تساؤلات حول عودة المسار التفاوضي بعد الاطاحة بولد الشيخ: عالم لا يستيقظ ضميره الا بالقوة

 

موقع العهد الإخباري ـ
عبد الحسين شبيب- صحافي لبناني:

لم يحتف اليمنيون بالانجاز الكبير الذي حققوه في المعركة السياسية والمتمثل بالاطاحة بالمبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ. الرجل لم يستقل كما حاول ان يوحي في تغريدته ولم يطلب اعفاءه من منصبه، بدليل البيان الذي وزعه مكتبه الاعلامي قبل قليل من تغريدة الاعفاء والذي قدم فيه ملخصا لاربعة ايام من المشاورات المكثفة في الرياض مع عبد ربه منصور هادي ووزير خارجيته عبد الملك المخلافي ومسؤولين كبار في حكومة احمد عبيد بن دغر، اضافة الى سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن المعتمدين لدى اليمن، وسفراء مجموعة الـ 18 الراعين للمبادرة الخليجية. البيان بشّر في حينه بتجاوب الاطراف اليمنية مع مساعي اطلاق مسار سياسي جديد، ويظهر بوضوح في نص البيان ان ولد الشيخ قائم بمهمته حتى انهاء الازمة اليمنية، لكن فجأة وبعد بضع ساعات اصبح ولد الشيخ خارج المعادلة.

* عزل ولد الشيخ ضربة قوية في مرمى السعودية

من الواضح ان الامين العام للامم المتحدة وبعد جولة نائب ولد الشيخ معين شريم في صنعاء ولقائه كبار المسؤولين في حكومة الانقاذ الوطني والمجلس السياسي الاعلى( دون ان يستقبله احد بصفته ممثلا لنصار الله وايضا رفض رئيس اللجنة الثورية العليا استقباله)، ادرك انطونيو غوتيريش ان الفيتو على ولد الشيخ من المكون الوطني اليمني الذي يتقدمه انصار الله قاطع ونهائي ولا عودة عنه، وبالتالي اذا كان هناك رغبة في استنئناف المفاوضات اليمنية فيجب ان ينحى ولد الشيخ جانبا وهذا الذي حصل على وجه السرعة وبدون تردد، وبالتالي يمكن القول انه كما تمكنت من السعودية من اخراج المبعوث الدولي السابق الى اليمن جمال بن عمر من منصبه بسبب عدم رضاها على ادائه المهني والحيادي والمتوازن والذي لم يستجب لضغوطها في فرض تصوراتها لحل الازمة اليمنية بعد ثورة 21 سبتمبر 2014، سدد انصار الله وحلفائهم ضربة قوية في مرمى السعودية وحلفائها عبر فرض تغيير ولد الشيخ، بسبب ما لمسوه بالدليل الحسي من انحياز فاضح من قبله لتحالف العدوان اخرجه من دوره المفترض كوسيط مهني ومحايد ونزيه يعمل على مد الجسور بين الاطراف المتنازعة ويقدم المقترحات العملية والواقعية التي تصلح كاساس منطقي لاي عملية تفاوضية. وللانصاف فان ولد الشيخ دفع ثمن انحيازه لمصالحه الشخصية واستجابته للمغريات والعطايا السعودية وفقا لما يتداوله سياسيون يمنيون، وايضا ثمن الاداء العام السلبي لللامم المتحدة كمنظمة دولية لديها مؤسسات تنفيذية وصلاحيات واسعة قادرة على الزام الاطراف المعتدية بوقف حربها غير المشروعة وغير المأذون بها من قبل هذه المنظمة لكنها لم تستخدمها.

* اذا لم تتلقف المنظمة الدولية الرسالة الوطنية اليمنية جيدا فستبقى تدور في حلقة مفرغة

هنا لا يمكن اعتبار ازاحة ولد الشيخ من منصبه فرصة جديدة لاستنئناف المسار السياسي بقدر ما هو محطة للامم المتحدة لكي تراجع اداءها في الملف اليمني من كل جوانبه، لا ان تتحول الى مركز احصاء شهري او فصلي او سنوي يقدم التقارير الدورية عن حجم الكارثة الانسانية التي سيقبل عليها اليمنيون بمجموعهم في حال استمرت الحرب والحصار (كما هو وراد في خطة الاستجابة الانسانية للعام 2018 التي اعدتها الامم المتحدة)، دون ان تقوم باجراءات وخطوات عملية لالزام دول تحالف العدوان بوقف الحرب ورفع الحصار، وهذا هو فحوى الرفض اليمني لاستمرار ولد الشيخ في منصبه ورفض التعامل معه، وبالتالي اذا لم تتلقف المنظمة الدولية الرسالة الوطنية اليمنية جيدا فانها ستبقى تدور في حلقة مفرغة، وتبقى اصابع الاتهام موجهة اليها بالشراكة المباشرة وغير المباشرة في ما وصلت اليه الماساة اليمنية وما يمكن ان تتفاقم اليه لاحقا.

