ثقافة قانونية: الاتفاق النووي: نجاح للمفاوض الإيراني وللطرق السلمية لتسوية النزاعات

law-culture-iran

موقع إنباء الإخباري ـ
علي مطر:
تعتبر المفاوضات من أقدم الوسائل لتسوية المنازعات وأكثرها شيوعاً وأقلها ازدحاماً بالتفاصيل. ويمكن تعريف المفاوضة بأنها تبادل “الرأي بين دولتين متنازعتين بقصد الوصول إلى تسوية للنزاع القائم بينهما.
وتجري المفاوضات عادةً بين وزراء خارجية الدول المتنازعة وممثليها الدبلوماسيين، أو من يوكلون إليهم القيام بتلك المهمة.
وقد تجري المفاوضات في إحدى الدولتين المتنازعتين كما قد تجري في بلد ثالث، يكون من الدول المحايدة عادةً، وقد تجري المفاوضات في مؤتمر دولي أو منظمة دولية”.(1)
ويمكن القول إن التفاوض هو لقاء بغية التوصل إلى اتفاق. ويمكنه أن يحصل في إطار ثنائي أو متعدد الأطراف. وهو يعتبر بصورة عامة بمثابة عمل سابق للجوء إلى أية طريقة تسوية أخرى، لا تبدو ضرورية إلا بالقدر الذي يفشل فيه. ويمكننا أن نقول إن التفاوض هو تطبيق لمبدأ تسوية النزاعات الذي ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة في الفقرة الثالثة من المادة الثانية، أنه يوجد بالنسبة للدول الاعضاء موجب عام بألا تتخلف عن التفاوض الذي تعرضه دولة أخرى هي في نزاع معها.(2)
“وتطبيقاً لمبدأ حسنة النية، عندما يتم الشروع في التفاوض، يجب أن يدار بإرادة حقيقية للتوصل إلى حل. مع ذلك علينا أن نحدد بوضوح أن موجب التفاوض لا يعني موجب التوصل إلى حل”.(3) لكن المفاوضات تبقى الأساس للحل قبل اللجوء إلى التحكيم أو إلى استخدام القوة.(4)
وهناك العديد من الاتفاقات التي تحصل عبر المفاوضات، ونظراً إلى إجراء المفاوضات على ملفات عديدة بطريقة سرية، فإن الرأي العام قد لا يحاط علماً أو يدرك حصول مثل هذه الاتفاقات عبر المفاوضات.(5)
والمفاوضة يمكن أن تتم بالطريق الدبلوماسي العادي، فيجتمع الممثلون الدبلوماسيون لدى دولة ما بمندوبي  الأخرى الدولة ويناقشون معهم موضوع المعاهدة ويضعون نصها ثم يوقعونها. وقد تتم المفاوضة بطريق المؤتمرات الخاصة التي يدعى اليها مندوبو الدول المتفاوضة. وفي هذه الحالة تنسق أعمال المؤتمر ويوضع لها برنامج أو نظام داخلي توافق عليه الدول المتفاوضة. وقد تتم المفاوضة كذلك داخل إطار منظمة دولية معينة، إذا كانت هذه المنظمة هي الداعية إلى عقد معاهدة ما.
وبما أن المفاوضات هي مشاورات ومباحثات تجري بين دولتين أو أكثر بقصد تسوية خلاف أو نزاع قائم بينها، بطريقة ودية ومباشرة، فإنها تشكل جزءاً من عملية صنع القرار الوطني في الدولة، وتأتي التسوية لأي نزاع انعكاساً للاتصالات بين صانعي القرار في الدول المتنازعة وتعبيراً عن اقتناعهم بإمكان حل النزاع بطريقة ودية.
والتوصل إلى تسوية لا يخلو أحياناً من المساومات والتنازلات، ويؤكد البعض أن نجاح المفاوضات يتوقف في كثير من الاحيان، على مدى ما يقدمه الأطراف من تنازلات. لذا فإن التفاوض يفترض توافر قدر من المرونة لدى الاطراف يساعد على مراعاة حقوق كل طرف. و”بالإضافة إلى المرونة فإن التفاوض يجب أن يتميز ايضاً بالسريّة والكتمان لإبعادها عن التأثيرات الخارجية، وبسرعة الإجراء والإنجاز لتهدئة التوتر الذي ساد العلاقات بين الاطراف”.(6)
ومن المستحسن قبل بدء المفاوضات الرسمية، عقد اجتماع تمهيدي بهدف التعرف إلى موقف كل طرف، ووضع جدول أعمال معقول ومحدد. وتبدأ المفاوضات عادةً بأن يعرض كل طرف موقفه من النزاع ويطرح حججه وبراهينه، وليس هناك فترة زمنية محددة لإنجاز المفاوضات، وقد أثبت التعامل الدولي أن المفاوضات الناجحة هي تلك التي يقوم بها أصحاب الاختصاص، وأن يكون أعضاء الوفد المفاوض متضامنين ومتفاهمين.
وفيما يتعلق بالاعتماد على المفاوضات، وإمكانية اللجوء إليها في ضوء التجارب الدولية، يمكن التطرق إلى الاتفاق النووي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودول 5+1، الذي حصل في 24/11/2013، والذي يعتبر انجازاً دبلوماسياً كبيراً يمكن التعويل عليه، بحيث استطاع أن يحل أزمة كبيرة شغلت المجتمع الدولي بأسره، ونجح في إنهاء مشكلة كانت يمكن أن تولّد حرباً شاملة في منطقة الشرق الأوسط لا يحمد عقباها.
