برج البراجنة: عيش مشترك ولو حرّض الكارهون

arab-mosque

موقع إنباء الإخباري ـ
لطيفة السيد:
تحوّل رئيس هيئة العلماء المسلمين في لبنان الشيخ أحمد العمري قبل أسبوع الى نجم إعلام الرابع عشر من آذار.. النجومية ليست حكراً عليه، بل ابنته خديجة أيضاً كذلك، أما لماذا؟ يكفي أنهما من سكان الضاحية ولدى الخصوم ما يسوّقونه من خلالهما ضدّ حزب الله.
في حي الأكراد بالقرب من مخيّم برج البراجنة وما يعرف بـ”حي الجورة”، يعيش آل العمري منذ عشرات السنين.. بنوا منازلهم وأسّسوا حياتهم بين أبناء الضاحية، لم يشعروا يوماً بـ “الغربة” هناك.. اتخذّوا من المكان وطناً آمنوا به حتى النهاية. لكن هذا الواقع يتعرّض اليوم لمحاولات تشويهٍ تستهدف قلب الصورة خدمة للمشاريع الخارجية التي تحاك ضدّ المقاومة في المنطقة.
بعد اندلاع الاحداث في سوريا، سارع العمري الى إعلان موقفه المتشدّد من النظام السوري والداعم للمعارضة. على مدى أكثر من ثلاث سنوات، لم يهدأ إمام مسجد الروضة في حيّ الأكراد.. شنّ الهجوم تلو الهجوم على النظام السوري وحلفائه خلال خطبة الجمعة، محطّته الاسبوعية في المسجد.
ورغم أن لجنة المسجد التي تضمّ الى جانبه أحد أشقائه وبعض سكان الحيّ، انقسمت بين تأييد خطابه وبين معارضته، تابع العمري المحسوب على “الجماعة الاسلامية” وسالم الرافعي حملته على سوريا وأحياناً يطال فيها حزب الله، غير آبه للخبز والملح مع محيطه.
غير أن حزب الله لم يُستدرج الى ما أراد العمري. التزم الصمت، وجهد في الخفاء على توحيد الموقف الاسلامي من خلال تنظيم عدد من الزيارات مع فعاليات الحيّ، خلُصت في مجملها الى أهمية مراعاة شعور “الجيران”، فما يجمع بينهم أكثر بكثير مما يفرقّهم. بناءً عليه، جرى الاتفاق على إلقاء العمري خطبة الجمعة مرة كلّ أربعة أسابيع مع تخفيض عدد مكبّرات الصوت للمسجد التي تصل الى منطقة المنشية.
لم يرُق هذا الوضع للعمري الذي كان ولا يزال يسافر من حين الى آخر إلى قطر وتركيا، فحزم حقائبه تاركاً و”عياله” المنطقة متوجّهاً الى عائشة بكار، ومن هناك خرجت ابنته خديجة إلى الاعلام المكتوب والمرئي لتشكو ما افترضت أنه معاناة ومضايقات تتعرّض لها بحجة أنها من أهل “السنة” ـ رغم أنها كذلك منذ أكثر من عشر سنوات ـ  متكتّمةً على خطاب والدها الاستفزازي لأهالي المنطقة، الذي كان يُطلقه جهاراً من على منبر مسجد الروضة، حين يُهاجم بكلّ جرأة النظام السوري وحزب الله، ويوزّع التهم يميناً ويساراً بحقّ الحزب، من شتمه أو الاعتداء على سيارته وزرع الأعلام أمام منزله.
لم يثبت بحسب التحقيقات التي أُجريت في المنطقة أي دور لحزب الله فيما يسوّقه العمري. المعنيون بهذا الملفّ وجدوا أنفسهم أمام فرضيتين: إمّا أن العمري هو من يقف خلف هذه الاشاعات ويفتعل تلك الحوادث خدمةً للخصوم الذين يتربّصون شراً بالمنطقة هناك، وإمّا أن هناك بعض الشبّان الذين لم يتحمّلوا خطاب العمري الهجومي مباشرة على محور المقاومة.
ويبدو أن الحديث عن استغلال الخصوم لنشاطات العمري الأخيرة في حي الأكراد بات أكثر واقعية اليوم، في ظلّ الانقسام الحاصل في لجنة مسجد الروضة لناحية معارضة خطاب الشيخ مؤخراً، في حين يجري تناقل معلومات عن أن الأخير تلقّى أمراً بالسير قدماً في مواجهة البيئة الحاضنة للمقاومة في منطقة البرج والمخيّم والمنشية، تماشياً مع الأهداف التي تعمل عليها القوى المتآمرة على سوريا ومن يدور في فلكها، ولاسيّما أن نفي العمري لتلقيه رسالة داعمة من “جبهة النصرة” ليس دقيقا،ً فالرسالة وصلت كما تؤكد مصادر أمنية.
ليس بعيداً عن مسجد الروضة، تحتضن الضاحية العديد من المساجد التي تعمل على توحيد كلمة المسلمين على مختلف مذاهبهم. “جامع العرب” يعدّ أكثر المساجد تجسيداً لهذا الواقع. فلطالما صلّى فيه “شيعة وسنة الضاحية” تحت قبة واحدة دون أي تمييز أو تحريك للنعرات الطائفية، حتى أن البعض يتذكّر كيف كان يتلقّى المؤمنون الدروس الدينية فيه برضا إمام المسجد وقتها. واقع لم يتبدّل اليوم، فـ”جامع العرب” الذي يقع على بعد أمتار من مجمّع الأوصياء، ما زال يستقطب المصلّين على اختلاف طوائفهم. إمام المسجد الشيخ يحيى العمري (شقيق الشيخ أحمد العمري) على علاقة متينة وجيّدة مع قيادة حزب الله في المنطقة، لا بل إن الزيارات بين الجانبين لا تتوقف، والجهود تبذل من قبل الطرفين لوأد الفتنة.
نموذج العمري وابنته لا يعبّر أبداً عن حقيقة العيش المشترك في الضاحية. برج البراجنة تتمسّك بهذا الشعار، ملتزمة بحمايته في حيّ الأكراد أو المخيّمات أو حتى جامع العرب. أما وصف أهل الضاحية بـ”ناس ما يتعاشروا” كما قالت خديجة العمري، فهو يفتقر إلى الكثير من الوفاء لأهل البرج الذين عايشتهم ووالدها على مدى سنوات. لكنّ جيرة هؤلاء الطيّبين لم تمنع العمري نفسه من الانصات الى من لا يفقه شيئاً عن الضاحية وبيئتها. هو انصرف الى شتم تلك البيئة دون توقّف، فتقدّمت الاعتبارات السياسية على تلك الاجتماعية عند العمري، ناسفاً عمراً من الوحدة الاسلامية والانسانية ليطلق على نفسه تعبير “الدخلاء”.
هنا يسأل البعض “هل بيروت والطريق الجديدة وعائشة بكار التي ذهب ليستوطنها العمري وعائلته الصغيرة، ستنتهج الأسلوب نفسه اذا ما أراد أحد أبناء الضاحية السكن فيها بأمان وطمأنينة دون تعرّضه لمضايقات بسبب تأييده خطّ المقاومة مثلاً؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.