(*) القيادة السياسية في صنعاء ليس لديها مانع في العودة الى طاولة المفاوضات وفق القواعد والمعايير السابقة

الان هناك عدة متغيرات يمكن ان تسهل للامم المتحدة استعادة دورها الحقيقي في اطلاق جولة جديدة من المفاوضات انطلاقا من الوقائع التالية:

1ـ استعداد الوفد الوطني اليمني للتعامل مع المبعوث الدولي الجديد بمعزل عن جنسيته، سواء كان بريطاني (مارتن غريفثتس) او غيره، في حال قدم اداءا مختلفا عن سلفه، لان القيادة السياسية في صنعاء ليس لديها مانع في العودة الى طاولة المفاوضات وفق القواعد والمعايير التي ادت سابقا الى مفاوضات سويسرا والكويت.

* خطوط تواصل انصار الله مع المجتمع الدولي غير مقطوعة

2ـ وصول رئيس وفد انصار الله محمد عبد السلام الى مسقط قبل ايام يفتح نافذة جديدة على التواصل مع المجتمع الدولي (الخطوط غير مقطوعة لكنها ليست ساخنة) لاطلاق نقاش جدي حول معالجة سريعة للوضع الانساني والتمهيد لطاولة تفاوض جديدة انطلاقا من الوقائع الميدانية التي تراكمت خلال الفترة التي تلت توقف مفاوضات الكويت. محمد عبد السلام قال انه سيركز نشاطه “على شرح ما يتعرض له الشعب اليمني من عدوان ظالم وحصار غاشم وكشف التضليل الذي يمارسه تحالف العدوان بادعائه القيام بمعالجات انسانية مزعومة” كما جاء في تغريدته على تويتر، لكن هذا لا يمنع من التطرق الى جميع الموضوعات ذات الصلة بالحرب مع من يرغب من هذا المجتمع الدولي بما يعكس عناصر القوة الميدانية التي يتكئ عليها ممثل انصار الله، مع الاشارة الى ان نائب المبعوث الدولي معين شريم حاول خلال زيارته الى صنعاء ان ينطلق من واقع القوة هذا للمكون الوطني اليمني لكي يطلب منهم ان يقوموا هم باطلاق مبادرة سياسية تتلقفها الامم المتحدة وتتخذها اساسا للتحرك الجديد لها، فتم تذكيره بان اطلاق المبادرات هو من اختصاص الوسيط الدولي وليس الطرف الذي يتعرض للعدوان.

3ـ اذا كان وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون جادا فا كلامه عن عقم الخيار العسكري وان المسار السياسي هو الخيار الوحيد لمعالجة الازمة اليمنية، فان ذلك قد يعتبر متغيرا ثالثا يشجع على فتح النوافذ السياسية المغلقة علنا، والتي حاول ولد الشيخ سابقا ان يوجد ثقوبا خفية لمد خطوط التواصل المنقطعة مع صنعاء وممثليها عبر سلسلة نشاطات ولقاءات ذات طابع بحثي، وذلك لاعادة تعويم دوره بطرق التفافية لكن دون جدوى، وبالتالي فان ترجمة التصريحات البريطانية ومعها الروسية حول الحل السياسي تحتاج الى مقاربة مختلفة في الاسلوب والاداء لاقناع اليمنيين في صنعاء بان المجتمع الدولي اقتنع بالممارسة بعقم الحرب وفشلها، لا ان يكون هدف الامم المتحدة غسل يدها من الدماء اليمنية البريئة عبر رعاية مفاوضات كيفما كان من اجل القول انها تعمل وتبحث عن الحل، وان المعرقل هم اليمنيون وليس الراعي الاميركي للعدوان السعودي الاماراتي.

* الصماد: خيارات الجيش واللجان الشعبية في منطقة الملاحة الدولية.. جاهزة

الماساة الانسانية في اليمن ستتفاقم لتبلغ اسوأ مؤشر ومنسوب في التاريخ المعاصر، لذا كان لا بد من لغة القوة لكي تنذر هذا المجتمع الدولي المتباكي بلا دموع على الضحايا اليمنيين، لكي يعرف ان هناك خيارات قد يلجأ اليها الجيش اليمني واللجان الشعبية في منطقة الملاحة الدولية بالبحر الاحمر ومضيق باب المندب اذا استمر توحش تحالف العدوان في تصاعده الهستيري بارتكاب صنوف الجرائم الفظيعة، وهي الرسالة الاخطر التي حمًلها صالح الصماد رئيس المجلس السيساسي الاعلى الى معين شريم من صنعاء لابلاغها الى من يهمه الامر والتي ربما عجلت في انهاء مهمة ولد الشيخ بطريقة مهينة تليق بادائه غير المهني، واستعجلت تحركا بريطانيا في باريس على مستوى اللجنة الرباعية ثم سفره الى مسقط، وغيرها من المؤشرات التي يمكن ان تظهر لاحقا، بعدما لجأ اليمنيون الى السقف الاعلى ليتحدثوا مع هذا العالم الذي لا يفهم الا بالقوة ولا يستيقظ ضميره الا بالقوة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.