بين “وثيقة ديمستورا” و”دستور كارتر” و”وحدة الإرتباط”: تناغمٌ .. يفضح المرسوم لسوريا!

hassan-choukeir-dimestora

موقع إنباء الإخباري ـ
حسن شقير:
لم تأخذ وثيقة المبادئ التي قدمها المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيڤان ديمستورا، إلى وفدي الحكومة والمعارضة السورية في نهاية الجولة الأولى من جنيڤ الثالث، حقها في الدراسة والتمحيص، من قبل كثُر من المهتمين، والعلة في ذلك كونها مجرّد وثيقة قابلة للنقاش والتعديل، وحتى الإستبدال، إذا اقتضت الظروف ذلك..
قد تكون هذه التبريرات مقنعة، لو أن تلك الوثيقة في بعض بنودها الخطرة جداً – والتي سنعود إلى التفصيل فيها لاحقاً – لم تكن صادرة عن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، ولو لم يلِ تقديمها كلام لنتنياهو من الجولان المحتل، حول “أبدية بقائه” تحت السيادة الصهيونية .. ولو لم يتبعها بالأمس القريب  ما تم تسريبه إلى وسائل الإعلام عن مشروع دستور جديد لسوريا، وصفه البعض بأنه روسي (وقد تم نفي ذلك)، وأخرون نسبوه إلى معهد كارتر الأمريكي .. والذي احتوى على مواد وبنود فيها من الخطورة، ليس على وحدة سوريا فحسب (وهذا تحصيل حاصل)، إنما تتخطى خطورة تلك البنود إلى أبعد من تغيير وجه سوريا، وربّما المنطقة برمتها، وإلى استحداث مفاهيم ووظائف جديدة لبعضٍ من مكونات رئيسية داخل الدولة القطرية في المنطقة، والتي تتماهى إلى حد التكامل مع ما أوردناه سابقاً حول تلك البنود التي أشرنا إليها أعلاه من تلك الوثيقة.. وصولاً إلى ما أشارت إليه بعض وسائل الإعلام الصهيونية – وبغض النظر عن دقته – حول سعي الكيان الصهيوني لإقامة وحدة إرتباط مع الجماعات المسلحة والسكان المحليين  على تخوم الجولان المحتل..
إذاً بالعودة إلى وثيقة ديمستورا تلك، فلقد ورد في البند الأول منها ، ما حرفيته “إحترام سيادة سوريا واستقلالها، ووحدة وسلامة أراضيها، وعدم التنازل عن أي جزءٍ من الأراضي الوطنية، والتزام استعادة مرتفعات الجولان المحتلة بالطرق السلمية”‼
أما في البند العاشر من هذه الوثيقة الإثني عشرية، فلقد ورد فيها ما حرفيته أيضاً “إعادة بناء جيش وطني قوي وموحد، بوسائل تشمل أيضاً نزع سلاح ودمج أفراد الجماعات المسلحة الداعمة لعملية الإنتقال، وللدستور الجديد”‼
إذا ما اكتفينا بهذين البندين، في تلك الوثيقة الأممية، فإننا نلحظ ما كنت تناولته في مقالة سابقة، حول عين نتنياهو  على إخراج حق الشعوب في استخدام كافة الوسائل لإسترجاع أراضيها المحتلة من شرعة وميثاق الأمم الممتحدة ، وبالتالي ضرب الركن الثالث لأركان الثلاثيات الذهبية الذي تعمل دول وقوى الممانعة في المنطقة على ترسيخه واقعاً، كون هذا الثلاثي، هو الوحيد القادر على مواجهة أصناف التهديد الماثلة في المنطقة، والتي تتمثل بفائض القوة الصهيونية، والمظللة بالحماية الأمريكية ، ناهيك عن دخول عنصر جديد عليها، والمتمثل بالشراكة مع بعض من الدول العربية، ضمن ما أسميته سابقاً، بالإحاطة المتمثلة بالمظلة الأمنية العربية – الصهيونية المشتركة، والتي حيكت خيوطها من أيار العام ٢٠١٠ تاريخ إصدار استراتيجية الأمن القومي الأمريكي في العهد الأوبامي الأول… إذاً إنه التأسيس لضرب فكرة المقاومة، ومن أعلى سلطة دولية، ألا وهي الأمم الممتحدة، والتي يظهر أنها تمهد الطريق أمام تهيئة الأرضية لإعادة كتابة بعض من بنود ميثاقها المفصلية.
