جمهورية نجد الشعبية الديمقراطية

 

موقع العهد الإخباري ـ
محمد محمود مرتضى:
لم اعتد، منذ ان بدأت الكتابة والعمل البحثي ان اكتب بطريقة تهكمية، الا ان ما قرأته في الصحافة السعودية حتم علي اعتماد هذا الاسلوب نظرا لما حملته تلك الصحافة من شعارات تثير الاستهزاء، ومقولات خيالية بعيدة كل البعد عن الواقع .

فمنذ حادثة تدافع الحجاج في منى ومطالبة الجمهورية الاسلامية بتحقيق اسلامي دولي بالحادثة، والاعلام السعودي في حالة محمومة من الهجوم على ايران. ان المطالبة بتحقيق محايد في حادثة جرت على اراضي مملكة من المعلوم عدم نزاهة قضائها وخضوعه لرغبات الملوك والامراء، هو مطلب محق، ليس لايران فحسب بل لكل دولة تضررت من جراء الحادثة، لا سيما مع وجود فرضيات تتعلق بمرور مواكب سيارة لبعض الامراء قد ادت للتدافع. ومهما يكن من امر فان اللافت في الاعلام السعودي بعض الشعارات والعناوين التي رفعت والتي تبدو انها ” نكتة” سمجة حتى لا نقول انها كذبة قد صدقها مطلقوها. وهذه بعض النماذج :

1- وزير الخارجية السعودي والديمقراطية : في تعليق على سؤال لقناة العربية حول خطاب الرئيس روحاني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير: «آخر من يتحدث عن الديمقراطية يجب أن يكون الرئيس الإيراني». فان كانت ايران دولة الدستور والمؤسسات والانتخابات، هي آخر من يحق له التحدث عن الديمقراطية، ففي اي مرتبة تقع مملكتكم يا حضرة “الجبير”؟ ربما لا يعلم الجبير انه وزير خارجية لمملكة كل ما فيها هي ملك للملك والامراء، حتى اسمها، وانها لم تعرف الانتخابات يوما، وان دستورها هي ما وضعه المؤسس عبد العزيز من تقسيم الاملاك بين الامراء وكيفية توارث السلطة.

الملك سلمان

2- “فهد بن جليد” وتجلد العقول: نموذج اخر قدمه فهد بن جليد في صحيفة الجزيرة حيث قال: ” إيران متورطة دولياً، ومُتهمة بالتدخل الفج والسافر في قضايا الأمة العربية، والإسلامية”. حسنا قد نفهم مقولة التدخل في قضايا الامة العربية باعتبار ان ايران فارسية، وان كان الاسلام يعتبر انه لا فضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى، وان الحديث عن امة عربية هو حديث يخالف روح الاسلام الذي جاء لنبذ الفرقة، ومع ذلك قد نفهم مقولة التدخل في القضايا العربية، لكن ماذا يعني كلام الكاتب عن ان ايران متهمة بالتدخل في قضايا الامة الاسلامية؟ فهل ايران هندوسية او بوذية مثلا؟ ام انهم “مجوس” كما يقولون. اذن لما تسمحون لهم بالحج الى بيت الله الحرام؟ ثم عن اي امة اسلامية تتحدثون؟ فان وهابيتكم لا تثبت الاسلام الا لمعتنقيها اما باقي المذاهب فمشركة او كافرة ان مبتدعة.