ويأتي هذا النجاح للمفاوضات، بعد مخاض عسير حصل لسنوات قبل الوصول إلى اتفاق، وذلك منذ عام 2004 وحتى أواخر العام 2013، حيث تم التوصل إلى  الاتفاق في عهد الرئيس حسن روحاني، بعد أن قطعت الحكومات الايرانية السابقة لا سيما حكومتا الرئيس محمود أحمدي نجاد أشواطاً كبيراً من المفاوضات.
وقد لقي الاتفاق، الذي أتى بشكل عادل، يضمن حقوق جميع الأطراف، ترحيباً دولياً كبيراً، مقابل معارضة اسرائيلية، لاسيما أن هذا الاتفاق تعثر طويلاً وسدّت في وجهه الأبواب، ومورست ألوان من العقوبات على إيران بعد كل جولة مفاوضات حوله، كما وضعت أمريكا والكيان الصهيوني استخدام القوّة العسكرية على الطاولة إذا ما فشلت المفاوضات في كف يد إيران عن أي إنتاج نووي حتى في الحدود السلمية التي تعترف بها الاتفاقية الدولية للطاقة النووية لجميع دول العالم، وهو ما يعتبر انجازاً إيرانياً كبيراً في وجه الضغوطات الإسرائيلية التي حاولت منعه، وجرّ الولايات المتحدة الاميركية إلى حرب مع إيران.
وأقرّ الاتفاق أن تواصل إيران التخصيب النووي في حد لا يتجاوز الخمسة بالمئة، وترك ما تم تخصيبه في حدود 20% لإيران من أجل التصرف به للأغراض السلمية. هذا وتضمن الاتفاق رفع بعض العقوبات. وأُعطي مدّة ستة أشهر لتنفيذ كل بنود الاتفاق من قبل الأطراف الموقعة عليه، وصولاً إلى اتفاق شامل حول النووي الإيراني، أي كل ما يتعلق بحدود التخصيب ومراكزه، وبالمراقبة الدولية، وبرفع كل العقوبات. وهكذا خرجت إيران من المفاوضات رابحة، وهي دائماً كانت تعلن أنها لا تريد تصنيع سلاح نووي، وكذلك ضمن الغرب أن إيران لن تقوم بتصنيع هذا السلاح.
لقد أثبتت الجمهورية الاسلامية الايرانية صموداً وشجاعة إزاء تهديدات استخدام العدوان العسكري، كما أثبتت الإصرار على مواصلة التخصيب النووي للأغراض السلمية كحق مكتسب. وهذا الاتفاق الإيراني، شكل اختراقاً عميقاً للموقف الأمريكي ـ الأوروبي ـ الصهيوني، ما يؤكد قوة الدبلوماسية الايرانية والرؤية الاستراتيجية التي تمتلكها.
ويعتبر هذا الاتفاق، نجاحاً أولياً للمفاوضات، يُبنى عليه لاستكمال النقاش والحوار، حتى الوصول إلى اتفاق نهائي وشامل، يبقى متأثراً بما سيحدث من تطورات دولية وإقليمية، ويبقى رهن ثبات الموقف الغربي وجديّته وعدم تعرضه لضغوط صهيونية.
وهذا الاتفاق، يؤكد أنه لم يعد يمكن عزل دولة إقليمية كبرى كإيران، ولم يعد يمكن الاستفراد بالرأي من قبل الدول الغربية، بغض النظر عما يحصل من متغيرات دولية وإقليمية. وقد بدأت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية تفقد أمرتها في النظام الدولي. وتبقى الإشارة إلى أن هذا الاتفاق يمكن أن يمهد لاتفاقات مهمة وأساسية في ملفات عديدة، كما انه لا بد من الإشادة ببراعة المفاوض الإيراني الذي استطاع تدوير الزوايا حتى الوصول لاتفاق مرضٍ وعادل وناجح.

الهوامش:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1: علوان، عبد الكريم، الوسيط في القانون الدولي العام (الكتاب الثاني القانون الدولي المعاصر)، مكتبة الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة الاولى 1997، ص183.
2: ماري دويوي، بيار، القانون الدولي العام، ترجمة محمد عرب صاصيلا وسليم حديد، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات، الطبعة الأولى، بيروت 2008، ص
594.
3: مرجع نفسه، ماري دويوي، بيار، ص 594
4: فان غلان، جيرهارد، القانون بين الأمم مدخل الى القانون الدولي، الجزء الأول، تعريب عباس العمر، دار الجيل، بيروت، الطبعة الاولى ، ص 206
5: انظر،المرجع نفسه، القانون بين الامم، ص 205.
6: المجذوب، محمد، القانون الدولي العام، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، الطبعة السادسة، 2007، ص 594

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.