ثلاث سيناريوهات لمهمة الطائرة « MQ-1A» في سوريا.. فكيف ستبرر واشنطن إسقاطها..؟

 


إسقاط الطائرة « MQ-1A» شمال الأراضي السورية يفتح العديد من الأسئلة مما يوجب البحث في تفاصيل المناخ السياسي المحيط بسوريا للوصول إلى حيثيات المهام الموكلة بهذه الطائرة، ولماذا تمت عملية إسقاطها.
المناخ السياسي المحيط
تفرض الأجواء السياسية المحيطة أخيراً بالدولة السورية أن تقدم شيء من المرونة للإدارة الأمريكية التي عملت خلال المرحلة الفائتة على خلق الانطباع المؤيد لانقلاب موقفها أمام الرأي العام فيها، ومن خلال تصريحات “عراب الإرهاب” السفير الأمريكي السابق في دمشق “روبرت فورد” جاء الإعتراف الأمريكي الأول بالخسارة في سوريا، ومن ثم تصريحات رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السابق “جون برينان” التي أكد من خلالها على الاتفاق الأمريكي مع روسيا على ضرورة الحفاظ على المؤسسات السورية، وأخيراً جاءت تصريحات وزير الخارجية الأمريكية “جون كيري” بأن “التفاوض” ضرورة مع الحكومة السورية و الرئيس الأسد، وهذه التصريحات كافية لكي يعتبر الأمريكيون إنهم قدموا الطعم الملائم للحكومة السورية للحصول لاحقاً على التعاون الأمني بحجة محاربة تنظيم داعش، الذي ترفضه دمشق مع تعنت الإدارة الأمريكية و إصرارها على التمييز بين فصيل إرهابي وآخر، وفي نفس الوقت كانت الحكومات الأوروبية رافضة للتصريحات الأمريكية باعتبار إنها تخلِ أمريكي عن الحرب التي دخلتها أوروبا إرضاء لواشنطن، بالتالي أصبح المشهد وكأن الأمريكيين دفعوا بأوروبا لجبهة العداء مع سوريا ثم انسحبوا، كما إن العواصف التي تمر بها أوروبا على المستوى الإقتصادي ناهيك عن المواجهة المباشرة سياسياً مع روسيا التي أعلن رئيسها فلاديمير بوتين إنه مستعد لتحويل شبه جزيرة القرم إلى منطقة “نووية” في حال هددت المصالح القومية الروسية، وفي روسيا أيضاً سيعقد منتدى موسكو التشاروي في جولته الثانية التي باركتها الأمم المتحدة المملوكة القرار للإدارة الأمريكية منذ نشأتها، مما يشير إلى أن  الأوروبيين يفهمون جيداً مفاتيح اللعبة ويذهبون باتجاه الخسارة التي قد تهد الدنيا فوق روؤس ساسة أوروبا الغربية إن لم يدخلوا في الظل الأمريكي..
لكن هل تحولت السياسة الأمريكية عن مسارها حقاً، خاصة و إن النظر إلى جنوب الساحل الشرقي للبحر المتوسط يكشف مدى الخوف على انهيار الكيان الإسرائيلي سياسيا و أمنياً إذ ما تورط أكثر في الملف السوري، وإذ ما دخل بحرب مباشرة مع قوى المقاومة سواء في لبنان أو على جبهة الجولان السوري المحتل، وعلى ذلك لماذا دخلت الطائرة الأمريكية إلى الأجواء السورية..؟.
في الحدث عسكرياً ضبابية كبرى، ففي الحرب المفترضة على تنظيم داعش استخدمت قوات التحالف الطائرات بدون طيار، وهذا بإعلانها هي، وبناءاً على ما قاله الطيار الأردني الذي أحرقه تنظيم داعش فإن الحكومة التركية تشارك عبر قواعدها الجوية في التحالف برغم إنها ترواغ سياسياً من خلال السماح أو عدمه للقوات الأمريكية باستخدام قاعدة “إنجرليك” ومن ثم وبناء على ما تم  تداوله منذ أيام عبر وسائل الإعلام إن نظام حزب العدالة والتنمية سمح باستخدام هذه الطائرة للطائرات من دون طيار فقط، وهو نوع من الطائرات المستخدم في عمليات الاستطلاع إضافة إلى العمليات الهجومية المبنية على أساس استخباري ولا يراد أن تفشل، والثابت أن قوات التحالف كانت قد استخدمت هذه الطائرات في عمليات الرصد فوق الأراضي السورية، ولم تتعرض لها الدفاعات الجوية السورية قبلاً، على الرغم من كثافة الطلعات الجوية السورية خاصة في الوقت الذي تتواجد فيه مقاتلات التحالف، وكنتيجة لكون الحمولة العسكرية لطائرات التحالف المتطورة والتي تكون مزودة بعدد من الصواريخ المخصصة للاشتباكات الجوية أكثر من الصواريخ المستخدمة لضرب الأهداف الأرضية، يفهم أن القوات الأمريكية تعرف إن المساس بالسيادة السورية ممنوع، وللتذكير فإن وزير الخارجية الأمريكية “جون كيري” كان قد قال قبل بدء عمليات التحالف في سوريا، سننفذ هذه العمليات مع علمنا إن الدفاعات الجوية السورية متطورة، كل هذا يفتح السؤال عن السبب الذي لم تسقط فيه القوات السورية أي طائرة للتحالف سابقاً..؟.
