ثلاثيات التهديد وأحزمة الإستنزاف

hassan-choukeir-tahdid

موقع إنباء الإخباري ـ
بقلم حسن شقير:

في التاسع من كانون الأول لعام 2011 ، نشرت صحيفة معاريف الصهيونية ، مقالة ً هامة للمستشار الاستراتيجي لرئيس الوزراء الصهيوني الأسبق يتسحاق رابين ، والمدعو حاييم أسا ، وذلك تحت عنوان ” ها هي التوقعات في الشرق الأوسط ” ، يستعرض فيها رؤيته  الإستراتيجية الفضلى لتحقيق الأمن للكيان الصهيوني على البعيد ، حيث يدعو إلى نظرية أمنية ، ترتكز على الإنطوائية ضمن حدود أمنة ، تنطلق من  ضرورة تطويق الكيان بطوق أولي مستقر .. ليحدث عندها الإستقرار في الطوق الثاني والثالث من تلك الدول المحيطة به … مشيراً إلى ضرورة تحقيق ذلك إن عبر ” معاهدات السلام ” أو حتى من خلال ” الحرب” إذا اقتضى الأمر ….
لقد أشرت في مقالة ” استقرار الطوق والذراع المستعصية ” والمنشورة بتاريخ 02-09-2013   ، بأن الكيان الصهيوني وضع هذه الإستراتيجية الحمائية  – والتي أشار إليها هذا المستشار – موضع التنفيذ العملي من خلال سعيه إلى استقرار طوقه من الذراع السورية ، بتشجيع إقامة ما سُمي بالجدار الطيّب على طول الحدود مع هضبة الجولان المحتلة ، وذلك من خلال استغلال العلاقة التي أنشأها مع المجموعات المسلحة هناك..والذي يبدو أن هذا المشروع قد فُعِّل في الأونة الأخيرة في تلك المنطقة ،وذلك من خلال الدعم الصهيوني المباشر لتلك المجاميع الإرهابية للسيطرة على معظم منطقة الفصل في الجولان ..
ولكن الأسئلة التي تفرض  نفسها هنا وبقوة : لماذا أعاد الكيان الصهيوني اليوم الزخم لتفعيل هذا الحزام في الجولان ؟ وهل المسألة  جزءٌ من الدور الصهيوني في ” تحالف الأربعين ” ، وبالتالي هل لها ارتباط بشكل مباشر فيما سمي زوراً بإئتلاف محاربة داعش ، والعين على محور الممانعة وبالأخص سوريا وحزب الله ؟ وهل هذه الإستراتيجية الصهيونية القديمة – المتجددة ، هي رد على الدور الإيراني في دعم الثلاثيات المطوقة للكيان الصهيوني ،لا بل  ونشر المزيد منها   ( كلام السيد الخامنئي عن تسليح الضفة الغربية ) ؟
وهل يُراد من  هذه الإستراتيجية الصهيوأمريكية أن تكون جزءاً من  الخطة التي أعدها أوباما لمنع قيام  نماذج لحزب الله  في المنطقة ؟ وذلك كمقدمة – لما ذكرناه سابقاً – حول ضرب هذه النماذج بالمليشيات التي ستعمل أمريكا على إقامتها ، وذلك تحت مسميات وحجج مختلفة … ليكون الهدف الأساس هو ضرب هذه بتلك ؟ وأيضاً تنفيذاً لسياسة الكيان الصهيوني الجديدة ، وتحقيق سعادة موشيه يعلون !!
أسئلةٌ كثيرة جداً ، لا بل أنها متشعبة في كثير من الأحيان… إلا ّ أن المرحلة القادمة تفترض التوقف عندها ، وبشكل مطول  …
في العراق : يختصر تعيين الجنوال الأمريكي المتقاعد جون ألن ، منسقاً عاماً لقوات التحالف ضد داعش ، الكثير من العناء حول الإجابة عن الكثير من الأسئلة أعلاها .. خصوصاً أنه كان له الباع الطويل في استراتيجية الولايات المتحدة  في مرحلتها الأخيرة في حربيها بكل من أفغانستان والعراق … وتحديداً لغاية الإعتماد على القوات المحلية ( الصحوات ) في ضرب أعداء أمريكا … وقد توالت المعلومات من العراق حول بدء التنفيذ العملي لهذه الرؤية الأمريكية من خلال تكثيف التواصل مع العشائر العراقية في الأنبار ، ناهيك عن بعض المجاميع الأخرى ، والتي كانت تُحسب على النظام البعثي السابق … حيث سيتم تسليح كل هؤلاء – بحجة محاربة الدواعش وطردهم من العراق – ، تمهيداً لتسليمهم المنطقة الشمالية والغربية منه ، والتي ربما سيتكاملون  ويتلاقون عند الحدود مع سوريا  مع أقرانهم من الذين تعمل أمريكا والسعودية على تدريبهم اليوم ، تحت عنوان المعارضة السورية المعتدلة .. حيث سيعمل على حقن هؤلاء بدءً من منطقة الحدود العراقية – السورية ، والحجة في ذلك محاربة الدواعش بعد حشرهم في سوريا …
رؤية المشهد من بعيد ، يُظهر أن تلك الحدود ستكون بمثابة منطقة عازلة ، لها بُعد طائفي معيّن ، وستعمل كسيف مصلت  ، لها وجهتان ، وأيضاً وجهان سياسي وعسكري في أنٍ معاً … لتتلاقى تلك المنطقة ، مع ما  كثُر الحديث عنه في تركيا مؤخراً حول ضرورة إقامة منطقة عازلة ، وذلك على الحدود مع سوريا والعراق ..  والحجة دائماً حاضرة … إنها داعش وخطرها على الأمن القومي التركي !!
