ايلي الفرزلي : اتفاق لافروف – كيري سيحلّ مكان “سايكس- بيكو”

ELIE-FIRIZLI
نائب رئيس مجلس النواب االلبناني السابق ايلي الفرزلي يجري عبر “الميادين نت” جولة شاملة للواقع السياسي والميداني، ويقول إن بذور المحور العالمي الجديد تشكلّت بعد فشل عدوان 2006، كاشفاً عن سيناريو استدارة الغرب للإصطفاف خلف الدولة السورية لضرب الإرهاب.

 

“الميادين نت”:

نائب رئيس مجلس النواب اللبناني السابق إيلي الفرزلي يكشف لـ “الميادين نت” أنّ بذور المحور العالمي الجديد الذي يعتبر ضرباً لأحادية القطب العالمي، بدأت بالتشكّل بعيد فشل العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، معتبراً أنّ جزءاً من السيناريو الكبير الذي وقع هو الإخراج للاستدارة الكبرى للغرب بمسألة إعادة المفاوضات مع إيران التي يقول إنها قطعت شوطاً يتقدّم كثيراً عن المعلن عنه، تمهيداً لإعادة الاصطفاف الغربي مع الدولة السورية في وجه التطرّف.

يقول الفرزلي في جواب يختزن المفعول الرجعي: “برأيي لم يكن هناك حرب وعدوان على سورية، وجلّ الموضوع يكمن في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي تجري في مكان ما، وهي بيت القصيد في كلّ ما يدور في العالم العربي. وكل ما جرى من حراك شدّت اليه الأنظار غايته صرف الأنظار عن أهم حوار يجري بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ زرع الكيان، فالولايات المتحدة مهتمة بالمفاوضات السرية، وهي حددّت فترة تسعة أشهر لها، مع تعميم عدم التصريح بشأنها”.

هكذا انتقلت موسكو من الدفاع إلى الهجوم

ويسرد الفرزلي لتفاصيل هذا المسار معتبراً أنه “بعد الأزمة في سورية وإخراجها من جامعة الدول العربية وموافقة الدول الأعضاء فيها، على مبدأ تبادل الأراضي، مما يعني “يهودية الدولة”، وأصابة حركة حماس بنكسة وإرباك استراتيجي، خصوصاً عندما دخلت في صراع مع الجيش والشعب في مصر، وفقدانها سورية كملاذ آمن لحمايتها، بالتالي وفي ظل كلّ هذا كان على الولايات المتحدة صنع الآمال من أجل هذه المفاوضات وبعض جوانبه، يتجلى باسقاط السلاح الاستراتيجي في سورية”.

يضيف الفرزلي: “سورية تشكّل الجزء المفصلي في محور الصمود في شرق المتوسط، وصولا إلى إيران بعمقها الاستراتيجي وأيضاً روسيا والصين، فبالتالي يجب خلخلة هذه الحلقة الوسطى واضعافها وتدميرها”. وردّا على سؤال عن تشكّل محور جديد، قال: “بذور هذا المحور بدأت مع معركة 2006 في لبنان (العدوان الإسرائيلي)، حيث كان العالم قائماً على أحادية قطبية قلبها الشرق الأوسط، والذي كان يراد لإسرائيل أن تتزعمّه، لكن في عام 2006 لم تستطع إسرائيل تحقيق الأهداف المطلوبة منها غربياً والقضاء على المقاومة كما كان مطلوباُ، عندها تبين للعالم الغربي فشل إسرائيل. وأتى ذلك بالتزامن مع دخول إيران القوي إلى المنطقة وخاصة في العراق فضلاّ عن دورها في الخليج، فأمسى الأميركي مجبراً على إقامة ما يشبه “الاتفاق” معها، فضلا عن دخول تركيا إلى المشرق العربي بموافقة السوريين..فشعرت إسرائيل أنها مختزلة في “كوريدور” المفاوضات بينها وبين محمود عباس، فاهتز أركان النظام العالمي الذي كان يريدونه، وطبعا كان لدخول روسيا الأثر الأكبر عبر دخولها بقوة في جورجيا، وأرسالها رسالة بأنها مستعدة للتحوّل من لعبة الدفاع إلى لعبة الهجوم. وعندما لاحظت أن الاطراف في المنطقة دخلت في صفقة عنوانها إنشاء امبراطورية عثمانية سلجوقية جديدة عبر وضع اليد على سورية ومصر من خلال التنظيم الدولي للأخوان، ومع إحساس الروس أن كل ثقافة التطرّف الديني ستصدَّر إلى روسيا لتفجيرها من الداخل، دخلت موسكو إلى المنطقة بقوة للمشاركة في ادارة المنطقة”.