عملية دخول الطائرة الأمريكية الصنع إلى الأجواء السورية لها ثلاث سيناريوهات ذات صبغة سياسية وعملياتية، حيث يذهب السيناريو الأول إلى كون الطائرة الأمريكية الصنع، تتبع القوات الأمريكية وانطلقت في مهمته من قاعدة «سينوب» والتي تقع على الشاطئ الجنوبي للبحر الأسود، وتوجد فيها رادارات بعيدة المدى وأجهزة اتصال متطورة، ويديرها موظفون من وكالات الأمن القومي الأمريكي، ومهمتها جمع المعلومات عن نشاطات الدول القريبة من منطقة البحر الأسود، ورصد تجارب الصواريخ النووية وجمع المعلومات والنشاطات البرية، وهذه القاعدة مزودة بأجهزة الكترونية متطورة حيث تلتقط رسائل الراديو الخاصة باتصالات الطائرات، وبكون العملية الأمريكية جاءت من الجهة الغربية لسوريا، والبعيدة عن المناطق التي ينتشر فيها داعش فإن المهمة التي كانت موكلة بها لا تمت للحرب المفترضة على التنظيم، وبكون الأمريكيين أدركوا سابقاً إن الدفاعات الجوية السورية باتت متطورة حد القدرة على رصد طائرات الاستطلاع و إسقاطها إلكترونياً كما حدث في ريف مشق الجنوبي الغربي، فإن المطلوب أولاً بالنسبة للأمريكيين معرفة القدرة الدفاعية الجوية لسوريا، فإن كانت دمشق قد سمحت بدخول الطائرات إلى مناطق داعش برضى منها لكون المتضرر من عمليات التحالف هو عدو، فإنها لاتسمح بأن تمس قواتها وإن كان بطريق الخطأ، وعلى ذلك فإن القوات المتواجدة في الساحل السوري كانت مستهدفة بشكل أساسي، خصوصاً معرفة أماكن انتشار الدفاعات الجوية في المنطقة التي أسقط فيها سابقاً طائرة تركية خلال المرحلة الأولى من عسكرة الأزمة السورية، على ذلك فإن القوات الأمريكية افترضت إن استخدام طائرة متطورة من هذا الطراز سيمكنها من معرفة المعلومات المطلوبة خاصة وإن القوات التركية الحليفة لواشنطن جاهزة للتصعيد مع سوريا عسكرياً في حال ذهبت الحلول السياسية إلى الخانة التي لاتريدها واشنطن، وفي حال خرجت الميليشيات التكفيرية من الأراضي السورية، وبكون هذه المعلومات خط أحمر عريض تفاجأت أمريكا بالقدرة الجوية السورية التي تتطورت خلال المرحلة الماضية بشكل كبير، وعلى ذلك ما ظنت حكومة الكيان الإسرائيلي بأنه ضربة قوية لهذه الدفاعات بضرب مركز استراتيجي مثل مركز “تل الحارة” في الجنوب أثر على قوة سوريا العسكرية لم يكن سوى زوبعة في فنجان، فاستراتيجية الحرب تفضي إلى أن حكومة مثل السورية التي عملت على مأسسة مؤسستها العسكرية مدة طويلة لن تخطأ بأن تضع ثقلها في – حرب الإلكترون –  قبالة القوات المعادية، وعلى ذلك فإن السيناريو الأول للعملية يفضي إلى أنها أمريكية خالصة، في خلفيتها السياسية تفضي إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد عندما أكد على ضرورة ربط الأقوال الأمريكية بالأفعال، إنما أكد للأمريكيين أن سوريا تنظر إلى أمريكا بعين الريبة ولا يمكن الوثوق بالإدارة التي تدعم الإرهاب وتصر على تدمير سوريا.
في سيناريو ثان قد تكون واشنطن خارج صورة الحدث، بمعنى إن دول أوروبا الغربية و ربما فرنسا أو بريطانيا وبالتعاون مع تركيا قررتا التصعيد عسكرياً مع سوريا ، لكن الأصل في هذا القرار سيكون بالقطع إسرائيلياً، لخرق مساعٍ دبلوماسية في ملفات عدة منها  لخرق الجهود الدبلوماسية الروسية بما يخص الملف السوري، وخرق التوافقات “الأمريكروسية” من خلال توجيه الطائرة في مهمة تستهدف القوات السورية التي تقاتل في الشمال السوري، لكن الأساس بالنسبة لتل أبيب هو تعطيل الاتفاق على الملف النووي الإيراني، لربط إسرائيل بين الملفين السوري والإيراني على الرغم من إصرار الحكومتين على انفصال الملفين قطعين.
