تأدب يا أوغلو


صحيفة الوطن السورية ـ
محمد سعيد إبراهيم:
لقد تعرفنا على أحمد داود أوغلو وزير الخارجية التركية ورئيس دبلوماسيتها من خلال نظرياته الفلسفية وتنظيراته الإستراتيجية التي أتحفنا بها منذ توليه هذا المنصب وكان من أهم هذه النظريات (نظرية تصفير المشاكل) وفلسفاته حول قضايا منطقة الشرق الأوسط وإعادة ترتيب سياسات دول هذه المنطقة بما يخدم الرؤية التركية والعربية والإسلامية وكنا على وشك أن نصدق تلك الادعاءات والتخرصات التي أطلقها بين حين وآخر لولا أن ظهر على حقيقته عارياً من كل القيم والمبادئ، ليس لأنه أخفق في بعضها أو بدل في بعضها الآخر بل انقلب على كل ما نطق به سابقاً وبعكس ما كان يحلم به. فبدلاً من تصفير المشاكل بين تركيا وجميع جيرانها نجد أنها وصلت إلى قطيعة تامة مئة بالمئة مع هذا الجوار ومع دول أخرى أيضاً. وبدلاً من أن يجعل العلاقة بين سورية وتركيا علاقة أشقاء وأحباب وأصدقاء جعلها أشد عداوة وأكثر نفوراً. لقد ثبت لنا أن هذا المنظر الإستراتيجي كما يظن نفسه شخص قصير النظر لا يملك رؤية إستراتيجية صحيحة لبلده أو للمنطقة بشكل عام ومنذ بداية الحرب الكونية التي شنت على سورية كان يطالعنا كل يوم صباح مساء هو ومعلموه بتصريحات غريبة وعجيبة حول تدخلاتهم بالشؤون الداخلية السورية، وإعطاء مهل زمنية لسقوط النظام وتحديد مواعيد لتسليم السلطة وبصيغ مبطنة بالتهديد والوعيد، والويل والثبور وعظائم الأمور إذا لم تستجب سورية لمطالبهم ومخططاتهم التي ينفذونها نيابة عن الولايات المتحدة الأميركية وكأن سورية هي إحدى ولايات السلطنة العثمانية التي يحلم بها أردوغان. وحتى الشعب التركي بدأ يتندر بتصريحاتهم وسياستهم الحمقاء التي ينتهجونها، وكانت قيادتنا الحكيمة تتجاهل أحياناً تلك الحملة الظالمة وأحياناً أخرى ترد بحكمة وحنكة سياسية أفقدتهم توازنهم وصوابهم وأوقعتهم في مأزق حرج لا يعرفون الخروج منه. وبالأمس القريب صعّدت حكومة أردوغان من لهجتها الاستفزازية تجاه سورية بافتراءات وأكاذيب وأضاليل لا تمت للحقيقة بصلة حينما ادعت أن الجيش العربي السوري قام باعتداء على الأراضي التركية وذلك من خلال قصف مدفعي طال قرى تركية وتسبب بمقتل عدد من الأتراك. وهنا يمكن أن نقرأ احتمالين لهذا الحادث، الذي أدانته سورية وتقدمت بالعزاء لأسر الضحايا وأخذت على عاتقها القيام بالتحقيق لمعرفة ملابسات هذه القضية.
فالاحتمال الأول هو فيلم جديد من أفلام أردوغان وبتوجيه خارجي وفبركة من الاستخبارات التركية ينفذه بعض العناصر الإرهابية من داخل سورية من خلال إطلاق قذيفة أو أكثر باتجاه الأراضي التركية وخلق نوع من التوتر على الحدود يكون ذريعة لتركيا بتصعيد الموقف العسكري والرد على هذا العدوان ما يستدعي استدراج سورية للدخول في حرب مع تركيا ليست راغبة فيها بل مفروضة عليها. وهنا يأتي السؤال: ما الهدف من ذلك؟ لاشك في أن مثل هذا السيناريو سوف يؤدي إلى استنفار عالمي واجتماع لمجلس الأمن وضخ إعلامي مكثف وكله يصب في خانة اتهام سورية بأنها تسعى لتهديد الأمن والسلم العالميين وهذا ما حصل فعلاً وكذلك خلق نوعاً من الإرباك في القرار السوري حول الحسم العسكري المستمر داخل الوطن ضد عصابات الإرهاب وهذا ما سيؤدي إلى تحريك بعض فرق الجيش الرئيسية باتجاه الحدود التركية – حسب توقعاتهم – أي نشر القوات على جبهتين شمالية وجنوبية غربية وهذا ما سيؤدي إلى إضعاف الجيش وتخفيف الضغط عن المجموعات الإرهابية الموجودة في حلب وريفها وفك طرق الخناق الذي يفرضه الجيش عليها، وبذلك تختل موازين القوى لمصلحة الأعداء وربما يؤدي ذلك إلى تغيير قواعد اللعبة العسكرية والسياسية في كل المنطقة.
أما الاحتمال الثاني فهو أن يقوم بعض الإرهابيين وبتوجيه خارجي غير تركي بتنفيذ هذه العملية بغرض استفزاز تركيا وإجبارها على الدخول في عمل مسلح ضد سورية رغم أنها لا تخطط لهكذا عمل بمفردها إلا إذا دعمت من قوات الناتو وبذلك تستجر لحرب طالما حلم البعض في الخارج في تنفيذها وهذا ما سيساهم في دعم العصابات المسلحة وأنصار ما يسمونه الثورة حسب زعمهم، وبالتالي يتحقق حلم الدول المتآمرة غربية كانت أم عربية.
واستكمالاً لهذا السيناريو خرج علينا المدعو أحمد أوغلو وبكل صفاقة ووقاحة يطلب من الرئيس بشار الأسد أن يسلم السلطة لنائبه، هذا القائد الذي انتخبه الشعب السوري بأغلبيته العظمى وارتضاه رئيساً له وحسب المقتضيات الدستورية والأصولية، فيأتيك هذا الأحمق التافه ليطلب من رئيس دولة ذات سيادة أن يتخلى عن منصبه. فمن أنت يا أوغلو؟ وما علاقتك بسورية ورئيسها وشعبها وما صفتك؟ فما رأيك أن يخرج مواطن سوري على شاشة التلفاز ويطالب رئيسك بالتنحي فهل تقبل ذلك يا غبي؟
لقد سبقك أسيادك الأميركان والأوروبيون لمثل هذه الطلبات ثم انكفؤوا عن هذه المطالب لأنهم لم يحصلوا إلا على خيبة الأمل والخزلان، فكيف بك أنت أيها الصعلوك تقدم على هكذا حماقة؟! ألم تخجل من نفسك وأنت تصرح بذلك؟ ألم تجد أنك صغير جداً على مثل هذه الدعوات؟
فتأدب يا أوغلو وأخيراً أقول (رحم اللـه امرأً عرف حده فوقف عنده).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.