استدارة كبرى للغرب…

ويؤكد الفرزلي أنّه لا يعطي “الكيميائي” السوري أهمية، بمعنى أنّ “أيّ اتفاق روسي- أميركي حول إيجاد حلول للقضية الفلسطينية، فيه لحظ لأمن إسرائيل، ومن ضمنه ألاً يكون هناك استخدام للسلاح الكيميائي. وهنا إذا عدنا إلى التاريخ علينا أن نتذكّر أن إدخال الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد للسلاح الكيميائي كان هدفه إيجاد توازن استراتيجي مع العدو الإسرائيلي، وليس استخدامه، خاصة مع امتلاك الكيان الإسرائيلي بين 200 و300 رأس نووي. أنا أرى أنّ جزءاً من السيناريو الكبير الذي وقع هو الإخراج للاستدارة الكبرى للغرب في مسألة إعادة المفاوضات مع إيران التي بحسب معلوماتي، قطعت شوطاً يتقدّم كثيراً عن المعلن عنه، وإعادة الإصطفاف مع الدولة السورية في وجه التطرّف، وهذه هي المسألة المركزية التي جمعت الروس والأميركييّن. واتفاق كيري – لافروف يقوم الآن على أنقاض اتفاق “سايكس- بيكو”، وهذا الاتفاق سينتقل إلى الأرض وسينفّذ”.

ونطرح السؤال عن دور إيران في هذا السيناريو، حيث يردف الفرزلي بالقول “علينا أن نتذكّر جميعاً أنه في آخر مفاوضات جرت بين إيران والدول الكبرى في تركيا وغيرها، جرى التسليم بحقّ إيران في التخصيب بنسبة 3,8% وكادت تصل إلى 20%، مقرونة بموافقة طهران على تصدير اليورانيوم وتخصيبه في الخارج للأغراض السلمية”. باعتقادي أنّ الواجهة النووية للصراع تخفي الاتفاق على الحصص والأدوار، ومن جملة الأمور إسرائيل، وهي ما يهم الولايات المتحدة والغرب. وبالنهاية فإن إيران لا يمكنها أن تطلب ما لا يطلبه الفلسطينيون، وطبعاً لها الحقّ بعدم الاعتراف بإسرائيل، لكنها لا يمكن أن تطلب ما لا يطلبه الفلسطينّيون، وهي لا تستطيع القول لهم لماذا وافقتم؟ بل تنصحهم وتقف إلى جانبهم وترسل لهم السلاح، ولكن إذا قررّ الفلسطينيّون بفصائلهم الموافقة، لا تستطيع القول لهم لا”.

ويعطي النائب اللبناني السابق دليلاً على كلامه هذا، فيرجع إلى لقاء الرئيسين بشار الأسد ومحمود أحمدي نجاد والأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، في دمشق عام 2010، حيث قال السيّد نصرالله في خطاب له: إن إيران ستقبل بما يقبل به العرب. “وكانت هذه رسالة واضحة للجميع من عرب وفلسطينيين”، يقول الفرزلي.

“بابا عمرو” منعطف هام…والغرب فتح السجون إلى سورية

يضيف، “علينا أن نراقب الأدبيات التي استخدمت من قبل الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية وهنا لاحظوا بأنها غريبة عن الطرفين على حد سواء، في تاريخ العلاقة بينهما، وصولاً إلى الاتصال التاريخي من قبل أوباما بالرئيس الشيخ حسن روحاني، ولا أغالي، لكن لا شك أن هناك إخراج يتمّ على الأرض لاتفاقات كبرى وبوتيرة متسارعة، والأميركي سلّم بإشارة إيجابية، رغم أن بعض العرب وتركيا لم يسلّموا”.

ويشير الفرزلي إلى أن معركة “بابا عمرو” تعتبر منعطفاً هاماً، “فبعد هذه المعركة بمساحتها الضخمة وكثافتها، والتي أدّت إلى هزيمة نكراء للمسلحين فيما بقيّ الجيش السوري موحداً ويتمتع بكلّ مقومات الإستمرار لشنّ حرب، وملتزم التزاماً لافتاً بقيادته”. لذا فقد تبلور توّجه لدى الغرب يقول: لماذا لا نحوّل سورية إلى أرض يأتي اليها “ما هبّ ودبّ” من المسلّحين المتشددّين، الذين خاض الأميركييون والغرب الحروب من أجلهم في العراق وأفغانستان وغيرهما، ولكنهم لم يتمكّنوا من إلحاق الأذى بهم بنسبة 1% مقارنة بما لحق بهم في سورية، لذا فقد تم إفراغ سجون دول عديدة من المتشددين ونقلهم إلى سورية لكي يتمّ تحويلها إلى كمين لهم، وأنا أنتظر تبلور رؤية الغرب في الشهرين القادمين للاصطفاف وراء الدولة السورية ضد المتطرفين من “داعش” وغيرها، وسيصار إلى اتفاق شكلي بين الحكومة وما يسمى بـ “المعارضة الإصلاحية”، وبالتالي ستتحول المسألة إلى معركة ضد التطرّف في سورية، و هناعندما نقول سورية، نعني بذلك أيضاً العراق والأردن ولبنان … ولا نستغرب أبداً إذا رأينا أن ساحة القتال قد تشمل كلّ هذه الدول”.

