتبارات الأمنية وميزانية عام 2015، فضلاً عن القلق المتزايد من اقتراب التوصل إلى اتفاق نهائي بين إيران والدول خمسة زائد واحدة بشأن القضية النووية الإيرانية ناهيك عن توتر العلاقات مع الولايات المتحدة.

ويبدو بأن الحملات الإنتخابية قد انطلقت مبكرا وعقب تحديد موعد الانتخابات المبكرة مباشرة إذ تمّ التوصل إلى تفاهمات حول خوض حزب العمل الإسرائيلي برئاسة يتسحاق هرتسوغ وحزب “هتنوعا” الذي تقوده تسيبي ليفني الإنتخابات المقبلة ضمن قائمة واحدة بينما يستعد وزير الداخلية السابق جدعون ساعر للعودة إلى صفوف “الليكود” ومنافسة نتانياهوعلى رئاسته.

ووفقا للتفاهمات، فإن هرتسوغ سيرأس القائمة، فيما ستكون ليفني في المكان الثاني. ويجري التفاوض بين الجانبين حالياً حول عدد ممثلي حزب “هتنوعا “عمير بيرتس وعمرام متسناع ومائير شيطريت، في المراكز العشرة الأولى في القائمة، وتحصين أماكن لهم في القائمة المشتركة عموماً.

وظهرت مؤشرات عبر عدد من قادة الأحزاب العربية في إسرائيل تؤكد أنها ستخوض الانتخابات بقائمة عربية موحدة، بغية تجاوز عقدة نسبة الحسم التي تصل إلى 2.2 بالمئة من إجمالي عدد الناخبين في إسرائيل.

وفيما يتعلق بالتوقعات لرئاسة الحكومة بعد الانتخابات تشير استطلاعات الرأي إلى أن 65 بالمئة هم ضد تعيين نتانياهو رئيساً جديداً للوزراء في الحكومة التي سيتم تشكيلها إثر الانتخابات، مقابل 30 بالمائة فقط يؤيدونه.

ويقول متابعون لتحولات المشهد الإسرائيلي أن هناك أسماء عديدة قد تنافس على رئاسة الحكومة منها نفتالي بينيت زعيم حزب البيت اليهودي ذو التوجه الديني القومي اليميني الداعم لسياسة الاستيطان ووزير الخارجية الحالي أفيغدور ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا الذي أنهى تحالفه مع  الليكود ويريد الابتعاد على المستوى الحكومي مستقبلا …كما أن من بين  السياسيين الآخرين الراغبين في المنافسة، اثنان من  الليكود هما جدعون ساعر وزير الداخلية السابق، الذي أعلن قبل شهرين اعتزال السياسة، إضافة إلى موشيه كاهلون، أحد المقربين السابقين من نتانياهو والذي انسحب من  الليكود عام 2013. وفي حال حصول كاهلون على تزكية من الحزب فإن الاحتمالات ستكون عالية لجذب ناخبين من يسار الوسط.

وإلى حين حلول موعد الانتخابات فمن المتوقع حصول تشظيات واندماجات حزبية وكذلك تشكيل أحزاب وتكتلات ستتبنى بكل تأكيد خطابات سياسية واجتماعية من شأنها الحصول على مزيد من مقاعد الكنيست.

لكن ثمة خصائص للنظام السياسي في إسرائيل تتضح قبل كل انتخابات ولعل من أهمها أن الائتلافات والتكتلات تحصل عادة بين أحزاب من طيف سياسي واحد له مواقف متقاربة فيما تتآكل أكثر التكتلات مع مرور الوقت أو تتم عملية الدمج بين أحزابها المختلفة خاصة عند تشكيل قوائم لخوض الانتخابات العامة وهذا ربما يحصل أثناء خوض الانتخابات في مارس المقبل…فحزب العمل الذي قاد إسرائيل لسنوات عديدة كان محصلة سلسلة طويلة ومعقدة من الإندماجات بين أحزاب المعسكر اليساري في حين تَشَكّلَ الليكود من ائتلاف أحزاب اليمين والوسط مع بعض أفراد حزب العمل الذين انشقوا عن حزب العمل وأيدوا فكرة ما يسمى بـ”أرض إسرائيل الكاملة” الأمر الذي أتاح في المقابل وكردة فعل على هذا التطرف دخول الأقلية العربية وأحزابها المختلفة اللعبة الانتخابية في إسرائيل.

ومع انتقال وصعود الأحزاب الدينية الشرقية والغربية ممثلة بحركتي “شاس” و”المفدال” إلى واجهة العمل السياسي في عقد التسعينيات من القرن الماضي، باتت الخريطة السياسية تتشكل من أربعة أطياف رئيسية تكتل حزب العمل وحلفاؤه وتكتل الليكود وحلفاؤه بما فيها حزب إسرائيل بيتنا الذي يتزعمه أفيغدور ليبرمان، فضلاً عن الأحزاب الدينية، الغربية والشرقية، وتكتل الأحزاب العربية.