وفي مثل هذا السيناريو، يمكن الجزم بأنه دخول « MQ-1A» الاجواء سوريا جاء في محاولة محاولة إسناد تركيا للميليشيات المسلحة في “سلمى” بريف اللاذقية وما بعدها باتجاه الحدود السورية التركية، الأمر سيعرقل توجه قطبي السياسة العالمية نحو حلحلة الأزمة السورية، فكان خروج الطائرة من القاعدة الجوية البريطانية في القسم اليوناني من الجزيرة القبرصية وتحديداً من جنوب غرب قبرص نحو سوريا، والمراد من هذه العملية في مثل هذه الحال الحفاظ على حالة المواجهة في سوريا على المستويات كافة، فيكون الصراع العسكري مع الميليشيات الحالة التي يضمن من خلالها نشر الفوضى، وفي مثل هذه السيناريو اعتبرت الحكومة السورية الطائرة المتواجدة في البحر معادية ومهمتها تستهدف القوات السورية وعلى ذلك اتخذ قرار إسقاطها.
الاحتمال الثالث، أن تكون العملية بتوافق أمريكا ومجموعة الحلفاء وبدفع إسرائيلي لمعرفة ماذا إذا كانت سوريا قد وقعت في الفخ السياسي الذي تحاول واشنطن أن تموه عليه من خلال التصريحات السياسية بضرورة التعامل مع الحكومة السورية، فخرجت الطائرة من قاعدة انجرليك في مهمة كشف واستطلاع وربما مهاجمة نقطة بعينها، وسيكون من الطبيعية أن تبرر أمريكا هذا العدوان في حال تمامه بأحد أمرين، الأول إنها ضربت «منشأة نووية» أو ما شابه وبالتالي يتم تداول الأمر على إنه حقيقة في حين إنها تكون قد استهدفت نقطة عسكرية حساسة، أو إنها ستبرر ذلك بـ “الخطأ”، لكن الخطأ مع تقنيات « MQ-1A»  لا يصدق.
القرار السوري.. والتبرير الأمريكي
رصدت الدفاعات الجوية الطائرة منذ دخلوها المياه الإقليمية، أعلمت القيادة السورية بالطائرة، واتخذ القرار بمتابعة تحركاتها حتى دخولها في مرمى نيران دفاعات جوية من طراز متطور بكون الطائرة تمتلك تقنيات عالية في التمويه والمناورة في الجو، ضغط على زر الإطلاق و الإصابة مذهلة لأمريكا، لكن بما ستبرر الحكومة الأمريكية المهمة السقوط..؟.
مبررات أمريكا أو الجهة التي ستتبنى الحدث، وربما تكون تركيا هي الواجهة، سيكون بأن المهمة التي كانت منوطة بالطائرة « MQ-1A» مهمة استطلاعية لرصد تحركات تنظيمي جبهة النصرة وخراسان الذي لا تعرفه إلا المخابرات الأمريكية، وسيكون لسقوط الطائرة دلالته وستحاول أمريكا توجيه الضوء نحو اتهام الحكومة السورية بعرقلة الحرب على الإرهاب لأغراض سياسية، وهذا أيضاَ ما ترفضه أدوات التكفير المنطقي.
في احتمال آخر سيكون البيان المبرر لسقوط الطائرة بأنها كانت تبحث عن منشآت نووية، أو كيميائية، وهذه الورقة التي تحضر لاستخدامها أمريكا منذ استصدار القرار الأممي الذي أدان استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا تحت الفصل السابع، وبالتالي ستحاول الحكومات المعادية لسورية أن تلعب بهذه الورقة، من خلال الهجوم على الحكومة السورية التي أفشلت المهمة وعلى ذلك سيكون من الطبيعي أن يذهب إلى أحد أمرين.
الأول: تسكت أمريكا عن الحدث لأنها أدركت تماماً أن استفزاز سوريا سيكون وبالا عليها، تعود إلى خانة التصريحات التي تذهب من خلالها نحو التصالح مع الواقع و الرضوخ للشروط السورية في إنهاء الأزمة السورية، وهذا توجه يناسب الهزيمة بكون أمريكا ستعتبر الأمر فضيحة لقدراتها الجوية، فالهزيمة أمام الدول الضعيفة مثل فيتنام مازالت تهز أمريكا إلى الآن، وتكرار مثل هذا السيناريو أمام الرأي العام الأمريكي سيفقد الحكومة الأمريكية القدرة على إقناع الرأي العام بقدرات القوات العسكرية الأمريكية.
أما الخيار الثاني: التصعيد مع الحكومة السورية حتى اللحظة الأخيرة، واعتبار إن عملية الإسقاط استفزازية للولايات المتحدة مباشرة، على أن يتم التمويه إعلاميا على مهمة الطائرة « MQ-1A» بوصفها ضمن عمليات التحالف الأمريكي ضد الإرهاب، وبالتالي فإن دمشق –من وجهة نظر واشنطن- ستكون داعمة للإرهاب وسيعمل على استصدار قرار إدانة لها ليتم من خلاله الذهاب نحو عدوان مباشر على سوريا بحجة «الحرب على الإرهاب».
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.