في سوريا : تكتمل استراتيجية المناطق العازلة والمدججة بالسلاح ، ابتداءً مما ذكرناه سابقاً ، من منطقة الحدود مع العراق ، وصولا ً إلى منطقة الحدود السورية مع الأردن لناحية درعا ، والتي يُعمل على تمديدها ، لتلاقي اكتمال نظيرتها عند منطقة الفصل في الجولان المحرر ، بحيث أن المنطقة العازلة ، والحزام الأمني الصهيوني – بحلته الجديدة – قد ارتسم واقعاً هناك ، وأضحى من جهة أولى ، عنصراً أساسياْ في حماية الكيان الصهيوني ، وذلك عبر إفشال الثلاثية الذهبية هناك ، والتي كان قد تحدث عنها الرئيس  الأسد في أكثر من مناسبة ، هذا فضلا ً عن الدور الإضافي لهذه المجاميع الإرهابية في استنزاف وإشغال الجيش السوري وتشتيت قواه العسكرية ، لتأمين الحماية لقلب سوريا   ( دمشق )  من التهديد الأتي من الجولان ، والذي ربما يعود ويتلاقى مع من سبقه من تهديد لناحية الجهة الجنوبية مع الأردن !!!
لسنا بحاجة للتذكير أن حشر الدواعش في سوريا ، ورفد مجاميع الإرهاب ” المعتدل ” فيها ، سيؤسس بلا شك لمشهدٍ ميداني قاتم جداً في القادم من الأيام !!
لقد نبهنا منذ اللحظات الأولى لإنتهاء معركة يبرود( وذلك  في مقالة  ما بعد يبرود والجولان … دلالات استراتيجية ، والمنشورة بتاريخ 16-03-2014) إلى أن التوجه في المعركة القادمة ، لا بد أن يكون في الجولان ، لوأد الحزام الأمن ، وإجهاض الهدف منه … وذلك لتنفيذ الثلاثية واقعاً فيها ، وإبقاء الأمن الصهيوني مهتزاً ومستنزفاً ، ومُهدداً به على الدوام  ….
في لبنان :  منذ أن لاحت تباشير النصر للجيش السوري ، ومعه القوى المساندة في معارك القلمون الأخيرة ، وبعد أن تم طرد المجاميع الإرهابية من البلدات السورية القلمونية برمتها ، وتم وضع هؤلاء بين مطرقة سوريا من جهة وسندان لبنان من جهة ثانية … تحول المشروع الذي كان يرسمه هؤلاء – وبفعل الموقع الجغرافي الذي حُشروا فيه – من تنفيذ خطة إجتياح المناطق اللبنانية وربط بعض البلدات ببعضها ، تنفيذاً لمشروع الميني موصل الذي خططوا له .. إلى مشروع السيف المصلت على الضفتين اللبنانية والسورية أيضاً ، وذلك بتحويل الشريط الجغرافي الذي يتمركزون فيه إلى نقطة انطلاق إنغماسية نحو هاتين الضفتين ، وإن كانت الضفة اللبنانية لها النصيب الأوفر ، بفعل بعض البيئات الحاضنة التي تشكلها بعض مخيمات النزوح السوري ، فضلا ً عن بؤر انتشار متعددة على امتداد مساحة لبنان ..
يتفق كثرٌ ، على أن معركة عرسال الأخيرة ، والمستمرة لغاية اليوم ، كان وما زال هدفها الأساسي  هو تأمين شريان الإنعاش الدائم لذاك الشريط العازل بين سوريا ولبنان …
سواء اتخذ القرار السياسي لاحقاً بالسماح للجيش بإكمال ما كان يصبو إليه منذ بداية المعركة ، أم لم يتخذ ، فإن الفترة الزمنية التي فصلت معركة عرسال الأولى ، عن اليوم ، كانت وللأسف أكثر من كافية لمد الإرهابيين بمجمل مقومات الإنعاش ولفترة زمنية لا بأس بها …
ربما سنشهد في المرحلة القادمة محاولة من الإرهابيين بزيادة التمدد طولا ً بغية توسيع رقعة الإستنزاف والمواجهة ، هذا فضلا ً عن البحث الدائم عن مسارب جديدة وأمنة ، لتأمين تسرّب الإرهابيين إلى الداخل اللبناني ، وتحويلهم إلى إنغماسيين … والهدف على الدوام شل الثلاثية الذهبية في لبنان ، وتشتيت قوتها ، وإلهائها واستنزاف طاقتها في الداخل اللبناني ، بعيداً عن أي تهديد للحدود مع الكيان الصهيوني …بإختصار إنها استراتيجية الصهاينة  لضربٌ الثلاثية اللبنانية ، من خلال دعمهم لمشروعهم الجديد للأحزمة الأمنة في المنطقة … وذلك بطرق خلفية .
خلاصة القول ، تتمثل وجهة الصراع القادمة في المنطقة ، وذلك بعد إعلان أمريكا عن إئتلافها الجديد ، من زيف محاربة الإرهاب ، إلى حقيقة مؤداها ،  ضرب الثلاثيات والنماذج المقاوِمة ، وذلك  عبر الأحزمة المُستنزِفة ….
السؤال البديهي يكمن في استشراف كيفية تعاطي محور الممانعة مع هذه الإستراتيجية الجديدة في إقامة الأحزمة الأمنة ، ذات الحُلة والأهداف الجديدة على حد سواء ؟
باحث وكاتب سياسي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.