وإذا كان موعد إجراء هذه الانتخابات المبكرة قد تقرر في 17 مارس المقبل إثر دعوة نتنياهو اليها فهو يطمع في أن تتيح له نتائجها ولاية ثالثة على التوالي بعد أن قام بتصفية خصومه سياسيا بإبعادهم عن طريق منافسته وأهمهما وزيرا المالية يائير لابيد والعدل تسيبي ليفني بسبب انتقادهما لسياسته …في حين يعول نتنياهو على المستوطنين والمتطرفين واليمينيين لضمان تكرار ولايته لتأييدهم سياسته العنصرية والاستيطانية وذلك رغم تراجع حزب الليكود بزعامته حسب أحدث استطلاعات للرأي في إسرائيل فإن هذه الاستطلاعات تشير أيضا إلى أن الجناح اليميني المتشدد في حزب الليكود الذي يتزعمه نتانياهو المرشح المشترك لحزب “إسرائيل بيتنا” اليميني المتطرف سيحصل على 32 مقعدا وبالتالي فإنه سيحصل على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان.

وفي الوقت الذي يعاني فيه الإسرائيليون بالمقارنة مع المشاكل الأمنية والشؤون الخارجية المزيد من القلق من المشاكل الاقتصادية والقضايا الداخلية والاجتماعية حيث بلغت نسبة العجز المالي الإجمالي في إسرائيل 4.2%، ووفقا لنتائج استطلاع الرأي قامت به صحيفة هآرتس الإسرائيلية يعتقد 47% من الشعب الإسرائيلي أن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الاكثر الحاحا. وقد وعد نتنياهو الإسرائيليين في عام 2012 بتعيين وزير للإشراف على توزيع الأراضي عليهم وخفض أسعار المساكن مما يضع الناخبين في مواجهة  قرار تاريخي حيث إن التصويت للقوى اليمينية يعني التصويت للحرب والتطرف .

ويتوقع المحللون، بأن قوى اليمين المتطرف الإسرائيلية المعروفة وراء فوز نتنياهو في حال حصوله ، مما قد يجعل من الحكومة الإسرائيلية المقبلة أكثر حكومة يمينية في تاريخ إسرائيل حيث قال نتنياهو في آخر كلمة له عشية الانتخابات إن ضمان أمن إسرائيل بمواصلة بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية حتى لو كانت هناك اعتراضات دولية.

وعليه فإن العديد من بلدان الشرق الأوسط قلقة من فوز نتنياهو مرة أخرى حيث إن استئناف محادثات السلام الفلسطينية ـ الإسرائيلية سوف تكون أكثر مراوغة ومن المرجح أن يزداد تدهور العلاقات الإسرائيلية الغربية حيث إن فوز الحكومة الإسرائيلية الحالية سوف يزيد من الفوضى في الشرق الأوسط… ويعتقد المراقبون بأن المجازر الأخيرة في غزة تذكر العالم مرة أخرى بالمجازر التي ارتكبتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وإن السماح لمثل هذه الجرائم بالتكرار سوف تصبح إهانة للامة العربية. كما أن الأزمة السورية أصبحت إحدى المشاكل التي تثير قلق إسرائيل. وبالإضافة إلى ذلك، تسعى الحكومة الإسرائيلية الحالية إلى القيام بهجمات عسكرية وقائية في الإقليم  ومن المحتمل أن تزيد الحكومة الإسرائيلية مثل هذه الإجراءات في فترة الولاية القادمة. وبمجرد أن تصبح الضربة العسكرية حقيقة واقعة أو نشوب حرب في المنطقة سوف تكون كارثة على الشرق الأوسط.

وأعرب هؤلاء المراقبون عن مخاوفهم إزاء الوضع الفلسطيني في المستقبل حيث يعتقدون بأن نتنياهو طالما طبق إجراءات صارمة ضد الشعب الفلسطيني ابتداء من الهجمات العسكرية حتى فرض المستوطنات اليهودية، جميعها لحقت الضرر المباشر بحقوق ومصالح الشعب الفلسطيني، وبالإضافة الى ذلك، فإن حكومة نتنياهو كثيرا ما تنكث بوعدها .

لذلك، فإن فوز نتنياهو لفترة أخرى سوف يجعل العلاقات العربيةـ الإسرائيلية  تواجه المزيد من الصعوبات والتحديات خلال السنوات القليلة المقبلة …في حين تشعر الولايات المتحدة التي تنتهج سياسة منحازة لإسرائيل بان عليها مواجهة نتنياهو في الفترة المتبقية من ولاية الرئيس أوباما عبر الضغط عليه لإعادة الحياة لعملية السلام الشرق الأوسطية حفاظا على مصالحها وعلى ما تدعيه من حرص على أمن اسرائيل المهدد حسب رأيها بتعنت سياسة نتياهو ومواقفه المتطرفة.

