#ترامب ليس معتوهاً ولا مجنوناً..هو فقط رئيس أميركي آخر

donald-trump.jpg
موقع قناة الميادين ـ
علي شهاب:
ترامب مُجرّد رئيس أميركي آخر سيعمل على تحقيق مصالح بلده، كما اعتاد العالم منذ صعود الولايات المتحدة في السياسة الخارجية بعد الحرب العالمية الثانية. ثم إن السِمات الشخصية للرئيس المُنتخَب كانت محل تقديرات “خفيفة”، تماماً كما حصل مع بوش الإبن ومع أوباما من بعده. سواء اتفقنا أم اختلفنا مع السياسة الأميركية في العقدين الأخيرين، فإن المؤكّد أن الإدارات الجمهورية والديموقراطية المُتعاقبة تناقلت السلطة بسلاسة، وتبادلت الأدوار والتكتيكات لصالح تثبيت الاستراتيجيات الكبرى.
 انخرط الإعلام العربي سريعاً في الـ”ترامبوفوبيا”!وصول دونالد ترامب إلى سُدّة الرئاسة يُثبت مرةً أخرى أن الإعلام الأميركي لا يُدير دفق الأخبار العالمي بتحديد اهتماماته فقط، بل يرسم حدود مقارباته أيضاً ويوجّه رسائله.في موجة الهَلَع من “الوحش” الذي بات يحكم أقوى دولة في العالم، لا مجال للتحليل المتأني: سيعود ملايين المُهاجرين إلى بلادهم. العرب سيدفعون الثمن. الاتفاق النووي الإيراني في خطر. قضية فلسطين سيطويها النسيان. سيقتلنا ترامب جميعاً. سيضغط قريباً على الزرّ الأحمر. النهاية باتت قريبة!لحظة لو سمحتم! متى كان عهد آخر رئيس أميركي لم تنطبق عليه المخاوف أعلاه؟مَن يستمع للإعلام العربي متوجساً وخائفاً من سياسة الرئيس الجديد، يكاد يشتبه أن الرئيس الحالي باراك أوباما كان يُصلّي بالعرب جماعةً يوم الجمعة!لنُراجع سياق ما حصل و يحصل في واشنطن بمقاربةٍ مختلفةٍ قليلاً.بعد كل انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة الأميركية، تضجّ وسائل الإعلام بالحديث عن التعيينات المُرتقبة. يتم التركيز حالياً على أسماء الشخصيات التي ستتولّى الحقائب التي يعتبرها الرأي العام الأشدّ حساسيةً وتأثيراً؛ أي الدفاع والخارجية والأمن القومي. المقلب الآخر من الصورة يُفيد بأن هناك ما يُقارب الأربعة آلاف وظيفة رسمية يتم تعيين شاغليها مع كل انتقال في الإدارة الأميركية. لن يتحدّث الإعلام العالمي والعربي كثيراً عن هؤلاء. لا يُمكن إحصاء أربعة آلاف موظف جديد والحديث عن تنوّع خلفياتهم ومواقفهم. هذا مفهوم. هنا أيضاً يكمن الخلل في تقدير اتّجاهات السياسة المُرتقبة لترامب. لا يمكن لأي رئيس أميركي أن يخرج عن مصفوفة الحكم التي تصنع السياسات المحلية والخارجية ويتولّى هو وفريقه تظهيرها.من سِمات الرأي العام النسيان. من سِمات مهنة الإعلام الاختزال. وافق شنٌ طبقة!التمهيد لسحب القوات الأميركية من العراق بدأ في عهد بوش الإبن مع إدارته التي كان يقودها فريقٌ من صقور المحافظين الجُدُد، لكن تنفيذ الانسحاب تم في عهد أوباما.فتح قنوات التفاوض حول الملف النووي الإيراني بدأ في عهد بوش الإبن، لكن التوصّل الى إقراره تم في عهد أوباما.الطمع الأميركي بمال الخليج مُستمر منذ عقود. لم يأتِ ترامب بجديد سوى أنه أفصح في العلن ما كان يقوله صنّاع السياسة الأميركية في الأوراق البحثية والندوات.لا داعي لكل هذا الرهاب. ترامب مُجرّد رئيس أميركي آخر سيعمل على تحقيق مصالح بلده، كما اعتاد العالم منذ صعود الولايات المتحدة في السياسة الخارجية بعد الحرب العالمية الثانية. ثم إن السِمات الشخصية للرئيس المُنتخَب كانت محل تقديرات “خفيفة”، تماماً كما حصل مع بوش الإبن ومع أوباما من بعده. سواء اتفقنا أم اختلفنا مع السياسة الأميركية في العقدين الأخيرين، فإن المؤكّد أن الإدارات الجمهورية والديموقراطية المُتعاقبة تناقلت السلطة بسلاسة، وتبادلت الأدوار والتكتيكات لصالح تثبيت الاستراتيجيات الكبرى.و سواء اتفقنا أم اختلفنا في تقدير اتّزانه وأرجحية عقله، فإن ترامب رجل أعمال ناجح يُدير ثروة بمليارات الدولارات. وهو يُجيد لعبة الإعلام بمهارة، حتى وإن كان بنظر البعض مُبتذلًا أو سوقياً. شخصٌ كهذا يستطيع ممارسة الابتزاز لأقصى الدرجات في توجيه الرسائل إلى “الحلفاء” في العالم العربي، قبل أن يطالبهم بدفع المزيد من الأموال لقاء حمايتهم. وهو نفسه – مع كل شغَفِه بالنساء وتصريحاته العُنصرية – يستطيع احتواء ارتدادات فشل سياسة الإدارة الحالية في الملفات الداخلية التي باتت تؤرق الشارع الأميركي. وهذا هو الشخص المُثير للجدل الذي يستطيع التوصّل إلى تسوية في سوريا والتفاهم مع بوتين القوي الذي يُتقن تماماً التعامل مع رجال الأعمال بحسب ما تُظهر مسيرته نحو الكرملين.قبل أسبوع زار هنري كيسنجر البالغ من العمر 93 عاماً ترامب في برجه. فوجئ الكثيرون بالزيارة خاصةً وأن كيسنجر معروف بمُعارضته للرئيس المُنتخَب.في الحقيقة يستقبل ترامب منذ عشرة أيام الخصوم قبل الحلفاء. وهو لا يتوانى عن إطلاق إشارات تعكس استعداده للتعاون في حال لمس ربحاً من ذلك، حتى أن رموز الحزب الديموقراطي باتوا يعيبون عليه أسلوبه هذا بالقول إن عقلية رجل الأعمال لا تصلُح في السياسة. عودٌ على بدء. لست هنا في معرض الدفاع عن دونالد ترامب. هو رئيس أميركي آخر سيصطدم بالتأكيد أثناء تحقيق مصالح بلاده بمصالح الكثيرين في هذا العالم. لكن عجيبةٌ فعلاً هي قدرة الرأي العام على صناعة الخوف.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.