الخطورة الثانية في تلك الوثيقة ، ما ورد في بندها العاشر، وذلك لناحية إعادة بناء الجيش السوري .. إلى أن انتهت، بأن دمج الجماعات المسلحة فيه، يكون مشروطاً بقبولها بالدستور الجديد ‼
فماذا في هذا الأخير؟ وهل جاءت بعض فقراته لتزيل الغموض عن تلك البنود التي وردت في الوثيقة الأممية؟ وبالتالي ما علاقة هذا وتلك، بمنظومة الأمن الصهيوني؟ لا بل ما يدعيه الكيان من حصة له في التسوية السورية؟؟
لن أستفيض كثيراً فيما ورد من بنود  ذاك الدستور المشار إليه سابقاً، وما هي خطورة مواده المقترحة على فكرة الدولة في سوريا،  إنما سأكتفي بفقرة واحدة منه، ربما تفيد البحث هنا ، ألا وهي “دور القوات المسلحة”، بحيث ورد فيها “.. يحرم عليها تنظيم أعمال عسكرية، أو ذات طابع عسكري، خارج سلطة الدولة”‼‼
هذه الفقرة من تلك الفقرات الأخرى المتعلقة بدور القوات المسلحة في “سوريا الجديدة” تُدلل – وبوضوح – على عمق المؤامرة التي تُحاك لسوريا الممانعة، فكل الدول تجعل من قواتها المسلحة ، درعاً واقياً لكل أصناف التهديد لها، سواء أكان استباقياً أو حتى بمفعول رجعي .. فإذا دققنا في هذه الفقرة بالتحديد، والتي تمنع على القوات العسكرية بأن تنظم بنفسها أعمالاً عسكرية للحفاظ على سيادة الدولة (ضرب إمكانية الفعل التحريري  للقوات المسلحة في الجولان المحتل، والخارج عن سلطة الدولة السورية حالياً)، وتمنع أيضاً هذه القوات من رعاية أية أعمال عسكرية لمكونات عسكرية رديفة، وفي سبيل تحقيق الغاية نفسها (وأد فكرة المقاومة، ولكن دستورياً هذه المرّة)‼!
كان ينقص هاتان المحطتان، ما كشفته وسائل الإعلام الصهيونية حول نية الكيان الصهيوني بتفعيل مشروع “ الإرتباط “ مع الجانب الآخر للجولان المحتل، حتى تبان خيوط المؤامرة الكونية على سوريا، والتي كثيراً ما رددنا بأنه على رأسها – وفي حال مُنع التقسيم فيها – مشروع الأقلمة للمنطقة برمتها، والذي ورد في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الأخيرة في شباط من العام الماضي، والتي كتبت حولها ضمن مقالة (أقلمة المنطقة بين ثنايا “الصبر الإستراتيجي” الأمريكي، والتي نشرت بتاريخ ٠٩-٠٢-٢٠١٥)
من يقرأ، بتمعن، بنود وثيقة ديمستورا الأخرى  ومواد الدستور المقترح، وخصوصاً لناحية صلاحيات “جمعية المناطق” و “جمعية الشعب” ، يستطيع بسهولة إزالة الغشاوة عما يُرسم لسوريا في الغرف السوداء المعتمة… فمشروع أمريكا  للدولة “النيو قطرية” لسوريا الجديدة،  ومشروع جو بايدن ، لـ “سوريا المسالمة”، لا يزالان على الطاولة….
خلاصة القول – ولمن ما زال يعترض على الحديث عن الحرب الكونية على سوريا  وما هو الدور الصهيوني في هذه الحرب ـ فعليه أن يعود إلى معظم منظري السياسة والبحث في الكيان الصهيوني، حول الصورة التي يشتهيها كل  هؤلاء لسوريا المستقبل..  فما يُسمى بخطوط نتنياهو الحمراء فيها، لا تُجانب كل ما هو إرهابيي في سوريا، إنما تختصر برفضه المتكرر لبقاء سوريا الممانِعة والمقاوِمة من جهة، وللمسارات الجغرافية لنقل السلاح بين أطراف محور الممانعة فيها  من جهة ثانية..
ختاماً نقول: الصورة المرسومة صهيونياً لـ “سوريا الجديدة”، والتي يُعمل على إخراجها اليوم، بمشاريع مشبوهة أمريكية، وحتى أممية ، والتي تُطرح في فضاء اللاعبين في الأزمة السورية، بدأت  تتضح أكثر فأكثر من خلال هذه المحطات الثلاث، والتي أوردناها في هذه العجالة .
باحث وكاتب سياسي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.