ولضمان عودته من جديدة لسدة الحكم في اسرائيل يسعى نتنياهو إلى إقحام الإدارة الأمريكية في معركته الإنتخابية بافتعاله معركة دبلوماسية مع الرئيس الامريكي باراك أوباما عبر الكونجرس الذي يغلب عليه “الجمهوريون” وذلك إثر ازدياد صورة العلاقة الأمريكية ــ الإسرائيلية تعقيدا بعد تأكيد رئيس مجلس النواب الأمريكي جون بوينر ،أن نتنياهو طلب منه تأجيل موعد كلمته أمام مجلسَي الكونغرس، لتقترب أكثر من موعد الانتخابات الإسرائيلية.

وأشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى، أن نتنياهو معنيّ بأن تحقق زيارته إلى أمريكا هدفَي إلقاء كلمته أمام الكونغرس وحضور المؤتمر السنوي للوبي الصهيوني (إيباك) في واشنطن.

وأوضح معلقون إسرائيليون بأنه لا ريب في أن دعوة رئيس الحكومة لإلقاء خطاب في الكونغرس تبدو محاولة للتدخل لمصلحة نتنياهو في المعركة الانتخابية الإسرائيلية، كما أشاروا إلى أن الدعوة تمثل تحدياً لأوباما الذي يختلف مع نتنياهو في إدارة عدد من مشاكل وقضايا الشرق الاوسط .

ومعروف أن البيت الأبيض الأمريكي ووزارة الخارجية ردّتا بغضب على دعوة الكونجرس لنتنياهو واعتبرتاها خرقاً للأعراف الدبلوماسية، بل إن وزير الخارجية جون كيري أشار للأمر بالقول إن الإدارة ترحّب دوماً بزيارة رئيس حكومة إسرائيل إلا أن الأمر كان شاذاً بعض الشيء أن نسمع عن دعوة لإلقاء خطاب كهذا من رئيس مجلس النواب .

كما أن البيت الأبيض استبق الزيارة وأعلن أن أوباما لن يلتقي نتنياهو عند زيارته واشنطن.

وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي برناديت ميهان إن سبب إحجام أوباما عن دعوة نتنياهو لمحادثات في البيت الأبيض هو تجنّب الظهور كمن يحاول التأثير على الانتخابات الإسرائيلية.

وعلى صعيد الأحزاب العربية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 والمنافسة بقوة لنتنياهو فهي ولأول مرة في تاريخها تتفق على خوض هذه الانتخابات ضمن قائمة موحدة لكي تتجاوز قانون نسبة التصويت المطلوبة لدخول الكنيست العشرين والبالغة 3.25بالمئة….ووفقا لمصادر هذه الاحزاب التي يترأس قائمتها الموحدة المحامي أيمن عودة من الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة إلى جانب حزب التجمع الوطني الديمقراطي برئاسة الدكتور جمال زحالقة والحركة الاسلامية برئاسة سعود غنايم والحركة العربية للتغيير برئاسة الدكتور أحمد الطيبي.

وكان الكنيست السابق صوت على قانون عنصري يقضي برفع نسبة الحسم لدخول القوائم الحزبية إلى الكنيست من 2 بالمئة إلى 25ر3 بالمئة، وهي نسبة حسم عالية جدا اذ تحتاج القائمة الحزبية بين مئة ألف و 130 ألف صوت لدخول الكنيست، الأمر الذي يعرض دخول القوائم العربية منفردة لخطر عدم اجتياز نسبة الحسم وذهاب أصواتهم لليمين الإسرائيلي بينما

تشير استطلاعات الرأي إلى إمكانية ازدياد تمثيل العرب في الكنيست في حال خوضهم للانتخابات بقائمة موحدة، حيث تتوقع أن يحصلوا على 13 مقعدا.

لكن ووسط هذه الضجة السياسية التي تثيرها الانتخابات في المنطقة يبرز السؤال الاهم ألا وهو “أين الفلسطينيون من هذه الانتخابات؟”…وفي هذا السياق يقول صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين إنّ انتخابات البرلمان المبكر التي ستجرى لدى الاحتلال الإسرائيلي في عام 2015م تشكل لحظة حاسمة لدى الناخب الإسرائيلي الذي عليه اختبار أن يكون شريكاً لنا أو محتلاً لأرضنا”.

وأضاف عريقات خلال مؤتمر صحفي عقده مؤخرا في مدينة بيت لحم بالضفة المحتلة أنّ عام 2015 هو عام سيتعين فيه على الناخبين الإسرائيليين أن يختاروا بين أن يكونوا شركاء أو محتلين….معربا عن الأمل في أن يختار الإسرائيليون لمرة واحدة ونهائية وان يوافقوا على العيش مع الفلسطينيين كجيران، مؤكداً أنّ السلطة الفلسطينية تواصل جهودها  “لتدويل القضية” الفلسطينية ونيل الاستقلال….كما أعرب عريقات عن أمله في أن يصوت مجلس الأمن الدولي على قرار يجري التحضير له بهذا الشأن لوضع حد للاستيطان، إلا أنّ هذا القرار الدولي دونه فيتو أمريكي أكثر من مرجح…ورفض عريقات الافصاح عمن هو المرشح أو الحزب الذي يفضل فوزه في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.