حرب «إقليمية – دولية» ضد الإرهاب

SUDAN-SSUDAN-UNREST-TALKS-AU-UN-ABYEI

صحيفة الجمهورية اللبناينة ـ

غسان جواد:

عندما انتقد الرئيس السوري بشار الاسد بمفردات قليلة المبعوث العربي ـ الدولي الاخضر الابراهيمي، كانت قد تجمّعت لديه معطيات عن حوارات يجريها الأخير مع فصائل المعارضة السورية لإقناعها بالمشاركة في مؤتمر «جنيف ـ 2» ويلتزم خلالها حتمية تنحّي الرئيس السوري. ولذا، كان لا بدّ من إشارة تدعو الابراهيمي للعودة الى طبيعة مهمته بصفته وسيطاً، وليس طرفاً قادراً على تقديم الوعود وتطبيقها.

كان هذا منذ اسبوع تقريباً، وعلى رغم ذلك، ها هو الابراهيمي يعود الى سوريا التي غادرها منذ عام في آخر زيارة له، ليجد كثيراً من الأمور قد تغيّرت. لم تعد أصوات القذائف والصواريخ تخترق مسامعه في مقر إقامته في أحد فنادق دمشق، ولم تعد تسمع اصوات الانفجارات المدوية من الريف الدمشقي القريب والبعيد، لتفرض نفسها على أجواء المحادثات بينه وبين القيادة السورية.

عودة الابراهيمي الى دمشق مختلفة عن تلك التي غادرها منذ عام. بدءاً من المطار وطريقه، وصولاً الى قصر المهاجرين. الدولة بسطت سيطرتها على اجزاء واسعة من الارض، واستعادت زمام المبادرة ميدانياً، والاهم ان كل الظروف السياسية التي كانت تتصدر المشهد يومذاك تبدلت لمصلحة النظام ورئيسه.

يروى انّ الابراهيمي سأل الرئيس السوري في آخر لقاء بينهما في كانون الاول الماضي اذا كان سيترشح للإنتخابات الرئاسية. يومها لم يَرق السؤال للمضيف وجاء الجواب ديبلوماسياً وغير شافٍ. وانتقدت الصحافة السورية مهمة الابراهيمي واتهمته بالتدخل في ما لا يعنيه. اليوم يعود الوسيط الدولي وقد أعلن الاسد أن لا “مانع” من ترشّحه لولاية جديدة، وحسم النقاش الدائر حول بقائه او رحيله. فماذا سيناقش الرجلان؟ وهل يحمل الابراهيمي طرحاً جديداً؟

من الواضح أن بعض فصائل المعارضة السورية المسلحة لا تزال ترفض الاعتراف بأهمية “التحولات” السياسية التي طرأت على الازمة السورية في الشهرين الاخيرين. حال الانكار والرفض لكلّ حل سياسي “مقبول” لا تزال تسيطر على عقل هذه المعارضة وقرارها. والدول الاقليمية الراعية لهذه الجماعات لا تزال تراهن على تحصيل مكتسبات، ولو قليلة، ملوّحة بقدرتها على التخريب. المستوى الدولي في محور الحرب على سوريا يبدو أكثر عقلانية. واشنطن تستدير لكنها قاطرة كبيرة تحتاج استدارتها وقتاً طويلاً لتتظهّر وتتضِح. الدول الاوروبية، ومنها فرنسا وبريطانيا، تحصي خسائرها المعنوية وتحاول ترطيب المناخات مع موسكو، المستفيدة الاولى من التراجع الاميركي عن الازمة السورية. تركيا تحاول قدر الامكان الحَد من الخسائر وإطفاء النيران التي علقت في ثوبها، قطر عادت الى حجمها ودورها، ولم يبق غير الرياض تتخِذ الموقف المعترض.

هذا المشهد المعطوف على التفاهم الروسي ـ الاميركي حول الكيماوي السوري، وملامح التقارب الاميركي ـ الايراني، دفع بالرياض الى قيادة “محور ثالث” في الحرب على سوريا والمقاومة، انه محور المعارضة المسلحة و”داعش” و”النصرة” في الشام والعراق، وقادة المحاور في طرابلس ولبنان وربما غيرهم ايضاً. وعليه، أصبح في الازمة السورية ثلاثة محاور: الاول روسي ـ صيني ـ ايراني، والثاني اميركي ـ اوروبي ـ تركي ـ قطري، والثالث سعودي ـ أصولي متشدد.

يروق للأسد ان يشرح للإبراهيمي هذه المعادلة. ليس من مصلحة أحد ان يفوز المحور الثالث، البعض يتحدث عن حرب “اقليمية ـ دولية” ضد الارهاب انطلاقاً من سوريا في إطار التسوية والتفاهمات المتوقعة خلال سنة من الان. ماذا سيجيب المبعوث الدولي؟ وهل لديه تصوّر أوضح عمّا ستقدمه القيادة السورية؟

في ظلّ الظروف والمناخات القائمة ليس ثمّة أمل في انعقاد مؤتمر “جنيف ـ 2″، لكن ماذا بعد؟ وهل عرقلة الحل السياسي تؤثر في الوقائع السياسية الصلبة التي تأسست في الأعوام الثلاثة الماضية؟

لم يعد الامر مقتصراً على الغضب، أصبحت المملكة تلعب في دائرة المعارضة، الا اذا كانت تنسّق خطواتها مع بعض الدوائر في واشنطن بمعزل عن الادارة الاميركية الحالية. عندها، سنستيقظ يوماً على قواعد لعبة جديدة، لن تكون الرياض في منأى عنها. 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.