3- إبراهيم الفرحان الذي لم يعد فرحانا: اما ابراهيم الفرحان فقد كتب في صحيفة مكة بان ” تورط حجاج إيران وأتباع مذهبها وحلفائها ليس مستبعدا، بل يتأكد مع مرور الوقت أن لها يدا في التخطيط لحادثة تدافع منى، وإلا فمن أين جاء القتلى الإيرانيون في الوقت الذي لم يكن بين جموع الشارع 204 أي إيراني” يبدو ان “الذكاء الوهابي” يتم توراثه، هل يعتقد الكاتب ان الحجاج الايرانيين نزلوا بواسطة المظلات؟ وهل يصح رجم الشيطان من المظلة؟ افتونا بذلك مأجورين. على ان الملفت للنظر قوله: ” واتباع مذهبها”، ثم بعد ذلك يأتون ليتساءلون من اين اتت داعش بالتكفير. لا يحتاج الانسان لمطالعة كتب الوهابية لمعرفة مصادر الفكر التكفيري، بل تكفي مطالعة صحافة المملكة ليعلم جذور ومصادر هذا التفكير الداعشي وغير الداعشي.

4- خالد السليمان والنظام السعودي العلماني؟: الكاتب خالد السليمان كتب في صحيفة عكاظ بان مشكلتهم ” لم تكن يوما مع الشعب الإيراني، بل مع نظام مؤدلج تحكمه العرقية والطائفية”. ولعمري هل فاتني تغييرات حصلت في المملكة وانا على غفلة من امري بحيث سقط حكم الملكية المطلقة والوهابية التكفيرية، وتحول الحكم في السعودية الى حكم علماني؟ هل تغير اسم “الدولة” من المملكة العربية السعودية” الى “جمهورية نجد الشعبية الديمقراطية” ؟ غريب امر هؤلاء فحتى اسم مملكتهم احتكرها ملوكهم واطلقوا عليها اسمهم ( المملكة السعودية نسبة لال سعود) ثم يتهمون ايران بالادلجة مع ان دستورها ينص على حقوق الاخرين من الطوائف والمذاهب والديانات الاخرى.

5- المتطير عبد الله بن موسى الطاير: اما عبد الله الطاير فوجّه في صحيفة الرياض دعوة الى ما سماهم “بالشيعة العرب”  للبراءة من نظام “الملالي” وفضح كيدهم للأمة. وفي ذلك مفارفتان : الاولى ان كلمة الملالي تعني علماء الدين فهل النظام السعودي علماني يفصل بين الدين والدولة؟ اما الدعوة لشيعة العرب للبراءة من ايران الا يلزم اولا ان تعترف الوهابية بالشيعة انهم مسلمون ولا تكفرهم؟ ثم ان في المملكة والمنطقة الشرقية تحديدا مئات الالاف من الشيعة فلماذا لا يعطون حقوقهم المدنية والدينية كمواطنين سعوديين قبل دعوتهم للبراءة من ايران او غيرها. على ان الحرمان في “مملكة الظلام” لا يقتصر على الشيعة فحسب بل يطال معظم المواطنين السعوديين المغلوب على امرهم والذين يعيشون تحت خط الفقر على حساب رفاهية الطبقة الحاكمة من ال سعود وال الشيخ، فضلا عن التمييز العنصري الذي يطال اصحاب البشرة السمراء. وهذا يذكرنا بالتقرير الذي اعدته مجلة فرونت بايج الاميركية في شهر شباط/فبراير الماضي الذي وصفت فيه المملكة بأنها أكثر الدول عنصرية في الوطن العربي. دون ان ننسى المعاملة السيئة التي تتعرض لها العمالة الاجنبية، حتى ان بعضهم يتم التعامل معه بما هو اسوء انواع الرق والاستعباد.

كثيرة هي الكتابات التي تشبه هذه النماذج والتي ملأت الصحافة السعودية. حتى يخال المرء انه يقرأ صحافة لدولة تنعم بالديمقراطية، وبحرية الصحافة والتعبير، والواقع ان الديمقراطية عندهم “رجس من عمل الشيطان” الذي يجب اجتنابه. وقد قيل فيما قيل : اكذب اكذب حتى يصدقك الناس. لكن الواقع ان الصحافة السعودية وكتّابها قد وصلوا الى مرحلة متقدمة : فقد كذبوا وكذبوا حتى صدقوا انفسهم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.