انتفاضة القدس بين ضرورة استمرارها ومخاطر إجهاضها

haytham-abou-ghozlan-intifada

هيثم أبو الغزلان:
أنهت انتفاضة القدس شهرها الثاني، بإرادة قوية وعزيمة لا تلين، متجاوزة الخلافات حول تسميتها: “هبّة” أو “حراك” فارضة تسميتها واقعا فعليا على الجميع رغم سياسة العقاب الجماعية التي ينتهجها جيش الإحتلال الإسرائيلي. والتساؤلات التي تطرح نفسها: هل يُمكن لهذه الإنتفاضة أن تحقق أهدافها؟ وهل حُدّدت تلك الأهداف؟ وهل تُحقق الضغوط “الإسرائيلية” والأمريكية خرقاً في عملية التسوية، أم أن التحركات الجارية ستُفضي إلى إجهاض الانتفاضة؟! وهل ستنفذ اسرائيل “خطوات أحادية الجانب؟ وما هو المقابل لذلك؟!
تحظى انتفاضة القدس بتأييد كبير في صفوف الشعب الفلسطيني، وإن كل عمادها الشبان والشابات الذين يستخدمون الحجارة والسكاكين وعمليات الدهس، مما أعاد قضية فلسطين الى الصدارة كقضية مركزية لا يجب أن تحيد البوصلة عنها. كما أنها أوجدت قلقا وإرباكا كبيرين في الداخل الإسرائيلي، واستمرارها يقود الى آثار سياسية وإقتصادية ونفسية وإعلامية سلبية على الكيان “الإسرائيلي”. وسيكون لها تبعات مختلفة الجوانب على المستويين الإقليمي والدولي شريطة توافر مقومات ديمومتها.
ولهذا يسعى قادة الإحتلال الى إنهاء هذه الإنتقاضة بإستخدام العقوبات الجماعية؛ فرض منع التجول، وهدم منازل منفذي العمليات، وترحيل أسرهم الى غزة، وسحب تصاريح العمل، وتوسيع الإستيطان، وعمليات الإعدام الميداني والإعتقالات.
وتحاول القيادة الإسرائيلية استغلال بعض الثغرات لتشكك بإمكانية استمرار هذه الإنتفاضة، في الوقت الذي تعمل على إجهاضها، فكتبت عميره هاس في صحيفة (هآرتس)، تحت عنوان: “هبّة يتيمة”، أن ثلاثة أسباب تمنع “الهبة المحدودة” من أن تكون انتفاضة، فهي: 1- ليس لها قيادة. 2- أو مطلب سياسي موحد وواضح. 3- وليست شعبية.
ويضاف إلى ذلك ما أشار إليه الكاتب طلال سلمان من أن “العجز العربي وبعضه تجاوز الاستسلام إلى التحالف مع العدو القومي، عدو الأرض وأهلها، في مواجهة القائلين بالتحرير والباذلين دماءهم بسخاء لحفظ هويتها”.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل من مخاوف حقيقية على استمرار الإنتفاضة؟ وهل من إمكانية لتطورها؟
تحيق مخاطر عديدة بالإنتفاضة واستمرارها، وزيارة وزير خارجية الولايات المتحدة، جون كيري، الى فلسطين المحتلة، تصب في خانة العمل الجاد لإجهاض الإنتفاضة. فالإدارة الأمريكية لا يعنيها تحقيق تقدم في عملية التسوية خلال الفترة المتبقية من ولاية الرئيس باراك أوباما، الذي عجز عن إقامة دولة فلسطينية. وأظهر انحيازاً واضحاً للإحتلال، وأظهر اهتماماً أقل بالقضية الفلسطينية وسط ضعف دعمها عربياً وإسلامياً أيضاً.
وهذا ما شجّع نتنياهو على انتزاع إعتراف أمريكي بالكتل الإستيطانية الممتدة شرقي القدس، وبين بيت لحم والخليل، وجنوب نابلس مقابل ما أسماه ” وقف الإستيطان”.
وأبلغ مسؤولو السلطة الفلسطينية كيري، أن السلطة ماضية في الإنضمام إلى المنظمات الدولية، وتقديم الملفات إلى المحكمة الجزائية، واللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لطلب الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، ما دام لا يوجد فيتو أمريكي في الجمعية العامة. اللافت في الأمر، التحذير الذي أبلغه كيري لمسؤولي السلطة من عواقب خروج الأمور عن السيطرة.
ويبدو أن المصافحة “التاريخية” – حسب الوصف “الإسرائيلي”- بين الرئيس محمود عباس والإرهابي نتنياهو، في مؤتمر المناخ العالمي في باريس، تأتي في سياق فهم هذا التحذير الأمريكي، فهي أول لقاء بين الرجلين منذ خمس سنوات، وبعد شهرين من انطلاقة الإنتفاضة، وانهيار عملية التسوية منذ 18 شهرا. ومن هنا فإن منع انهيار السلطة الفلسطينية، هدف تلتقي عليه الأطراف المختلفة. فنتنياهو الذي “يتمنى إنهيار السلطة”، يخشى أن يؤدي ذلك إلى “بديل أسوأ”، لذلك فهو يدعوها إلى “تغيير سلوكها”.
والأخطر مما تقدم، هو ما كتبه أوري سافير، في (معاريف)، والذي أكد فيه أن أجهزة الأمن “الإسرائيلية” تدرك جيداً أنها غير قادرة على حل مشكلة “الإرهاب” عسكرياً، وهذا يستوجب حلاً سياسياً يتمثل بالإنفصال عن الفلسطينيين، وشرطه أن يكون الإنسحاب من 75% من أراضي الضفة الغربية، وأن يكون منسقاً مع السلطة كي تحل أجهزتها الأمنية مكان الجيش الإسرائيلي، على أن يترافق ذلك مع ترتيبات أمنية مشددة على طول الحدود (شرقي السور، وغربي الحزام الأمني) ونهر الأردن. وتعاون اقليمي وثيق، تجري بعدها مفاوضات تقود للتسوية النهائية، وتطبيقها على مدى ثلاث سنوات (وفق اتفاق أوسلو)، تحل خلالها القضايا الأصعب، على أساس وجود دولتين، وشرط ذلك الحفاظ على طابع إسرائيل “الديمقراطي واليهودي”.
إن الإرادة والشجاعة التي يتمتع بها المنتفضون الأبطال، لا تلغي وجود مخاطر عديدة، وفخاخ تُنصب لإجهاض الإنتفاضة، وإبطال مفاعيلها، وهذا يستوجب الإستمرار في هذه الإنتفاضة وحمايتها وتفكيك كل الألغام المزروعة أو التي يتم زرعها من أجل مواصلة هذا الطريق وتحقيق أهداف شعبنا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.