استغرب ذهاب السعودية إلى مواقع متقدمة!

وعن عدم قبول السعودية وقطر وتركيا بما يروّج له من سيناريوهات، يجيب الفرزلي: ” بعد انتهاء الدور المطلوب من قطر عقب إخراج سورية من جامعة الدول العربية، وذهاب وزير خارجيتها على رأس وفد إلى الولايات المتحدة لتوقيع اتفاق تبادل الأراضي، لا يستطيع السعوديون التمسّك بموقفهم من أنهم يريدون الحرب في ظل رأي عام دولي وعربي يرفض ذلك، وهم لايستطيعون بالمقابل الاستسلام لنتائج اتفاق الولايات المتحدة مع إيران، وهنا لا بد من لفت النظر إلى معادلة خطيرة مؤداها أنّ كل العرب الذين يعملون مع الأميركيين يعتقدون أنّ الولايات المتحدة تعمل لديهم، بينما حقيقة الأمر تقول إنهم هم من يعمل لدى الإدارة الأميركية لا العكس”.

ويوضح أنه “في ركاب الاتفاقات الكبرى هناك ضحايا، والبعض ينسى ذلك ويجري قراءات خاطئة، وجميعنا يذكر كيف أجبر مندوب روسيا في مجلس الأمن فيتالي تشوركين وزير الخارجية القطري (السابق) حمد بن جاسم على السكوت قائلا له: “أسكت أو أحوّلك إلى ثقب في الكرة الأرضية”، أما بالنسبة لتركيا، فسيجد صنّاع القرار ألف مبرر لسحبها من القضية السورية، وأعتقد أنه وجد عبر”داعش”.

لكن الفرزلي الذي يعتبر أن للسعودية دوراً مهماً في الملف السوري يبدي استغرابه للموقف السعودي فيقول “إن السعوديين على خلاف الآخرين مشهورون برصانتهم في مقاربة الملفات، لكن هذه المرة ذهبت الأمور لديهم إلى مواقع متقدمة، وهذا كان مفاجئاً للجميع، وربما يعود سببه إلى تفاجئ المملكة بفتح الظهير الاستراتيجي لها (الولايات المتحدة) الخطّ مع إيران، مما أدى إلى عدم توازن سعودي، انعكس مثلاً في أرجاء زيارة الرئيس اللبناني ميشال سليمان إلى الرياض. واعتقد أنّ الموقف السعودي بانتظار اتفاق يحكى أنه يجري تحت الطاولة مع الولايات المتحدة لتمكينها من الضغط على إيران عبر الخاصرة السورية التي بنظرها توجع إيران، وهذا ما سيدفع ثمنه الشعب السوري على الأرض، ولكن يخطىء من يظن أن إيران ستعمل على فكّ ارتباطها بسورية، كذلك هو حال التحالف السوري الروسي الثابت والراسخ”.

المقاومة لعبت الدور الصحيح… وصمتها يحمل معان هامة

وفي سؤال عن موقف المقاومة في لبنان والتي تتجلى بـحزب الله من كلّ ما تقدّم، يعقّب الفرزلي، “المقاومة لعبت دورها بشكل صحيح طوال الفترة الماضية، ومنطق الأمور يقول ذلك، وحتى صمت قيادة المقاومة كان ذا معانٍ هامة. حزب الله هو حزب لبناني بصرف النظر عن علاقاته الإقليمية وعقيدته، وهو جزء من نسيج اجتماعي على تماس مباشر بالعدوان، ووجوده بحدّ ذاته دلالة على استقرار للناس والمجتمع. والدليل وجود عشرات المشاريع السياحية الضخمة والتي كلّفت ملايين الدولارت على بعد أمتار من الحدود مع فلسطين المحتلة في منطقة الوزاني… وهذه لم تكن لتشاد لولا وجود حزب الله وهي بحدّ ذاتها رسالة بأننا نريد الاستقرار، مع عدم إغفال أنّ لدينا أرض محتلة.. ومهما جرى من تطورات وتسويات فإن هذا لا يجبر حزب الله على الاعتراف بإسرائيل… ولا يمكن للشعب اللبناني أن يطبّع مع العدو بأي حال، وأكبر دليل على ذلك، رفض التطبيع من قبل الشعب المصري رغم توقيع اتفاقية كامب ديفيد.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.